كامل الشيرازي من الجزائر: دعا خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر، إلى تنويع الاستثمارات وترقيتها، ورأى هؤلاء في جامعة صيفية أقيمت وسط العاصمة الجزائرية، أنّ مستقبل الاستثمار هناك quot;واعدquot; لكن ينبغي خاصة quot;تنويعهquot; لاسيما في قطاعات الصحة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والسياحة ومجالات أخرى، علما أنّ إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر تتركّز في قطاع المحروقات، بينما تتوزع باقي الاستثمارات على قطاعات الصناعة والعقار وكذا السياحة والأدوية. ويشير الخبير quot;أنيس بن مختارquot; إلى كون الاستثمارات في الجزائر تتسم في الغالب بحركية بطيئة يعزوها أصحاب المشاريع إلى عدم تكييف التشريعات وكذا إلى عاملي البيروقراطية وتأخر إصلاح المصارف، رغم سياسة التطهير المالي، والمحفزات التي منحتها الحكومة الجزائرية، ما جعل الكثير من المشاريع تبقى في عداد quot;النواياquot; فقط، على غرار مشاريع المجمّع الإماراتي quot;إعمارquot; التي جرى سحبها بعد تعثر استمر ثلاث سنوات، تماما مثل نية ألمانيا لاستثمار نحو مليار يورو للاستثمار في قطاعات البتروكيمياء والسكك الحديدية والموارد المائية بالجزائر، ومشاريع أخرى كان يُفترض أن تمس إنتاج الكهرباء والاتصالات والسياحة والفندقة والعقارات والتجارة، إضافة إلى إنتاج الأسمدة الزراعية العالية الجودة.


ولقي إلزام الجزائر، قبل أشهر، للمجموعات الأجنبية الناشطة على أراضيها، بالتنازل عن ثلث رساميلها لفائدة جزائريين وبأثر رجعي، معارضة شديدة من طرف المستثمرين الخارجيين، وهو وضع أثار مخاوف من اختلالات منظومة الاستثمار الأجنبي في الجزائر، وتأثيره على عزوف محتمل للشركات الكبرى عن الخوض في السوق الجزائرية، علما أنّ فرض الحكومة الجزائرية العام قبل الماضي لضريبة على الأرباح الاستثنائية لمجموع الشركات النفطية الأجنبية، كانت له تداعيات بالجملة. ويطالب مختصون بإنهاء ما يرونه quot;مفاضلة غير مشروعةquot; بين المستثمرين الأجانب والمحليين، غداة نقاط الظل التي أورثها تحويل مليارات الدولارات من رؤوس الأموال خلال السبع سنوات المنقضية، ويرى المختص quot;أنيس نواريquot; أنّ إبلاغ الحكومة مختلف المتعاملين الأجانب أنّها ستمتلك أغلبية رساميل المشاريع بما يتوافق مع وسائلها ومصالحها الوطنية، يمثل بمنظاره محاولة من السلطات لتصحيح وضع مغلوط تكرّس منذ تدشين الجزائر مرحلة الانفتاح الاقتصادي، ويشير نواري إلى تجارب سابقة لم تجن منها السلطات الكثير، ضاربا المثل بما تضمنه القانون السابق للمحروقات من محاذير/مزايا كانت في صالح المجموعات الأجنبية، قبل أن تنتبه الحكومة إلى ذلك بعد نحو سنتين من ذلك، والانطباع نفسه ينسحب على مجموعات أجنبية نشطت في قطاعات صناعية وأخرى خدمية.


من جانبه، يركّز الخبير الاقتصادي الجزائري quot;عبد الحق العميريquot; على أنّ quot;زهدquot; سلطات بلاده خلال الأعوام الفارطة في السيطرة على رساميل مئات المشاريع الاستثمارية التي رخصت لها منذ مطلع الألفية الحالية، شجع على تضييع مكاسب هائلة، حوّلت قطاع من المستثمرين الأجانب إلى أثرياء من الدرجة الأولى، ويستدل العميري بما كشفه بنك الجزائر عن تحويل الشركات الأجنبية العاملة في البلاد لمخصصات بحدود 22.2 مليار دولار أميركي إلى الخارج منذ العام 2001، وذلك في إطار تحويل فوائد الشركات الأجنبية التي تنشط في الجزائر في قطاعات العقار والبناء والأشغال العامة وتجارة السيارات والأدوية والمنتجات الزراعية والأغذية، يؤيد المتتبع quot;سليم لعجايليةquot; هذا الطرح، طالما أنّ قطاعا من المستثمرين الأجانب الذين استعملوا التسهيلات الممنوحة من طرف الحكومة لتحويل مبالغ ضخمة إلى الخارج.


