أن تتشح يداك بالسواد في محاولة لإصلاح مولد كهربائي، وتدور ألف مرة ومرة في الشوارع باحثا عن الشمع، وأن تفقد السيطرة على نفسك بالسب والشتائم، وأن تفكر بالهجرة عشرات المرات، وأن ترتسم على وجهك تجاعيد الغضب ولا أحد يراك.. وأن تبحث عن أحد المساجد أو محلات الكهرباء كي تشحن بطارية الهاتف.. ذلك يعني أن هناك انقطاعا للتيار الكهربائي في قطاع غزة، فيوميا تتكرر تلك المشاهد، ويتكرر الأثر السلبي الذي طال أكثر اهتمامات الفلسطينيين quot;الانترنت، والهاتف المحمولquot; فهما الأكثر أهمية بالنسبة للعمل والعلاقات الاجتماعية، ووسيلة للتسلية والترفيه..

محمد أبو جبل مدرس غرافيك في كلية العلوم التطبيقية في غزة، فضل الحديث عن شبكة الانترنت وتأثرها بانقطاع التيار الكهربائي فقال: quot;لدي أخ في بلجيكا، وبحاجة للتواصل معه بشكل يومي للاطمئنان إليه، ولكن انقطاع التيار الكهربائي والفصل المتكرر لشبكة الانترنت يحول دون ذلك، وحتى لو قمت بتشغيل المولد الكهربائي فإن مستوى الكهرباء سيكون ضعيفا جدا وسيؤثر ذلك في الاتصال بالانترنتquot;.

وفي تفاصيل الانترنت الدقيقة التي تتأثر هي الأخرى بالكهرباء يوضح أبو جبل: quot;الاتصالات تقدم لنا 32 غيغا بايت شهريا، وهي سعة بسيطة جدا مقارنة بما يحصل عليه المشتركون خارج غزة، والمشكلة هو أن انقطاع التيار الكهربائي لا يمكننا من استغلال هذه السعة المعطاة لنا شهريا، وإذا لم نستخدم هذه السعة ستضيع منا ولن تؤجل للشهر التالي، وذلك بمثابة استغلال مالي لناquot;.

ويرى أبو جبل أن عدم استغلال طاقاته على الشبكة العنكبوتية يعيده عشرات السنوات إلى الوراء، فيقول: quot;حتى أننا محرومون من التكنولوجيا التي هي سمة العصر، فطوال اليوم لا كهرباء ولا انترنت، وهو ما يشعرنا بالعزلة عن العالم في وقت أصبح فيه الانترنت تكنولوجيا تحكم العالمquot;.

ويحاول أبو جبل التغلب على مشاكل انقطاع التيار الكهربائي من خلال تنظيم عمله حسب مواعيد انقطاع التيار الكهربائي، ولكنه يشير: quot;نواجه مشاكل وصعوبات ولكننا غير قادرين على حلها، ودائما نكمم أفواهنا بأنفسنا نتيجة لغياب التنافس في قطاع الاتصالات، وعدم وجود شركات أخرى فنضطر لقبول الموجود، ولو كان هناك شركات أخرى وتنافس لزادت الخدمات وكان الاهتمام بالمشترك أكثر، والمستفيد هو المواطنquot;.

ويضيف: quot;عندما أحاول الاتصال على شركة الاتصالات، لشرح مشكلتي فيكون الرد دائما أنك بحاجة لمقوٍ تكلفته 40 شيكلا، وبحاجة إلى جهاز له مواصفات محددة كي تنتهي مشكلتك على الإطلاق، ولكن المشكلة تبقى كما هي حتى إذا اتبعت تعليماتهمquot;.


ثقتي في الهاتف المحمول quot;صفرquot;

في وسط قطاع غزة التقت quot;إيلافquot; بـالشاب عبد الرحمن زقوت، وهو متذمر من شركات الاتصالات ومن كثرة انقطاع التيار الكهربائي يقول: quot; أرواحنا طلعت من كثرة انقطاع الكهرباء، لقد تعودنا على نظام معين في حياتنا، وفلسطين أصبحت تعيش حياة مدنية راقية، لذلك من الصعب علينا أن نفتقد الكهرباء، لأننا بذلك سنتخلى عن طقوسنا اليومية في ممارسة الاتصال والانترنتquot;.

