محمد بن عبد الله الشريف : أستعير هذا الشطر من بيت الشعر المعروف لأضعه عنوانا لمداخلتي هذه المرة، لأنني لم أجد أدق تعبيرا ووصفا لحال سوق الأسهم، من هذا التعبير، قد اختطفه مختطفوه من محترفي الانتهازية والاستغلال، بعد أن خلا لهم الجو ولم يعودوا يكترثون بنظام أو عرف أو مبدأ أو ضمير، أو حتى عقوبة، وأصبحوا يسيطرون على مقدرات السوق، أمام سمع وبصر الهيئة، وهي تحاول جادة استكمال مقومات السوق، ولو متأخرة بإقامة أعمدته، وآخرها شركة السوق ذاته، وشركات الوساطة، التي يبدو أنها، على كثرتها، لم تفز من الكعكة بما يسد الرمق!...، وأزعم أن السبب في جزء كبر مما يعانيه الوضع، هو أننا، كما ذكرت في مقال سابق (الاقتصادية 17/6/1428هـ) أنشأنا الهيكل، ولم نستكمل البنيان، حتى تسلل من خلاله العابثون وأحكموا قبضتهم!
تأملوا فيما يجري واحكموا، تأملوا في حركة المؤشر، صعودا ونزولا، لكي تدركوا أنها لا ترتبط بأي مقومات يمكن الركون إليها للقول إن ما يجري هو في نطاق المنطق والمعقول!.. فحين يهوي المؤشر بالحد الأقصى في يوم، ثم يقفز بالحد نفسه في اليوم التالي، فهو أمر لم يحدث حتى في أشد الأيام سوادا، أيام الانهيار الكبير عام 2006، وحين تكون الشركات الصغيرة والخاسرة هي التي تقود المؤشر، وتستحوذ على النسبة الكبرى من حركته صعودا ونزولا، وألا ترتبط الحركة، من قريب أو بعيد، بالأرباح، أو بقيمة الأصول، فهو ما يبعث على العجب، ويكفي لتفسير السبب!..، فالأرباح التي تأتي بالهلل كل سنة، ليست مطمعا لمن يمسكون بزمام المؤشر، يعسفونه عسفا، هبوطا وصعودا، إذ هم يتركونها للسذج، ولا تنفعهم إلا (تدبيل) محافظهم مرة في السنة على الأقل، بدلا من انتظار الهلل!..، كلما أتأمل في واقع السوق، ماضيه وحاضره، ينتابني شعور أن كلما عملناه من خطوات للتطوير والحماية، تبدو كأنها تخدمهم، بوجه أو بآخر، أو أنهم يطوعونها لمصالحهم، ويجدون فيها ثغرة ولو ضيقة، تكفي للتسلل والعبث!
وآمل من القارئ الكريم أن يستمر في التأمل وأمامه الأمثلة الآتية:
1 ـ عندما رفعنا شعار توسيع قاعدة السوق لكي يصعب على المتلاعبين التأثير فيه، وفتحنا الباب واسعا لولوج المزيد من الشركات، لم يبق أحد إلا ودفع الباب للولوج، حتى بائعوا الملابس، عندما شكلت لهم هذه الفرصة فتحا عظيما في التخلص من بضائعهم، ولو كانت كاسدة، بأثمان لا يحلمون بها، وقذفها في حلوق السذج، الذين لم يستطيعوا التخلص منها حتى الآن، ولو بنصف الثمن!..، وهكذا، فرغم توسيع قاعدة السوق، أفقيا ورأسيا، فلم يكن هذا كافيا للحد من تسلط البعض واستحواذهم على مقدرات السوق.
2 ـ ثم جاءت علاوة الإصدار، التي بدت وكأنها القناع الذي أضفى غلافا من المشروعية على ما تم من استحواذ، على ما في أيدي الناس من ثروات، بخاصة وقد بولغ في تضخيمها بفعل عدة عوامل، منها أسعار السوق المتضخمة أصلا، والبعيدة عما تساويه الأصول المقابلة للأسهم، ومنها ما اكتشف فيما بعد ضمن قاعدة بناء الأوامر لإخضاع هذه العلاوة للمساومة التي زادتها نفخا!..، إلى أن غدت هذه الأسهم تصارع للحفاظ على نصف رأس مالها الذي بيعت به، حتى والسوق في أحسن حالاته!..
