كامل الشيرازي من الجزائر: في خطوة يعوّل عليها وكلاء السيّارات في الجزائر لتجاوز مأزق انخفاض المبيعات في الفترة الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق، يتمّ التحضير لطرح صيغ جديدة بهدف ضمان رواج أكبر لسوق السيارات الجديدة، بعد كلّ الذي أفرزه قانون الموازنة التكميلي قبل ثلاثة أسابيع من تراجعات أرباح ومبيعات شركات السيارات إلى حدود النصف بسبب منع السلطات للمصارف منح أيّ قروض خاصّة بشراء السيارات. واستعرض quot;محمد بايريquot; رئيس جمعيّة الوكلاء المعتمدين لتسويق السيارات في الجزائر معالم الاتّجاه الجديد الذي يقوم أساسًاعلى استقطاب الزبائن من خلال عروض خاصّة تنطوي على تخفيضات نوعيّة تتراوح بين الـ40 ألف دينار (ما يفوق الأربعمئة دولار)، إلى 300 ألف دينار (حوالى الـ35 ألف دولار)، وذلك لإغراء أكبر عدد ممكن باقتناء سيارات جديدة. كما ذكر بايري لـquot;إيلافquot; أنّ الكثير من الوكلاء يعتزمون إغداق الهدايا وتمكين زبائنهم من خدمات إضافية كالتأمين الشامل والصيانة الدائمة بعدما تحوّلت نقاط بيع السيّارات خلال الشهر الأخير إلى أماكن مهجورة بسبب إحجام 80 في المئة من الزبائن عن اقتناء سيّارات لعجزهم عن دفع فوري لقيمة المركبات. من جهته، كشف quot;عمر ربرابquot; أحد كبار المستثمرين في سوق السيارات لـquot;إيلافquot; عنأنّ لائحة التسهيلات لجلب الزبائن لن تتوقّف عند ما تمّت الإشارة إليه، بل ستتوسّع لتشمل خدمة ما بعد البيع من خلال تزويد كلّ من يشتري سيارة بإيصالات الوقود. ويشير ربراب إلى أنّ هذه العروض لن تكون محدودة زمنيًّا حيث ينوي تمديدها حتّى الخريف المقبل في محاولة لكسر الكساد المسيطر حاليًّا، في انتظار مراجعات جديدة للسياسات التسويقيّة قبل حلول العام المقبل في سوق جزائريّة تعدّ الأكبر من نوعها في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا.


وما فتئت المنافسة بين صانعي السيّارات تزداد احتدامًا وشراسة في سوق السيارات الجزائري، فبينهم من يعرض ضمان السيارة المقتناة لمدة سنتين أو لمسافة 100 ألف كيلومتر، وبينهم من يهدي درّاجتين مع كلّ سيارة، أو يمنح جملة من التجهيزات الإضافيّة بأسعار تنافسيّة أو تخفيضات تصل مستوى الـ150 ألف دينار، وجادَ فكر وكلاء السيارات بتقنيّات تجارية هدفها استمالة زبائن كثر لكنّ قلّةً منهم مَن يستقرّ على خيار بحكم ما يلفّ أصناف السيارات المعروضة.


وكشفت الجمعيّة الجزائريّة لوكلاء السيارات أنّ الإجراءات الجديدة التي أقرّتها الوزارة الأولى تسبّبت في تراجع أرباح شركات السيارات وانخفاض المبيعات ما بين 50 و85 في المائة، مع الإشارة إلىأنّ السلطات الجزائريّة جنت خلال العام الأخير ما يفوق السبع مليارات دينار عامًا بعد إقرارها ضريبة جزافية على السيارات الجديدة، وهو معطى مرشح للارتفاع إذا ما تمّت مضاعفة الضريبة على السيارات الجديدة وتعميم الإجراء ليشمل الشاحنات أيضًا. ويشهد الشارع الجزائري في الأيّام الأخيرة حالة من التذمّر والغضب والاستياء لا سيّما بين الموظفين الذين كانوا يمنّون أنفسهم باقتناء سيارة جديدة بعد منع قروض الاستهلاك والاستمرار في فرض ضريبة باهظة تلزم كلّ شخص يريد شراء سيارة بأن يدفع 50 ألف دينار على الأقل بالنسبة للسيارات العادية، و120 ألف دينار للسيارات التي تشتغل بمحرك الديزل، كما تمّ آنذاكاستحداث ضريبة 1 في المئة على الوكلاء من رقم أعمالهم السنوي، وهو إجراء صنّفه المتعاملون بـquot;المجحفquot; في حقّهم.


ويعيش الباعة والزبائن على حدّ سواء في وضع quot;هتشكوكيquot; حيث يتحرّك كلّ طرف في اتّجاهه لتلافي الانعكاسات. وأبدى عدد من وكلاء السيّارات والمواطنين في تصريحات لـquot;إيلافquot; انزعاجًا كبيرًا، وتساءل فؤاد وكريم وعماد ولطفي وهم من فئة الموظفين المحدودي الدخل كيفأنّهم باتوا يضربون الأخماس بالأسداس، مستغربين سببيّة القرار. وعلى منوالما حدث في يوليو/تمّوز 2008، يهدّد وكلاء السيّارات بالتّصعيد، حيث يرى هؤلاء أنّ القرار المثير للجدل quot;متعجّلquot; وquot;يفتقد للوضوحquot;، لذا طالب كثيرٌ منهم بإلغاء الخطوة، خصوصًا مع استحالة تنفيذه تبعًا لمحدوديّة رواتب غالبيّة الزبائن، وتسبّب القرار في كساد سوق استثمار السيارات في البلاد.


