توقعات صندوق النقد الدولي تجسدت ميدانيا
إرتفاع التضخم بـ6.1 بالمائة في الجزائر هذا العام
كامل الشيرازي من الجزائر: إرتفع معدل التضخم في الجزائر خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري إلى 6.1 بالمائة، وهو ما يعني تجسد توقعات بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت الجزائر أواسط السنة الماضية، وحذرت سلطاتها من كون quot;توسيعها الموازنةquot; سيعرض البلد لخطر تفاقم التضخم،
في وقت تتباهى الحكومة الجزائرية بتحكمها في التوجهات الاقتصادية والمالية العامة في البلاد.
وجاء في تقرير للديوان الجزائري للإحصائيات، أنّ تنامي وتيرة التضخم مردودة إلى الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، بزيادة قدرها 8.9 بالمائة، ونفس الملحوظة تنسحب على المنتجات الزراعية الطازجة التي قفزت أسعارها بـ17.6 بالمائة، تماما مثل الخدمات بـ5.9 بالمائة، والمواد نصف المصنّعة بـ1.9 بالمائة، فيما بقيت أسعار المواد الغذائية الصناعية في نفس المستوى خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية.
وباستثناء انخفاض أسعار الزيوت والدهون (بناقص 11.20 بالمائة)، فإنّ كل منتجات المجموعة الغذائية الأخرى شهدت ارتفاعا خلال نفس الفترة خصوصا الأسماك الطازجة (بزائد 38.9 بالمائة) ولحوم المواشي (22.4 بالمئة) والدجاج والأرانب والبيض بزيادة 22 بالمئة والخضر
(17.4 بالمائة) والبن والشاي (12.1 بالمائة) ولحوم الأبقار (11.90 بالمائة).
واللافت أنّ quot;لهيبquot; ارتفاع أسعار المواد الأكثر استهلاكا لم يستثن مادة السكر التي سجلت نسبة ارتفاع بـ9.8 بالمائة، والفواكه بـ8.5 بالمائة، والبطاطس بـ7.4 بالمائة، واللحوم والأسماك المعلبة بـ4.8 بالمائة والحليب والجبن ومشتقاته، إضافة إلى الخبز والحبوب بزيادة 0.10 بالمائة لكل منها، ويعود تسجيل هذا الارتفاع الموسمي أساسا إلى المواد الغذائية التي شهدت زيادة نسبتها 3.1 بالمائة لاسيما ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية الطازجة بزيادة 5.4 بالمائة.
ويذهب متعاملون إلى أنّ الزيادة في المنتجات الزراعية الطازجة، تعود إلى ارتفاع أسعار الخضر بـ17 بالمائة، وسعر البطاطا (28.4 بالمائة)، وبالمقابل تميزت أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء بانخفاضات وصلت منحنى 8 و4.1 بالمائة على التوالي، و مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، نلاحظ أنّ المواد الغذائية تميزت بارتفاع معتبر في الأسعار (9.1 بالمائة)، وكان الارتفاع محسوسا في المواد الزراعية الطازجة بـ19.8 بالمائة.
ويخشى مراقبون للأسواق المحلية، أن يبقى معدّل التضخم مرتفعا وما سينجر عن ذلك من انعكاسات خصوصا وسط إعصار أزمة المال الكونية، وتبعا لكون التهاب الأسعار ينهك كاهل قطاع معتبر من المجتمع المحلي، في وقت تشهد الجزائر ترديا واضحا لوضعها الاجتماعي جرّاء انتشار البطالة، بالتزامن مع اتساع رقعة الفقر، هذه الظاهرة تعاني منها 950 ألف عائلة، ما يمثل 22% من المجتمع الجزائري البالغ تعداده 35 مليون نسمة.
وتشهد المواد الأساسية كالبطاطا واللحم والدقيق والزيت ارتفاعات مهولة، ما يعني استحالة اقتناؤها على المواطنين البسطاء، رغم حديث وزير التجارة الجزائري quot;الهاشمي جعبوبquot; عن تسقيف الأسعار، وجزم وزير الزراعة رشيد بن عيسى بوجود مخزون كافي، في وقت تعاني الجزائر من تبعية غذائية شبه مطلقة.
