أصبحت الإمارات الدولة الخليجية الثالثة التي تتجه لإلغاء نظام quot;الكفيلquot; بعد كل من البحرين والكويت. فقد أعلنت حكومتها أمس السبت أنه بات بمقدور الوافد أن يغيّر شروط صاحب عمله. وكانت البحرين ألغت العمل بهذا النظام في أغسطس 2009، وتستعد الكويت لتحذو حذوها في فبراير المقبل.
إعداد كارل كوسا: أعلنت حكومة الإمارات العربية المتحدة السبت أنه بات بمقدور العامل الأجنبي أن يغيّر بشروط صاحب عمله، مخفّفة بذلك نظام الكفيل المطبّق في العديد من دول الخليج النفطية، والذي يثير الكثير من انتقادات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان.
بموجب إجراء جديد لوزارة العمل الإماراتية، سيدخل حيز التطبيق في مطلع كانون الثاني/يناير، سيتمكن العامل الأجنبي الذي ينتهي مفعول إجازة عمله، أن يغيّر صاحب عمله دون انتظار المهلة القانونية من ستة أشهر المطبقة حتى الآن وquot;من دون موافقةكفيلهquot;.
لكن هذا الإجراء لا يطبّق سوى بشرط، وهو أن يعمل الطرفان المتعاقدان على فسخ العقد بينهما quot;وديًاquot;، وأن يكون العامل قد عمل لدى صاحب عمله مدة سنتين على الأقل، وهي الفترة التي تتطابق مع مدة إجازة العمل الجديدة، التي ستدخل حيّز التنفيذ في بداية كانون الثاني/يناير، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الإمارات عن الوزارة.
في غياب فسخ العقد وديًا، سيحصل العامل الأجنبي على إجازة عمل جديدة، إذا تخلّف صاحب العمل عن واجباته التعاقدية والقانونية أو إذا ثبت أن العامل ليس مسؤولاً عن فسخ العقد.
ويواجه نظام quot;الكفيلquot; المطبّق في العديد من دول الخليج العربية، حيث يعمل ملايين الرعايا الأجانب، خصوصًا من الآسيويين، انتقادات جمّة من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، التي تشبّهه بالعبودية. وهذا النظام الذي يعتبر مسؤولاً عن كل حالات الاستغلال، يفرض على أي عامل أجنبي أن يكون له quot;كفيلquot; محلي، يمكّنه خصوصًا سحب جواز سفره طيلة فترة إقامته، ويرفض حق تغيير عمله. وقد ألغت البحرين العمل بهذا النظام في آب/أغسطس 2009، وتستعد الكويت لتحذو حذوها في شباط/فبراير.
البحرين أول دولة خليجية تلغي نظام الكفيل
يذكر أنه بات بإمكان العمال الأجانب في البحرين أن ينتقلوا من عمل إلى آخر من دون إذن من أرباب عملهم اعتباراً من الأول من أغسطس/آب 2009. وبهذا القرار، كانت البحرين أول دولة خليجية تلغي نظام laquo;الكفيلraquo;، الذي أثار الكثير من الانتقادات محلياً ودولياً، وتسبب بموجة انتقادات لدول الخليج طيلة العقود الماضية.
وبموجب هذا القرار فإن جلب العمال الأجانب بدأ يتم وفق تراخيص عمل لمدة سنتين وليس كفالة، كما أصبح بمقدور العامل الانتقال خلال هذه الفترة إلى عمل آخر، لكن ضمن ضوابط. ومن بين الاشتراطات هي التزام صاحب العمل الجديد، الذي يود العامل الانتقال إليه، بنسبة البحرنة المقررة، وألا يكون قد صدر حكم قضائي نهائي بحق العامل أو أن يكون قد خالف أحد بنود عقد العمل بينه وبين رب العمل.
قطر تدرس الخطوة جديًا
بعد الخطوة التي اتخذتها البحرين بإلغاء نظام الكفيل، كشفت قطر في مايو/أيار 2009 على لسان رئيس وزرائها أنها في طريقها لإلغاء نظام الكفيل للعمالة الأجنبية في خطوة تستهدف تحرير سوق العمل، والقضاء على المتاجرة بالتأشيرات، وتجنب الانتقادات المستمرة من جانب منظمات حقوق الإنسان التي تعتبر هذا النظام مصادرة لحرية العامل.
وأوضح الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن موضوع إلغاء الكفالة في قطر كانت تتم دراسته منذ فترة طويلة، وهناك تقارير قيد الإعداد من قبل وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية. مشيرًا إلى أنه تم تشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع، بحيث quot;نخرج بقرار لا يضر العمالة، ولا يضر المواطنين في مسؤولياتهم بالنسبة إلى نظام الكفيلquot;.
