كامل الشيرازي من الجزائر: تذهب تحاليل خبراء تحدثوا لـ quot;إيلافquot;، إلى أنّ هجمات الحادي عشر أيلول 2001، كانت لها تداعيات إيجابية على الجزائر، حيث عرفت الثماني سنوات المنقضية، انفتاحًا غربيًا أكبر على الجزائر، بسبب اندراج أميركا والمجموعة الأوروبية إلى جانب الجزائر فيما سُمي بـ quot;الحرب ضدّ الإرهابquot;، ما جعل العديد منالاستثمارات الفرنسية والبريطانية والألمانية والأميركية تتخذ من الجزائر قبلة لها، وتجلت تأثيرات هذا التقارب الجزائري الغربي- الأميركي على وجه الخصوص في إبرام صفقات شراكة، وعودة كبريات مجموعات الطيران الغربية، بعد مقاطعة مزمنة للجزائر، إبان اشتداد العنف الدموي في تسعينيات القرن الماضي.

ويرى الخبير الاستراتيجي quot;كمال منصاريquot; المهتم بالشؤون الأمنية والاقتصادية، أنّه لم تكن هناك تأثيرات اقتصادية مباشرة، شارحًا أنّ ما حصل في أميركا خلّف ارتدادات إيجابية على الجزائر، فهذه الأخيرة التي عانت الأمرين في الفترة ما بين (1992 ndash; 2001) جرّاء محاربتها منفردة لآفة الإرهاب، ووقوعها في عزلة بسبب التردد الأوروبي الأميركي، وهروب مجموعاتها من الجزائر.

ويتقاطع الخبير الاقتصادي quot;أنيس بن مختارquot; مع كمال منصاري في كون quot;منعطفquot; الحادي عشر أيلول، سمح للجزائر بالخروج من عزلتها، لا سيما بعدما صارت خبرتها مطلوبة في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك ما أثرّ نوعيًاعلى علاقات الجزائر الجيو سياسية والجيو اقتصادية، وأعطاها ثقلاً كبيرًا، خصوصًا بعدما صار quot;دركيquot; العالم جورج دبليو بوش يصف الجزائر بـquot;الحليف الاستراتجيquot;.

ويشير منصاري وبن مختار إلى أنّ الاعتبارات الآنفة الذكر، جعلت صوت الجزائر مسموعًا، وجعلت الموقع التفاوضي للجزائر قويًا، وقد تجلت في إتمامها الشراكة مع المجموعة الأوروبية، وعقد كثير من الدول الغربية لشراكات ومشاريع ضخمة على منوال فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا والولايات المتحدة، وسمحت العودة المتتالية لشركتي quot;آير فرانسquot; وquot;بريتيش أيروايزquot; وغيرهما، بتشجيع كثير من المستثمرين المترددين، واجتذاب مشاريع، إضافة إلى استفادة الجزائر من المساعدات الأميركية كغيرها من الدول، التي عانت الإرهاب، مثل اليمن وكينيا والبوسنة والهرسك.

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي الجزائري البارز quot;الهادي كلكاليquot;، أنّ ما أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول نجم من تأثيرات اقتصادية سلبية بمنظاره، ويستدل بمليارات الدولارات، التي أنفقت، لأجل شراء أحدث المعدات العسكرية لمكافحة الإرهاب كمشروع دولي شامل، تزعمته الولايات المتحدة الأميركية، واندرجت فيه سائر الأنظمة العربية، بمواردها المالية الخاصة، ويدافع كلكالي عن اتجاهه، بكون تلك النفقات تمت على حساب مشاريع علمية وتنموية، كان من شأنها الإسهام في الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، ما أسهم في تكريس البطالة المقنعة والهجرة السرية، وكذا آفات اجتماعية بالجملة.

وبشأن طبيعة الوضع الاقتصادي منذ 11 أيلول 2001، وما انتاب مرحلة ما قبل الأزمة الاقتصادية، يلاحظ منصاري أنّ الجزائر استفادت بشكل كبير من ارتفاع أسعار النفط، إثر الانفجار الرهيب الذي حصل في أسواق المحروقات وارتفاع حدة الطلب، بمفعول نشوب حروب آنذاك في أفغانستان والعراق، وتصعيد أعمال العنف في نيجيريا، إضافة إلى أزمة الشرق الأوسط، وما حصل في غينيا وفنزويلا، وسمح بلوغ برميل النفط مستويات قياسية، باستقرار الاقتصاد الجزائري، ما مكّن الجزائر من سداد مسبق لدينها الخارجي، واستقطاب رؤوس أموال، إثر فتحها سوق الهاتف الخلوي، وانضمام شركات عملاقة للسوق الجزائرية كمجموعة أوراسكوم المصرية والوطنية الكويتية، بشكل مهّد لاحقًا لافتتاح مشاريع كبرى كالطريق السيار شرق غرب، وإنشاء السدود ومحطات التحلية، فضلاً عن مشروع مليوني وحدة سكنية.

ويؤيد بن مختار رأي منصاري في كون هذا الزخم النوعي لم ترافقه وثبة اجتماعية وانتعاش معيشي، حيث بقي سلم رواتب موظفي القطاع العام مراوحًا مكانه، وأطّلت مخاطر بالجملة، في صورة البطالة التي تطوّق 40 % من القوى الشبابية.