وبرّر وزير المال الجزائري quot;كريم جوديquot; في تصريح صحفي أنّ إلغاء قروض الاستهلاك أتى لإيقاف نزيف العملة الصعبة خارج بلاده وحتميّة توفير أموال توجّه لدعم أسعار النقل العمومي الجماعي وتنظيم سوق السيارات في الجزائر، وتسعى الجزائر لتغطية نفقات quot;استثماراتها الكبيرةquot; في مجال النقل الجماعي من خلال مشروعي (الميترو) و(التراموي) وما يتطلّبه الأخيران، بحسب مسؤولين حكوميين، من دعم نوعي يكفل معقوليّة سعر التذاكر بشكل يمكّن غالبيّة السكّان من استعمال وسائل النقل المتاحة مستقبلاً.
ويفسّر محلّلون القرار، بمحاولة السلطات الجزائرية تحويل بلادها من ساحة للتسويق إلى قطب للإنتاج، إلى جانب إغراقها بالسيارات القديمة التي تفد إليها بحدود 90 ألف سيارة قديمة كلّ عام في ظلّ عدم قدرة غالبية الجزائريين على شراء سيارات جديدة، وهو ما رفع الوعاء العام في الجزائر إلى 5,3 ملايين سيارة، بينها 80 في المئة يتجاوز عمرها العشر سنوات، كما أنّ خبراء يجزمون أنّ الاقتصاد الجزائري لن يستفيد أي شيء من الاستمرار في استيراد سيارات قديمة غير مضمونة.


ولعلّ هذا ما يفسّر كلام وزير المالعلى أنّ الاستثمارات يجب أن تتمّ في الجزائر ويجب ألاّ تقتصر على استهلاك المنتجات المصنّعة فحسب، وهو ما جعل المسؤول ذاته يعطي انطباعًا مفاده استعداد الحكومة للتجاوب مع المنتجين، حيث أوعز أنّه إذا ما أبدى مستثمرون في قطاع السيارات اهتمامًا للحضور في السوق المحليّة من خلال استحداث مناصب شغل وقيمة مضافة في الجزائر، سيمكن للحكومة حينئذ دراسة شروط جبائية محفزة. وقد بلغ استيراد السيارات رقمًا يقارب الملياري دولار عن 151.194 سيارة خلال سنة 2008 أي ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 12 في المئة مقارنة بالفترة نفسها منالسنة الماضية. وتوصف الجزائر بكونها أكبر سوق في المغرب العربي وشمال إفريقيا، تبعًا لاستقطابها نحو 217.700 سيارة خلال السنة الماضية،الأمر الذيجعلها تنمو بنسبة 30 في المئة، وتتحوّل إلى أهمّ سوق في المنطقة، الأمر الذيدفع بالسلطات الجزائرية إلى التّفكير في الاستثمار في صناعة السيّارات داخل الجزائر بدلاً مناستيرادها، خصوصًا في ظلّ تقارير تحدّثت عن قابلية سوق السيارات الجزائريّة لخلق ثلاثة آلاف منصب عمل مباشر سنويًّا وإمكان تحقيقها رقم أعمال معتبرًا في غضون الخمس سنوات المقبلة، وما يترتّب على ذلك من تحقيق عائداتمهمّة من شأنها إنعاش اقتصاد البلاد.


وسبق لوزير الصناعة وترقية الاستثمارات الجزائري quot;عبد الحميد تمارquot; أن صرّحأخيرًا بأنّ الجزائر تريد التحوّل إلى بلد منتج للسيارات، وشدّد على أنّ الحكومة الجزائريّة وضعت مجموعة من التدابير والتسهيلات لتشجيع إنتاج السيّارات وتمهيد الطريق أمام قيام عمليّات شراكة بين متعاملين محليّين وشركات صناعة السيارات العالميّة لإنشاء وحدات إنتاجية في الجزائر، بعدما عاب مختصّون على الأخيرة افتقادها أيّ حراك إنتاجي وقيام السيّاسات الحكوميّة على تشجيع الاستهلاك في صورة 30 مؤسسة للسيارات متواجدة في الجزائرمختصّة بالتسويق لا بالإنتاج، في وقت يشتكي فيه جزائريّون من قلّة الدّعم الذي يحظون به لإنشاء مؤسّسات تعنى بالاستثمار في قطاع السيّارات وما يلفّه من نقص في قطع الغيار.


ويسري اتّجاه في الجزائر نحو افتتاح مصانع لإنتاج السيارات على مستوى الضاحية الشمالية للبلاد، حيث تقول معلومات حصلت عليها quot;إيلافquot; إنّ مجموعات quot;رونوquot; وquot;بيجوquot; وquot;تويوتاquot; وquot;فولكسفاغنquot; مهتمّة بفتح مصانع لها في الجزائر، كما تسعى الحكومة إلى افتتاح وحدات لإنتاج قطع غيار السيارات وأخرى خاصّة بالعجلات المطاطية، علمًا بأنّ مجموعة ''ميشلان'' الفرنسيّة تقوم عبر فرعها في الجزائر بتلبية حجم كبير من حاجيات السوق المحلية. يُشار إلى أنّ العلامة اليابانية ''تويوتا'' تتصدّر المبيعات في الجزائر، وتأتي العلامة الكورية quot;هيوندايquot; ثانية، متبوعة بـquot;نيسانquot; و''بيجو'' و''رونو'' و''فورد'' و''ميتسوبيشي'' و''كيا''، ويجمع خبراء ومتعاملون على أنّ سوق السيّارات في الجزائر تأثرت كثيرًا بتداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالمية، ولعلّ أبرز مظاهر هذا التأثر انخفاض المبيعات.