وبينما يصرّ خبراء على وجود تلاعب بالمنتجات والأسعار من طرف من ينعتونهم بـquot;السماسرةquot;، ينظر متابعون بقلق إلى ما يحدث، ويفسرون الواقع بما تنسجه أطراف خفية تعمل على خلق أسباب معينة لإبقاء السوق في اضطراب كبير في معزل عن أي رقابة، إذ لا يفهم أكثرية الجزائريين، كيف أنّ بلادهم تجتر نفس السيناريوهات منذ سنوات عديدة، رغم كل ما تتغنى به السلطات والإعلام الحكومي من مخططات ومنجزات، والتباهي الذي يحرص مسؤولين حكوميين على تكراره بمناسبة أو بغيرها.
وكانت بعثة صندوق النقد الدولي في الجزائر، حذرت قبل أشهر من تفاقم التضخم هناك، حيث ألحت على ضرورة تفادي سياسة التوسع المالي، مخافة زيادة التضخم التي يشكل التحكم به أولوية للحفاظ على القوة الشرائية لدى السكان وحماية الشرائح الأكثر عوزا، واللافت إنّ الجزائر بقيت ضمن البلدان التي يتمحور فيها متوسط دخل الفرد الأدنى بحدود 1500 و 2000 دولار سنويا، أي بمعدل تسعة دولارات في اليوم، هذا بالرغم من تصنيف الجزائر إلى جانب الدول النفطية على غرار البحرين والكويت والإمارات التي يتمحور معدل دخل الفرد فيها بأكثر من تسعة آلاف دولار.
وشهد حصاد الجزائر الاقتصادي خلال العامين الأخيرين، استمرار التذبذب الاقتصادي رغم اتساع الاستثمار والمبادلات التجارية للجزائر مع عديد الدول، وفيما أقدمت الحكومة الجزائرية على تأجيل وإلغاء عدد من المناقصات الدولية التي أطلقتها في عدة قطاعات، على غرار القطاع المصرفي وكذلك السكك الحديدية، لجأت السلطات إلى استخدام 22.2 مليار دولار من أموال صندوق ضبط الإيرادات لتسديد للديون بصورة مسبقة قصد إيصال الجزائر إلى مستوى مديونية أقل من 5 مليارات دولار، في وقت أصبحت فيه احتياطات الصرف بالجزائر في مستوى 140 مليار دولار لتتحول فيه البلاد إلى دولة دائنة وليست مدانة، تبحث عن أسواق مالية دولية لتوظيف الفوائض المالية المتوفرة لديها، الأمر الذي فتح لها الباب مثلا إلى تمويل شمل لمشاريعها، بوصول رصيد صندوق ضبط الإيرادات إلى مستوى يفوق 50 مليار دولار.
وأقرّت الجزائر مجموعة إصلاحات لتنشيط حركيتها المالية وإغراء المستثمرين، حيث اتبعت quot;سياسة نقدية حذرةquot; تأثرت إلى حد ما بزيادة أسعار المواد الأولية خصوصا القمح والحليب في السوق الدولية، في وقت ألّح صندوق النقد الدولي على quot;توضيح دور الدولة في المصارف العامة وتنمية سوق السندات وقطاع التأميناتquot;، كما شدّد على ضرورة تفعيل الجزائر إصلاحات اقتصادية تعزّز معالم السوق الجزائرية المفتوحة، وتضمن quot;نوعية في النفقات العامةquot; التي يذهب القسم الأكبر منها حاليا إلى المساعدات الاجتماعية ودعم المؤسسات العامة المتداعية بدلا من استثمارها في إيجاد وظائف وثروات، تبعا لكون خطة دعم النمو (2005 - 2009) لم تكن لها مفاعيل دائمة.
والفاحص لمسار الجزائر الاقتصادي، يلمس شعورا مستبدا بـquot;التباينquot; بين وفرة المال ومنظومة الانتاج، ما ترك الأشياء مرتهنة وحال دون قيام صناعة اقتصادية ومالية متكاملة من شأنها صنع فوارق حاسمة بين زمنين، خصوصا مع التحولات العميقة التي أدركتها البلاد على مدار السنوات الأخيرة.