بدوره، يؤكد كلكالي النظرة عينها، أن الجزائر عاشت في الفترة ما بين 2001 و2009، بحبوحة مالية لم تعرفها منذ استقلالها، وكان ذلك نتيجة لارتفاع سعر النفط في الأسواق الدولية، بعد أحداث الحادي عشر أيلول، لكن هذه البحبوحة المالية لم تنعكس إيجاباً على عامة الشعب، وبمنظار كلكالي، فإنّ ما كسبته الجزائر استثمرته في صفقات عسكرية تسلحية، كتلك الصفقة المبرمة عام 2006 مع روسيا، وجرى تقديرها بسبع مليارات دولار، كان بالإمكان ndash;يضيف كلكالي ndash; توظيفها في القضاء على البطالة ورفع مستوى مداخيل الجزائريين.

في الشق المتعلق بحجم خسائر الجزائر جرّاء الإرهاب، يسجّل منصاري وبن مختار أنّ آلة الإرهاب استنزفت ما لا يقلّ عن 25 مليار دولار، كما إنّ حجم ما تنفقه لأجل مكافحة الإرهاب ومعالجة مخلفاته، ليس بقليل، حيث خسرت الدولة الجزائرية أموالاً كثيرة في مجال إعادة التعمير وإغاثة ضحايا الإرهاب، إذ جرى رصد المليارات منذ سنوات لأجل تعويض المتضررين، وما استلزمه مخططا الوئام المدني والمصالحة من نفقات وتهدئة الجبهة الاجتماعية، مثلما دفعت السلطات أموال باهظة في محاربة الإرهاب، حيث أبرمت الجزائر اتفاقات مع كثير من الدول الغربية لشراء عتاد عسكري جديد، في سياق خطة تحديث الجيش الجزائري وعصرنة معداته التي تآكلها الصدأ.

وحول مدى استفادة الدول العربية من عودة أموال أغنيائها من أميركا، بعد ضرب التجارة الأميركية، يسجل الهادي كلكالي أنّ الدول العربية اختلفت في طريقة استفادتها من عودة تلك الأموال، فهنالك دول شجعتها كمصر وتونس والمغرب والأردن ولبنان ودول الخليج العربي، من خلال قوانين مشجعة للاستثمار، وإلغاء كل القيود المالية والقانونية لمواطنيها العائدين من أجل الاستثمار في بلدانهم الأصلية، في وقت فضلت دول أخرى صياغة قوانين اقتصادية غير مشجعة على عودة رؤوس أموال مواطنيها العائدة من الخارج.

ويرى كلكالي أنّ الجزائر هي أقرب حالة لهذا النموذج، وذلك ناتج بحسبه من وجود quot;لوبياتquot; مسيطرة على الاقتصاد المحلي، وهو ما خلق بمنظاره حالة من الفوضى، شكلت بدورها حالة فساد دائم، استشرى في الساحة الاقتصادية الجزائرية.
على طرف نقيض، يجزم كمال منصاري بأنّ الجزائر كدولة محورية في شمال إفريقيا استفادت بشكل خاص، لا سيما بعد كل الذي قيل عن quot;شرق أوسط أكبرquot;، ويستشهد منصاري بكون المرحلة التي أعقبت هجمات مانهاتن، جنت الجزائر حجماً هائلاً من الأموال على شكل استثمارات في مجال المعادن والمناجم والاتصالات والبنى التحتية، كما أغرت السوق النفطية الجزائرية ما لا يقلّ عن ثلاثين متعاملاً غربيًا، تصدرتها مجموعات quot;هاليبورتونquot; وquot;أناداركوquot; وquot;بيبيquot; هذه الأخيرة استثمرت 3 إلى 5 مليارات دولار في حقول النفط والغاز في الجزائر.

ويعتقد منصاري أنّ الدول العربية لم تستفد البتة بالمعنى الاقتصادي، خاصة ما يُعرف بالاستثمارات الفرعية والجانبية، ومثالها الأوضح السعودية التي تلقت ضغوطًا، بحكم أنّ غالبية منفذي الهجمات كانوا يحملون جنسيات سعودية، ويضيف منصاري أنّ كل أصول وواردات والأموال المنقولة وغير المنقولة تعرضت لرقابة شديدة، وكثير من المستثمرين العرب سحبوا أموالهم، في ظل اتهامهم بتوظيف أموال في تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.

ويتفق منصاري وبن مختار وكلكالي بشأن ما أثير حول الأعمال التجارية الوهمية ذات الصلة بتمويلات الإرهاب، ويشير بن مختار إلى مصادرة الأمن الجزائري لأموال (الغنائم) التي جرى (استثمارها) في أعمال تجارية غربي الجزائر، فيما يتحدث منصاري عن الخلايا النائمة المرتبطة بالشبكات الداعمة لمجموعات الإرهاب، لكنه يقلّل من حجم الظاهرة، احتكامًا إلى تجميد الأموال المشبوهة، وفرض رقابة أكبر على المصارف في الفترة الماضية.

وينتهي كلكالي إلى أنّ الأعمال التجارية الوهمية ساهمت بقوة في تمويل الإرهاب الدولي، من خلال شبكات تهريب الأموال ومجموعات الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، وهو ما ينطبق على تنظيم (قاعدة بلاد المغرب الإسلامي) وتحالفاته مع مهربين على مستوى منطقة الساحل.