غداة انتقادات لاذعة وجهها الرئيس
الجزائر تراجع خطط الاستثمار والخصخصة

كامل الشيرازي من الجزائر
أعلنت الحكومة الجزائرية، الأربعاء، شروعها في مراجعة سائر خططها المتعلقة بالاستثمار والخصخصة، وأتى الإعلان 96 ساعة بعد الانتقادات اللاذعة التي كالها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لسير القطاع الاقتصادي في الجزائر، واستيائه عما اكتنف مخططات استثمارية شّرع فيها قبل نحو تسع سنوات، بجانب تحفظه بشأن صيرورة خطة بيع نحو 1200 شركة مملوكة للحكومة.

وأورد وزير الاتصال الجزائري quot;عبد الرشيد بوكرزازةquot; في مؤتمر صحفي، أنّ حكومة بلاده قررت إعادة النظر في الإستراتيجية المتبعة في السابق، مضيفا أنّه تقرر بعث ورش تعنى ببحث آليات مغايرة لما كان معتمدا، على سبيل تدارك نقائص لاحظها خبراء قبل فترة ليست بالقصيرة، وتخص أساس منظومة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ظلت تشوبها أكثر من شائبة.

وتتضمن التدابير الجديدة مرونة أكبر لمشاريع المستثمرين العرب وكذا حركة رؤوس الأموال، وتنوي السلطات استخدام ما يُعرف بـquot;حق الشُفعةquot; ضدّ كل مستثمر أجنبي يريد تحويل أو التخلي عن استثماراته في الجزائر، كما سيستعمل (قانون الشفعة) لاسترجاع بعض الأملاك غير المستغلة والمتواجدة بالمناطق الصناعية بهدف إعادة وضعها في السوق من جديد كما سيتم استرجاع بعض العقارات الصناعية التابعة للمؤسسات العمومية التي تعرضت للحل، والتي يبلغ عددها 1500 مؤسسة، تملك حوالي 15 ألف هكتار غير مستغلة، وهو ما قد يغطي احتياجات السوق المحلية، علما إنّ عملية مسح العقارات التابعة للدولة طالت ستة ملايين هكتار، أي نصف المساحة الكلية المقدرة بـ12 مليون هكتار، ويتطلب إنهاء هذه العملية فترة تمتد من 10 إلى 15 سنة.

وتسبب عقبات في ترك عشرات المشاريع الاستثمارية العربية الضخمة عالقة، رغم أهميتها القصوى في قطاعات العقار والسياحة والبترول والغاز والصناعة وتطوير الموانئ والبنوك، لا يزال أصحابها بانتظار الضوء الأخضر، على الرغم من كون هذه المشاريع تسيل لعاب أكثر من دولة في العالم، بقيمة تربو عن مليارات الدولارات، لكن عراقيل بيروقراطية جابهتهم أرغمت كثيرا منهم على تحويلها إلى المغرب وتونس، ومنها مشاريع عقارية بقيمة 17 مليار دولار تم تحويلها السنة الماضية إلى المغرب بسبب ممارسات الإدارة الاقتصادية في الجزائر رغم حديث السلطات هناك عن quot;انفتاح كبيرquot; على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو واقع على هزاله دفع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى تحميل وزراء في حكومته مسؤولية هروب هذه الاستثمارات من الجزائر نحو دول الجوار.

في الشق المتعلق بالخصخصة، تتجه الحكومة إلى مراجعة سياستها القاضية ببيع مئات المؤسسات العمومية، بعد (التعثر الظاهر) لخطة الخصخصة أربع سنوات بعد طرح الحكومة الجزائرية لنحو 1200 مؤسسة على طاولة الخصخصة بشقيها الجزئي والكلي، واستنادا إلى أرقام رسمية لمجلس مساهمات الدولة في الجزائر، جرى خصخصة 294‬ مؤسسة عمومية منذ خريف العام 2004 إلى حد الآن، وهي عملية مكّنت الحكومة هناك من جني 1.4 مليار دولار فقط، بعد أن كانت الحكومة تتوقع تحصيل 10‬ مليارات دولار لفائدة الخزانة العامة.

وأبدى الرئيس الجزائري قبل أيام عدم رضاه عن النتيجة المحققة، طالما أنّ أوضاع القطاع الاقتصادي العمومي ليست مسرة، تبعا لأنّ معطى المؤسسات المخصخصة ضئيل مقارنة بـ1200 مؤسسة معروضة، في ظلّ تغني الحكومة الجزائرية، بتسريع سياقات الخصخصة من أجل تقويم وضع المؤسسات الفاشلة، وحساسية دفع مسار التنمية في البلاد والتحكم في السيولة النقدية التي تتحصل عليها الجزائر من ريع المحروقات والتركيز على الأطوار التي تحد من المخاطر على النسيج المؤسساتي هناك.

وإذا كان الرأي العام في الجزائر، تعاطى منذ البداية بحذر مع خيار الخصخصة المنتهج، على خلفية التخوّف من انعكاسات تخلي الدولة عن هذا العدد الضخم من المجموعات الاقتصادية العامة، باحتمال فقدان وظائف دائمة تصل إلى حدود 50 بالمائة من الوعاء الحالي للطبقة الشغيلة في الجزائر، إلاّ أنّ موجات متجددة من الجدل ثارت إزاء خطة التطهير المالي الجديدة للمؤسسات العاجزة، كون الإجراء في مؤداه سيزيد من إنهاك خزينة الدولة، رغم أنّ الخصخصة باتت لا مفر منها للشركات المفلسة، بل وحتمية لتحقيق قفزة نوعية ومنح جرعات لمنظومة الإنتاج وقطاع التصنيع.

وارتفعت أصوات خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر حاليا، مطالبة بمراجعة الإستراتيجية الصناعية المعتمدة من طرف الحكومة هناك، ورأوا في تصريحات لـquot;إيلافquot; قبل فترة، أنّ خطة الجهاز التنفيذي الحالي، تعوزها الشفافية ويكتنفها الغموض، وتسمح ndash; بحسبهم ndash; بخلق quot;مفاضلة غير مشروعةquot; بين المستثمرين الأجانب والمحليين.

و رغم تغني وزارة الصناعة الجزائرية، بمخطط عمل متكامل يؤطر مناطق تنمية صناعية مندمجة تضمن تأهيل قطاعات هامة على غرار صناعة الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية، الحديد والألمونيوم، إلاّ أنّ لا شيء كان ملموس ميدانيا، وهو ما أرجعه أكثر من مختص اقتصادي، إلى quot;انفراديةquot; طبعت تخطيط وتنفيذ الحكومة الجزائرية للإستراتيجية الصناعية ما حال دون دخول البلد مرحلة النمو الاقتصادي الفعلي، واستغرب مختصون عدم إشراك السلطات لكل الخبراء والنخب، وتفضيلها التغريد خارج السرب، على نحو لم يمنح أهمّ مقوم لإنجاح مشروع جعلته الحكومة أحد أهم رهاناتها في آفاق العام 2009.