الكويت تلغي نظام الكفيل في فبراير
في سياق ذي صلة، أعلن محمد العفاسي وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتي في سبتمبر/أيلول الأخير أنه سيتم إلغاء نظام الكفيل في فبراير/شباط المقبل في بلاده، تزامنًا مع أعمال الهيئة العامة لشؤون العمل في الكويتrlm;.rlm;
وأشار العفاسي إلى أن إلغاء نظام الكفيل سيكون بمثابة هدية الكويت للوافدين في عيد التحرير، الذي يحلّ في فبراير المقبلrlm;.rlm; وكانت هيومن رايتس ووتش رحبت بهذه الخطوة، معتبرة أن إعلان الحكومة الكويتية عن اعتزامها إلغاء نظام الكفيل الخاص باستقدام العمالة الوافدة للعمل في الكويت، بحلول فبراير/شباط 2011، هو خطوة مهمة للتصدي لمصدر كبير من مصادر انتهاك حقوق العمال.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ليس من الواضح رغم ذلك، ما إذا كان هذا التغيير سينطبق على عاملات المنازل الوافدات، اللاتي يشكلن جزءاً كبيراً من قوة العمل الوافدة في الكويت، ولا تغطيهن تدابير حماية قوانين العمل.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول الماضي quot;هذا الإعلان خطوة مهمة تدل على تعامل الحكومة الكويتية بجدّية مع الحاجة لحماية العمالة الوافدة. لكن على الحكومة أن تذكر علناً ما تعتزم فعله، وعليها أن تضم عاملات المنازل إلى خططهاquot;.
نظام الكفيل الكويتي القائم يربط إقامة عاملات المنازل الوافدات بصاحب عمل، أو كفيل، ودون موافقته، لا يمكن للعاملة تغيير أصحاب عملها. quot;التركquot; أو الفرار من محل العمل جريمة يعاقب عليها القانون، حتى لو كانت العاملة غادرت بسبب تعرضها لإساءات. هذا النظام يمنح أصحاب العمل سلطة شبه مطلقة وسيطرة تامة على حياة العاملات، المعتمدات تماماً على صاحب العمل الكفيل في كسبهن للدخل.
وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق الإساءات بحق العمالة الوافدة التي تسببت فيها قيود نظام الكفالة في دول الخليج، ومنها الكويت. يمكن للموظفين والعاملين التعرض لإساءات بدنية وجنسية، وأصحاب العمل يقومون أحياناً بمنع الأجور، ويطالبون بأداء العمال للعمل ساعات طويلة دون أجر إضافي، ويرفضون السماح للعمال بالعودة إلى بلادهم بعد انتهاء مدد العقود، ويمنعون عنهم الوصول لآليات التقاضي والإنصاف.
وكانت وزارة العمل قد أعلنت في عام 2009 أن الحكومة ستلغي نظام الكفيل، لكن الإصلاحات الموعودة في ذلك التوقيت كانت قليلة. سُمح للعمال الوافدين بتغيير الكفلاء دون موافقتهم، فقط بعد إتمام فترة العقد الأولية، أو بعد العمل ثلاث سنوات متتالية لدى صاحب العمل. كما إن التغيير لا يشمل عاملات المنازل، البالغ عددهن 660 ألف عاملة في الكويت، ولا يوفر الحماية للعمال المعرضين لأوضاع عمل منطوية على الإساءات، أثناء سنوات العمل الثلاث الأولى.
وأشارت سارة ليا ويتسن إلى أن quot;أي نظام جديد يجب أن يسمح للعمال بتغيير صاحب العمل أو التوقف عن العمل إذا شاءوا، وأن يمنع تجريم quot;التركquot;، أو الفرار من صاحب العمل دون موافقة صاحب العملquot;. وطالبت الحكومة أن تعلن عن خططها وأن تتعاون مع المجتمع المدني والدول التي جاء منها العمال، من أجل تبني أعلى معيار ممكن من تدابير الحماية لحقوق العمال.
صفحة فايسبوك سعودية ضد الكفالة
تحت عنوان quot;معاً ضد نظام الكفيل في السعوديةquot;، أنشأت مجموعة سعودية على موقع فايسبوك تندد فيه بمساؤى نظام الكفالة المطبق في بعض البلدان. ينوه الموقع أن quot;صاحب هذه الصفحة سعودي... ونحن هنا فقط نقول إن نظام الكفيل نظام عبودية، ولا نتكلم عن أي موضوعات أخرىquot;.
دراسة سعودية تعتبر نظام الكفيل مخالفًا للإسلام
في موازاة ذلك، كانت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية اقترحت في دراسة لها بعنوان quot;إلغاء أحكام الكفالة وتصحيح العلاقة بين العمل والعامل الوافدquot; خطوات ووسائل وتدابير محدودة وتفصيلية للتخفيف من حدة القواعد والآثار الحالية للكفالة.
ودفع الضغط الإعلامي العالمي الذي زاد في السنوات الأخيرة، الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية لتقديم دراسة للملك السعودي في صيف 2008 تنتقد فيها وبشدة نظام الكفيل الذي تعتبره إنتهاكاً لحقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً والتي كفلها له الإسلام.
