كامل الشيرازي من الجزائر: رغم دخول شهر رمضان أيامه العشر الأخيرة، إلاّ أنّ بورصة اللحوم ما تزال سائرة في التهابها بالجزائر، فبعد تسعة عشر يوما من افتتاح شهر الصيام، تبقى أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء ساخنة، رغم وفرة الماشية في الجزائر، وبرغم كل ما تغنت به السلطات من quot;نجاحهاquot; في حمل التجار على الالتزام بأسعار مخفضة طول شهر رمضان، لكن ظاهرة المضاربة فرضت منطقها كالعادة. وفي جولة قادت quot;إيلافquot; عبر أسواق quot;علي ملاحquot; وفرحات بوسعد (ميسونيي سابقا) والعقيبة ضواحي الجزائر العاصمة، لم يتغير المشهد كثيرا عما لحظناه قبل أسابيع، وهو ما أبرزه مستهلكون أجمعوا على أنّ أسعار اللحوم جدّ باهظة، حيث تراوحت أسعار اللحوم الحمراء (بقر وأغنام) بين 1000 و1100 دينار للكيلوغرام الواحد (أكثر من ثلاثة عشر دولار)، فيما بقي الدجاج يُباع بـ390 دينار للكيلوغرام، ما جعل اقتناء دجاجة سمينة يتطلب دفع ما لا يقلّ عن سبعمائة دينار (قرابة عشر دولارات).


وخلافا للأسواق المذكورة، اقترح عدد من الباعة بسوق باب الوادي وسط العاصمة، أسعارا أقل حدة مقارنة بتلك المُشار إليها، حيث يُباع سعر الكيلوغرام من لحم الغنم بين 800 و950 دينار، فيما بلغ لحم البقر على مستوى نفس السوق 600 إلى 950 دينار للكيلوغرام، وهي أسعار رغم انخفاضها إذا ما قيست بمتاجر أخرى، إلاّ أنّها ليست في متناول الموظفين محدودي الدخل وما أكثرهم.ورغم تنافس الجزارين في استعراض كميات هامة ومتنوعة لكل أنواع اللحوم (بقر وغنم وخيل وأسماك وديوك رومية ودجاج وأرانب)، إلاّ أنّ إلاّ أنّ كميات المبيعات محدودة باعتراف الجزارين أنفسهم، لتفوق الأسعار المقترحة على القدرات الشرائية لمواطنيهم، خصوصا حين يباع اللحم المفروم الذي يتزايد الطلب عليه لا سيما في هذا الشهر، بسعر يتراوح بين 800 إلى 900 دينار للكيلوغرام، تماما مثل كبد البقر الذي يُباع بـ1500 دينار للكيلوغرام، مقابل 1800 دينار بالنسبة لكبد الغنم.


وتتبع اللحوم البيضاء هي الأخرى نفس المنحنى المتصاعد، فبعدما كان لحم الدجاج مُتاحا بـ260 دينار قبل رمضان، سجل ارتفاعا مدهشا إلى 390 دينار، قبل أن يتراجع نسبيا إلى 370 دينار لدى بعض quot;التجار الرحماءquot;.ويرى فريد (44 عاما) وهو موظف بشركة سكك الحديد، في تصريح لـquot;إيلافquot;، أنّ ما يشجع التجار الذين لا يألون جهدا في الإمعان بالجشع واعتماد أسعار خيالية، هو إقبال فئة من الناس على الشراء حتى لو اضطروا لتمزيق جيوبهم أكثر، وهي إشكالية تطرح نفسها بقوة في ظلّ غياب أي رقابة رسمية، ما يُسقط أي حديث في الأفق عن السعر المعقول أو المناسب، بهذا الصدد، يقول فضيل (47 عاما) العامل بمستشفى مملوك للحكومة:quot;حتى تفرح عائلتي مثل البقية، ادخرت بعض المال لشراء بعض اللحمquot;، بينما يقرّ حسين (29 عاما) المتزوج حديثا أنّه اضطر للاقتراض حتى يتمكن من شراء شيئ من اللحم والكبد، وما يترتب عن ذلك من عبئ إضافي يثقل كاهله.وأمام هذا الواقع، فضّل كثيرون الاتجاه إلى استهلاك اللحوم المجمدة المستوردة التي تباع بخمسمائة دينار للكيلوغرام، كما يرتضي البعض شراء السمك الذي يكثر أيضا الطلب عليه خلال شهر الصيام، وباستثناء السردين المقترح بخمسين دينارا، فإنّ باقي الأسعار تتراوح بين 500 1400 دينار بحسب الأنواع، حيث يُباع الجمبري الملكي بـ1200 دينار والمرجان بثمانمائة دينار.


وتفسيرا لهذا الغلاء، يلقي مراقبون بالمسؤولية على ظاهرة المضاربة التي تمارس على كامل السلسلة بدءا من الموالين إلى المستهلكين مرورا بالوسطاء وبائعي الجملة والتجزئة على حد سواء، واللافت أنّ المضاربين يترصدون الوقت المناسب لتحقيق الربح الوفير خلال شهر رمضان، بينما لا تزال وزارة الزراعة الجزائرية بصدد التفكير في وضع إستراتيجية لتنظيم سوق اللحوم الحمراء والبيضاء. وفي خطة مغايرة، كشف quot;كمال شاديquot; المدير العام لشركة برودا لـquot;إيلافquot;، أنّ الشركة تعتزم تعبئة شاحنتين متنقلتين لبيع اللحوم الحمراء والبيضاء بأسعار ثابتة، فيما بات الملاذ الوحيد للمواطن البسيط كامن في ستة نقاط بيع وضعتها السلطات على مستوى منطقتي الجزائر والبليدة، أين تُباع اللحوم الحمراء بـ680 دينار للكيلوغرام ولحم الدجاج بـ250 دينار للكيلوغرام، غير أنّ هذه المحلات تشهد توافدا كبيرا لآلاف المستهلكين، ما يجعل فرص الاستجابة لجميع الطلبات صعبة. وتنوي شركة برودا توقيع اتفاقيات مع الموالين أولا لبيع قطعانهم، ثمّ مع المذابح العمومية والخاصة من أجل ضمان تموين منتظم، وتمّ إطلاق عمليات نموذجية في عدد من المحافظات شرقي البلاد، بهدف حماية نشاط الموالين وضمان منتوج ذي نوعية للمستهلك بسعر محدد مسبقا وفي متناول الجميع.