لم يكن الإقتصاد الأميركي أوفر حظًّا من اقتصاديات الدول الأخرى في العالم في العام 2009. فقد شهد هذا العام اهتزاز أكبر اقتصاد عالمي . وقد مرّ بكل ما فيه من ركود اقتصادي عالمي هائل والتي كانت شرارتها الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في أواخر العام 2008 ثم استمرت ولا يعرف حتى الآن متى تنتهي مع أن الربع الرابع من هذه السنة حمل بوادر الإنفراج كما تشير جميع تقارير البنك المركزي والخبراء والمحللين.

واشنطن: سجل الإقتصاد الأميركي عام 2009 أسوأ مستوى له في الإنكماش على الإطلاق منذ الكساد الكبير في العشرينيات. ولم يكن هذا العام أفضل من سابقه 2008 والذي شهد ولادة الأزمة المالية العالمية التي أطاحت بالعديد من الشركات والبنوك وكان هذا العام مكمّلاً لاتساع نطاق الأزمة الراهنة التي تشهدها أسواق المال العالمية والأميركية مما أدى إلى تدهور الأوضاع وزيادة الركود في النصف الأول من العام قبل أن يشهد بوادر انفراج في الربع الأخير.

ويعد هذا العام، عام اغلاق البنوك وافلاس مصدري السندات والتخلف عن سداد المستحقات الواجبة وانهيار بعض الشركات والمؤسسات، كما ويشهد تأرجح الدولار وضعفه وانخفاض سعر الأسهم وكان أهم ما شهده هذا العام هو هبوط سهم quot;سيتي جروبquot; ليصل أقل من دولار وذلك في أقل هبوط له منذ 30 عامًا أو أكثر. كما وصل مجموع البنوك المفلسة إلى 140 بنكًا وذلك بعد أغلاق 7 بنوك جديدة في الفترة الأخيرة من قبل الوكالة الفيدرالية الأميركية لضمان الودائع البنكية بمجموع أصول 14.4 مليار دولار أميركي. ولا يمكن القفز عن ذكر شركة جنرال موتورز الأميركية العملاقة للسيارات والتي أعلنت افلاسها في سابقة خطرة وبعد ستة أسابيع استطاعت الخروج من دائرة الإفلاس بعد وضعها تحت السيطرة الحكومية الذي تم من خلال الخظة التحفيزية.

وكان من أهم أحداث هذا العام هو موافقة باراك أوباما على الحزمة التحفيزية الغير مسبوقة والتي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار لمواجهة حالة الركود التي ضربت الإقتصاد. كما وشهد هذا العام ارتفاع معدلات البطالة والتي بلغت أعلى من 10% وهي الأعلى منذ 20 عاما ليفقد بذلك الإقتصاد الأميركي حوالي 6.5 وظيفة منذ بداية الأزمة عام 2007 في الوقت الذي تم فيه الحفاظ على 640 ألف وظيفة وذلك بعد إعلان الإدارة الأميركية على انفاق 159 مليون دولار من حزمة الحوافز البالغة 787 مليار دولار والتي ساهمت بدورها في خلق وظائف جديدة.

وكان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قد قال :quot; أن كل دولار أنفق بموجب قانون التعافي ساهم في إعادة شخص ما للعملquot; وبلغت كل وظيفة 248 ألف دولار.
كما وأن من أهم الأحداث أيضا موافقة مجموعة قمة العشرين المنعقدة في لندن على خطة بقيمة 4 تريليون دولار لخلق حالة من الإستقرار في التجارة العالمية ولمساعدة دول العالم الأكثر فقرا.

وقد سجل ظهور فيروس اتش1 إن 1 في المكسيك وانتقاله إلى أميركا أثرًا على بعض شركات الأدوية والمختبرات الأمريكية حيث ساعد هذه الشركات في استعادة أرباحها بعد الركود الي تسببت به الأزمة المالية العالمية. وعلى الرغم من الصعوبات التي مر بها الإقتصاد الأميركي هذا العام. إلا أن توقعات الخبراء والمحللين جاءت نوعا ما مبشرة خصوصًا بعد ظهور نتائج ارباح الشركات الكبرى للربع الثالث من العام الحالى والتي توقعت خروج الولايات المتحدة من هوة الركود فهي تشير إلى أن الإقتصاد يسير بخطى جيدة نحو التعافي . وقد أعلنت الحكومة الأميركية عن تحقيق نمو اقتصادي نسبته 3.5% خلال الربع الثالث.في نفس السياق توقع بن بيرنانك رئيس مجلس الإحتياطي الإتحادي الأميركي ( البنك المركزي) أن يكون 2010 هو عام نهاية الإنكماش وبداية الإنفراج والإنتعاش الإقتصادي.

هذا ويرى المستثمرون والمحللون أنه على الرغم من استمرار ارتفاع معدلات البطالة إلا أنهم يتوقعوا تراجعها في العام 2010. وأنه سيكون عام بداية التعافي.
من جهته أطلق البنك الفيدرالي توقعاته للنمو الإقتصادي في البلاد للعامين القادمين في ظل التحديات كارتفاع معدلات البطالة والتضخم والظروف الإئتمانية واداء الشركات.

ففيما يخص البطالة يرى البنك أن في الربع الرابع من العام 2010 تصل البطالة إلى 9.3-9.7% وتكمل تراجعها في الربع الرابع من العام 2011 لتصل إلى 8.2- 8.6% وتستمر في التراجع لتصل إلى الربع الرابع من العام 2012 لتصل إلى 6.8-7.5%.أما بالنسبة للتضخم المرتفع المستمر في الإرتفاع طيلة الفترة الماضية نتيجة ازدياد السيولة في الأسواق. فاللجنة الفيدرالية المفتوحة تتوقع وصول معدل التضخم في الربع الرابع من العام 2010 إلى 1.3- 1.6%. ثم لتصل إلى الربع الرابع من العام 2011 لتصل إلى 1.0- 1.9% معتمدة بذلك على نفقات الإستهلاك الشخصية للأفراد. ومن خلال هذا التوقع يستنتج أن البنك الفيدرالي لا يرى أن معدلات التضخم تشكل تهديدًا كبيرًا على مدى العامين المقبلين. لأن معدلات التضخم المرغوبة تنحصر حول نسبة 2%.

وعن النمو الإقتصادي فقد توقع البنك بأن مستوى النمو سيكون أعلى ارتفاعًا في العام المقبل. فمستوى النمو للربع الرابع من العام 2010 قد يصل ما بين 2.5- 3.5% ويكمل ارتفاعه ليصل في الربع الرابع من العام 2011 3.4- 4.5% ويستمر في الإرتفاع حتى الربع الرابع من العام 2012 ليصل إلى 3.5- 4.8%. كل تلك التقديرات تعتمد بدورها على مستوى الإنفاق والإستهلاك الشخصى. وعلى الرغم من أن كل التوقعات تشير إلى أن الإقتصاد الأميركي يسير بخطى ثابته مدروسة نحو التحسن والتعافي بخروج من الركود الإقتصادي . إلا أن التوقعات المدروسة لا تعني بالضرورة عدم وجود اخفاقات واعلان مزيد من الإغلاقات والإفلاس ,ولكن ما سيحدث أن معدل الإغلاق والإفلاس سيكون أقل بكثير من العام الحالي، فالأزمة المالية مستمرة ولكن البنك الفيدرالى الأميركي والحكومة الأميركية يبذلان قصاري جهدهما لتحفيز النمو وضمان الإستقرار الإقتصدي للبلاد للخروج من تلك الأزمة والله أعلم.