وذكرت الجمعية في دراستها أن هذه التدابير لا تحتاج سوى تفعيل قرار مجلس الوزراء رقم 166 الصادر قبل تسع سنوات، ويقضي بتحسين الأوضاع الإنسانية للعمالة الوافدة، وتصحيح علاقة العامل بصاحب العمل كعلاقة عمل، وليس علاقة كفالة، إلا أن هذه التوصيات -حسب الدراسة- لم تنفذها الجهات المختصة. وطالبت الدراسة بإنشاء هيئة حكومية ذات شخصية اعتبارية للإشراف على كل أوضاع وشؤون العمالة الوافدة لإلغاء أي دور للكفيل التقليدي.
واعتبرت أن إبقاء نظام الكفالة أو الدفاع عنها يتضمن بعض الصور التي تخالف قواعد الشريعة الإسلامية، التي هي دستور للبلاد، وأنها تضع السعودية في الموضع المخالف لالتزاماتها الدولية التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها، وهو ما يلزمها قانونيًا بالتخلي عن الكفالة بشكلها الراهن.
وزير العمل السعودي غازي القصيبي أكد في هذا السياق في مايو/أيار 2009 أن وزارته لا تنوي الآن تغيير أنظمة العمل المعمول بها في السعودية. وأشار إلى أن هناك جهودًا تبذل الآن من أجل تفعيل قرار صدر قبل سنوات من مجلس الوزراء السعودي بإزالة كلمة quot;الكفيلquot; تدريجياً من كل ما يتعلق بأوراق العمالة الأجنبية ليحل محلها عبارة quot;عقد عملquot;.
وأوضح القصيبي أن وزارة العمل ومع صدور نظام العمل الجديد قبل ثلاث سنوات تقريباً لم تعد تستخدم كلمة quot;الكفيلquot;، ولا تعترف بها، لأنها تدرك أن هناك صاحب عمل وعامل فقط. وأكد أن وزارة العمل السعودية أصبح بمقدورها أيضاً أن تنقل كفالة العامل من صاحب عمل إلى آخر رغماً عنه إن كان متعسفاً بحق العامل. ولفت إلى أن أسوأ الأشياء التي ترتبط بنظام الكفيل هو عدم قدرة العامل على التحرك والانتقال إلا بإذن من صاحب العمل، وكل هذه الأشياء أزيلت الآن، وبإمكان العامل أن ينتقل من بلد إلى آخر لأنه يحمل إقامة لا يمكن لصاحب العمل تجريده منها.
وتشير تقارير المنظمة الحقوقية الأميركية -حسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية منتصف أبريل/نيسان الماضي- غير الحكومية إلى وجود ملايين من العمال الأجانب في دول الخليج العربي، يعيشون quot;رهائن لنظام الكفالةquot;.
وفي العام 2007، صنّف تقرير صادر من الخارجية الأميركية السعودية ضمن دول الفئة الثالثة، وهي الدول التي لا تمتثل حكوماتها كليا للحد الأدنى من المعايير التي تحد من الاتجار في البشر ولا تبذل جهودًا قصوى لإيقاف الاتجار في البشر.
وكان مجلس الوزراء السعودي قد أصدر قراراً برقم 166 في عام 1421 هجرية ينص على تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل الوافد في إطار عقد العمل المبرم بينهما، وليس في إطار أحكام الكفالة.
كما نص القرار على اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لإحلال عبارة quot;عقد عملquot; وquot;صاحب عملquot; محل كلمة quot;كفال quot; وquot;كفيلquot; في نظام الإقامة ونظام العمل والعمال. وعلى الرغم من مرور ثماني سنوات على صدور هذا القرار، إلا أنه لم يطبق، ولم تلتزم العديد من الجهات الحكومية بالعديد من النصوص التي وردت فيه.
وأشار تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأميركية على لسان وزير العمل البحريني مجيد العلوي إلى أن العمال الأجانب في بلدان الخليج سيناهز 30 مليون في عشر سنوات بسبب الطفرة النفطية في الفترة الحالية، مما يلزم حكومات المنطقة بضرورة مراجعة قوانين الكفالة.
ويرى محللون أن أهم التحديات العمالية التي تواجه المنطقة تتلخص في نقاط عدة، أهمها تنقل العمالة غير المنظمة وغير المراقبة سواء الخليجية أو غيرها، ووجود مخرجات تعليم لا تتطابق مع متطلبات سوق العمل، ووجود قوانين عمل بعيدة عن المتطلبات الواقعية لسوق العمل، وإيجاد وظائف استثمارية لا تتوافر لها الموارد البشرية الخليجية.
ويدعون إلى تكامل التشريعات المتعلقة بتنظيم العمالة في هذه الدول، ما يساعد على وضع الخطط التي تتعامل مع مشاكل أسواق العمل بصورة منهجية وعلمية، تقوم أساسًا على توحيد أسواق العمل الخليجية وتكاملها، وفتحها بالكامل أمام مواطني دول المجلس الراغبين بالعمل في أي من هذه الدول.
التعليقات