ويلاحظ quot;أنيس نواريquot; أنّ افتقاد الجزائر لحصة الأسد في المشاريع التي تجسدت على أراضيها، أضاع على الخزانة العامة هامشا هاما من المكاسب، ويدرج نواري الأرباح المحققة من طرف مجموعات نفطية بحدود 10.7 مليار دولار، وهي quot;غنيمةquot; سرعان ما تراجعت إلى 4.7 مليارات دولار العام المنصرم، إثر فرض الحكومة لضريبة على الأرباح الاستثنائية لمجموع الشركات النفطية الأجنبية.
ويرى quot;كريم بن صالحquot; العضو في نادي الشراكة، أنّ الجزائر تتوفر على مؤهلات تحسدها عليها بعض البلدان، كنسبة الشباب التي تمثل 75 بالمئة من قوام المجتمع المحلي، كما أشاد أيضا بالاستقلالية المالية للجزائر والإرادة السياسية لسلطاتها، وعدّد بن صالح مزايا الاستثمارات المباشرة الأجنبية خصوصا تحويل التكنولوجيات والكفاءات والحصول على العقار وتمويل مشاريع البحث وكذا الشراكة.
وتعليقا على التدابير الجديدة التي أقرتها السلطات الجزائرية في ميدان الاستثمار، وامتلاك الدولة هناك لـ51 بالمئة من رأسمال أي مشروع، اقترح الخبير بن صالح:quot;لماذا لا يتم اعتماد استثمار تشارك فيه الدولة بنسبة 49 بالمئة و 49 بالمئة للمستثمر والباقي 2 بالمئة لوكالة تطوير الاستثمار المحلي.


بدوره، أبرز الخبير quot;بلقاسم رحمانيquot; أهمية تدويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل بحسبه quot;فرصة حقيقية للنهوض بمردودية اقتصاد البلادquot;، ورأى رحماني بحساسية النسج على منوال التجربتان الكندية والفرنسية، ملاحظا أنّ هاتين الدولتين تطورتا بشكل مختلف لكنهما نجحتا سويا، مستدلا بنموذج العملاق الجوي quot;بومباردييquot; الذي تحول من مؤسسة عائلية صغيرة إلى مؤسسة متعددة الجنسيات ذات سمعة عالمية.
ويلّح الخبير عبدال عتو على ضرورة تكريس تفتح أكبر على الخارج، وخلق مناطق اقتصادية متخصصة والشروع في خلق مناطق للتنمية وتصنيع الثروات، وقال بلهجة مقارنة أنّه إذا كانت الصين أنتجت في ظرف قصير كل ما يمكن إنتاجه بما في ذلك المنتجات المقلدة، فإنّ الجزائر تزخر بموارد طبيعية أكبر بكثير من تلك التي تزخر بها الصين وفرنسا وكندا.


في الشق الخاص بالموارد البشرية، يؤكد الأستاذ quot;محمد خندريتشquot; على أهمية استفادة الجزائر من كفاءات quot;طيورهاquot; المهاجرة، حيث يتوزع 45 ألف من كوادرها عبر القارات الخمس، علما أنّ المجموعة البترولية الجزائرية quot;سوناطراكquot; وباعتراف الرئيس المدير العام تعاني من استمرار هروب كوادرها الذين بلغ عددهم المائة حاليا، ويعود رحيل هذه الكفاءات، إلى عدم رضاهم عن الرواتب التي كانوا يتقاضونها إضافة إلى التحفيزات والعروض المالية المغرية التي منحتها لهم شركات بترولية عالمية، وهو ما يهدّد باتساع رقعة هجرة الأدمغة واستنزاف الخبرات ذات الكفاءة المهنية العالية‮، وهو ما حرم الجزائر من قدرات تأطيرية هائلة، رغم أنّ الدولة هناك صرفت أموالا ضخمة لتكوينهم.
من جانبه، يشير الخبير الجزائريquot;بوجلال محمدquot; الذي يتولى الإشراف على عديد المخابر الصيدلانية في المملكة المتحدة، إلى ما لا يقل عن عشرة آلاف باحث جزائري يتواجدون حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية من حاملي الشهادات العليا وينشطون في أكبر الجامعات والمعاهد الأمريكية، فضلا عن سبعة آلاف طبيب جزائري وثلاثمائة مهندس آخر يقيمون بفرنسا لوحدها، وهم من حملة الشهادات العليا على غرار شهادات الدكتوراه أو الماجستير، موضحا إنّ الجزائر يمكنها الاستفادة من هذه الكفاءات بالأخص وأنهم لا زالوا حاملين للجنسية الجزائرية، ويذهب بوجلال إلى أنّ الطرح الذي يتداوله البعض بضرورة السعي لاستعادة الكفاءات quot;تجاوزه الزمنquot; ويستحيل تحقيقه لأنّ المعنيين لهم مستوى اجتماعي متميز في الدول التي يتواجدون بها، وأضاف أن الحل الوحيد للاستفادة من خبرة الكفاءات الجزائرية والعمل على تنسيق البحوث بين مراكز البحث الجزائرية والأجنبية.