د.قصي بن عبدالمحسن الخنيزي: بدأت تعاملات النظام المالي الإسلامي بالصيغ البدائية والأساسية منذ فجر الإسلام، إلا أن عصر ازدهار الدولة الإسلامية في الأندلس إبان القرون الوسطى شهد تصميم المقرضين المسلمين على صيغ إقراض إسلامية معقدة نسبياً حينذاك وتتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية. ومن ثم، بدأت المصرفية الإسلامية في التراجع تدريجياً ثم النهوض مرة أخرى والتراجع مرةً أخرى مع سقوط الدولة العثمانية. أما في التاريخ الحديث، فمن المعلوم أن النظام المصرفي التقليدي غير الإسلامي كان من أهم أركان نهوض العالم الغربي عموماً وخصوصاً في فترة بريطانيا العظمى والولايات المتحدة. ولكون البنوك التقليدية هي محرك النمو الاقتصادي في اقتصادات الدول الغربية التي قامت باستعمار عدد كبير من دول العالم لأهداف اقتصادية، يمكن ملاحظة وجود بنوكها التقليدية غالباً بين عمليات قطاع الأعمال في البلد المُستعمَر والبلد المستعمِر بما يسهل أهداف الاستعمار الاقتصادية. لذلك، وبعد نجاح حركات التحرر الوطني من الاستعمار في عدد كبير من دول العالم، بدأ البحث في هذه الدول حديثة العهد بالتحرر عن كل بديل لا ينتمي لنظام المستعمر السياسي، الاجتماعي، والاقتصادي لتثبيت الاستقلال التام بما يتفق مع سيكولوجية الشعوب الفرحة بالتحرر والمتطلعة إلى نظم كلية مغايرة لنظم المستعمر تضمن لها الوقوف على قدم المساواة مع الدول الغربية ومنافستها بمنتج وطني يضمن تفوق المقاد سابقاً ليكون قائداً لاحقاً في ساحة المنافسة العالمية. لذلك، قامت الدول المتحررة بمحاولة نبذ كل ما يمت بصلة إلى النظام الغربي والبحث عن نظام وطني بديل يجد له جذوراً تاريخية أو ثقافية تعزز الاستقلال المستهدف وتشرعن للنظام الوطني الجديد. وبناء على رغبة الدول المتحررة للتخلص من كل ما يربطها بأنظمة الدول المستعمرة، فعلى الرغم من البحث عن الحلول الكلية التي تضمن التمايز عن المستعمِر على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أن الحلول البديلة لنظام المستعمر الاقتصادي من الصعب منافستها أو الاستغناء عنها لطبيعة التراكم والارتباط الوثيق بين نشوء النظريات والنماذج الاقتصادية وتطبيقاتها بجانب التكلفة الكبيرة التي تتأتى من تجربة نظم اقتصادية مستحدثة وغير مضمون نجاحها لمجموعات من الدول الفتية المستقلة والمؤسسة حديثاً بما قد يؤثر في الإنجازات على الأصعدة الأخرى. لذلك، فقد استمر الوجود القوي للبنوك التقليدية وهيمنتها حتى فترة السبعينيات ميلادية التي شهدت عدة تحولات أهمها ارتفاع أسعار النفط وبداية التوجه نحو إنشاء مصارف تقدم المنتجات والخدمات الإسلامية لوحدات الأعمال الموجودة في الدول النامية اقتصاديا والمتميزة بتعاظم عوائد النفط. ومنذ الثمانينيات، ارتفع حجم الطلب على الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية بشكل كبير وغير مسبوق بشكل دفع كبار البنوك التقليدية كـ quot;سيتي بنكquot; لتقديم خدمات ومنتجات مصرفية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في الوقت نفسه الذي بدأت فيه المصارف الإسلامية بالانتشار. وبعد ذلك، سيطرت تعاملات تمويل عروض التجارة على منتجات التمويل الإسلامي خلال الثمانينيات والتسعينيات.

وأخيراً، نتيجة لشح السيولة ونوعية الطلب على المنتجات المالية الإسلامية خلال الثمانينيات والتسعينيات، فقد تركزت أصول المصارف الإسلامية على التمويل قصير الأجل الموجه غالباً لتمويل السلع. وبحلول الألفية، بدأت المصارف الإسلامية بالتركيز على توفير منتجات مالية إسلامية غير تقليدية تعتمد بشكل كبير على الهندسة المالية وتوفر طرقا جديدة للتمويل طويل الأجل. ويبدو أن الأزمة المالية العالمية حالياً تدفع بنمو التمويل طويل الأجل خصوصاً مع توجه بعض حكومات دول الخليج كالبحرين لتمويل تمويل عجز الميزانية للعام الحالي من خلال إصدار سندات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بما يعطي زخماً لنمو أدوات التمويل طويل الأجل وسيولة السوق