3 ـ ثم أتى هذا الزخم الكبير من الشركات الهزيلة في قطاع التأمين، التي فتح لها الباب، برؤوس أموال متدنية، وجد فيها المتلاعبون ضالتهم، في تقاذفها يمنة ويسرة، صعودا وهبوطا حتى قبل أن تحصل الواحدة منها على عملية واحدة، ولو صغيرة، من الأعمال التي أنشئت من أجلها!..، وقد بدا الأمر وكأننا بفتح هذا القطاع، على هذا النحو، نفسح لهم المجال لزيادة العبث!..، والغريب أننا لم نتعظ من سابق تجربتهم في قطاع آخر، عانى ولا يزال، من عبثهم، وهو القطاع الزراعي!
4 ـ أما الاكتتابات الكبيرة، وقد بدا وكأن المقصود بها الأسر والأفراد، ذووا الدخول المتواضعة، فقد كان ما يحصل عليه هؤلاء عادة لا يتجاوز الحد الأدنى، ولم يكن، بالتالي، يستأهل الاحتفاظ به كاستثمار، إذ سرعان ما يتبخر من أيديهم، لقلّته وخفّته، لكي يتجمع في أيدي الكبار، الذين كانوا مطمئنين، من أنهم إن لم يحصلوا عليه اكتتابا، فسيحصلون عليه اجتلابا!..، والمحصلة، أن أسلوب الاكتتابات، بحدها الأدنى المحدود، وحدها الأعلى المفتوح، تكرس مبدأ الهيمنة والاستحواذ، التي تتنافى مع توجهات الدولة، ولابد من رفع الحد الأدنى إلى عدد معقول من الأسهم يكون مغريا للاحتفاظ به, مع وضع حد أعلى لا يصل إلى حد السيطرة، وعندها سيكون الإقبال على الاكتتاب، ومن ثم الاحتفاظ بما يخصص مضمونا، وهذا سيوفر على الشركات المبالغ الضخمة التي تنفقها على الدعاية، بضغط من متعهدي التغطية، وصل إلى حد تغليف كل الصحف اليومية بمغلفات للدعاية تتجاوز ما عهدناه!.
5 ـ أما الملحظ الأخير فهو حول الأسلوب الجديد الذي صاحب اكتتاب شركة quot;سبكيمquot; والمتمثل في فتح الاكتتاب لحملة الأسهم بحقوق أولوية بمعدل سهمين لكل ثلاثة أسهم بسعر عشرة ريالات كقيمة، وخمسة ريالات كعلاوة إصدار، ثم إتاحة فرصة أخرى للاكتتاب للملاك ذاتهم في أسهم إضافية، بالسعر الذي يختارونه، من بين أربعة أسعار هي 15 و20 و24 و29 ريالا، وفي حال بقاء أسهم لم يتم الاكتتاب بها، فإن الاكتتاب فيها من حق متعهد التغطية بالسعر الأدنى! والسؤال الذي تثيره هذه المنهجية هو: لماذا يفرض على المكتتب دفع سعر أعلى مما سوف يدفعه متعهد التغطية؟ أليس مالك السهم أحق بشرائه من غيره بالسعر الأدنى؟، وبمعنى آخر هل يصح مثلا إجراء مزايدة على سلعة ما تبدأ بحد أدنى، ثم يقال إنها من حق مزايد معين، السعر الأدنى، إذا لم يتقدم مشتر بأعلى منه، ألا ينسف هذا مبدأ المنافسة؟!
أقول، في الختام، إذا كانت بعض القواعد والمنهجيات والأساليب مأخوذا بها، أو تصلح للأخذ بها في بعض الأسواق، فإنه ليس شرطا أن تخدم الوضع لدينا، لأن وضعنا هش وغريب تقوده مجموعات وأفراد لا تدين بمبدأ ولا نظام!
- آخر تحديث :
التعليقات