عبد الرحمن الذي يعتبر الاتصال الوسيلة الأهم للتواصل ما بين البشر يؤكد: quot;أكثر ما يضايقني هو أنني عندما أتكلم عبر الهاتف لا يسمعني المستقبل، وأحيانا يتسبب ذلك في مشاكل عدم فهم حديثي بطريقة صائبة من قبل أصدقائي خاصة إذا كنا نتحدث في موضوع مهمquot;.

بالإضافة إلى ذلك فإن فراغ بطارية الهاتف يسبب له إزعاجا آخر، فيقول: quot;كثرة محاولة الاتصال وعدم توفر الشبكة، كل ذلك يفرغ بطارية الهاتف فتضطر لشحنها في أحد المحلات، أو المسجد، أو عند أحد الأصدقاء الذين يتوفر لديهم مولد كهربائي، وإذا اتصل بك أحد وأنت تشحن الهاتف فلن ترد لأنك لن تستمع إليه بسبب صوت المولد الكهربائي المزعج، وعلى كل الأحوال هي معاناة نفسيةquot;.

عبد الرحمن الذي اضطر إلى شراء بطارية ثانية بسبب انقطاع التيار الكهربائي، يقول: quot;عند توفر الكهرباء أستغل ذلك في شحن كلا البطاريتين، ولكن المشكلة تتأزم عندما أسير على طريق البحر، حيث تواجهني مشكلة أخرى، وهو أن الإرسال ضعيف جداquot;. ويتساءل: quot;فما بالك إن كان التيار الكهربائي مقطوعا، ومحطات الإرسال لا تعمل..؟

ويضيف: quot;منذ أن بدأت أزمة الكهرباء اضطررنا لإعادة تشغيل صفر الهاتف المحمول على خط الهاتف الأرضي، حتى نتمكن من الاتصال عند حدوث طارئ أو أزمة، لأن الهاتف المحمول غير مضمون على الإطلاق، وثقتي فيه صفر خاصة في أوقات الطوارئ وطبعا تلك العملية مكلفة مالياquot;.

سكان جنوب غزة بدأوا في الاعتماد على شبكات الإرسال المصرية..

الشاب بلال الدريوي يسكن في جنوب قطاع غزة، أكد quot;لإيلافquot; أن كافة المواطنين في مدينة رفح على الحدود مع مصر أصبحوا يستخدمون شرائح شركة فودافون وأورنج نظرا لسوء إرسال شبكات الاتصال المحلية، وأوضح قائلا: quot;هذا لا يعني أننا لا نشجع المنتج الوطني، ولكن المشكلة أن شركة الاتصالات لا تساعدنا على التمسك بها، ويضطر أهالي غزة للبحث عن بدائل، وما زاد المشكلة هو أن شركة جوال تبيع شرائح الهاتف النقال، وتزيد من أعداد مشتركيها، في حين أن شبكات الإرسال لم تطور، وهذا يسبب تزاحما وضغطا على الشبكة، وكل ذلك على حساب المستخدم القديم لدى الشركة، فنحن المتضررون وليس شركة جوالquot;.

حاولنا الاستيضاح أكثر من الشاب بلال حول جودة الاتصال المقدمة للمشتركين في أوقات الطوارئ وغيرها، فقال: quot;خدمة شركة جوال في الأوقات العادية تساوي 65 % تقريبا، وفي وقت الطوارئ والقصف والمناسبات ستجدها 5%، ودليل ذلك أننا أصبحنا نحدد المناطق التي لا يوجد بها تيار كهربائي من خلال تعثر الاتصال بالأصدقاءquot;.

وعن التأثير المباشر لانقطاع التيار الكهربائي على حياته وعائلته قال الدريوي: quot;أستخدم الانترنت عن طريق تشغيل المولد الكهربائي، ولكني أجلس في ظلام دامس لأن المولد لا يتحمل تشغيل إنارة البيت كلهاquot;.

ويطالب الدريوي بوضع جدول زمني يوضح مواعيد انقطاع التيار الكهربائي اليومية كي ينظم أعماله، فيقول: quot;انقطاع الكهرباء المتكرر بشكل مفاجئ دون وجود موعد زمني محدد لانقطاعها، قد يحرق الهاتف أو الكمبيوتر إذا كان موصولا بالكهرباءquot;.

ويضيف: quot;الحل هو أن يتم تزويد محطات الإرسال بمولدات كهربائية، وهذا ليس معجزة بالنسبة إلى شركة جوال والاتصالات لأنهم قادرون على جلب مولدات عن طريق المعابر من خلال علاقاتهمquot;.

40% من محطات الإرسال غير مزودة بمولدات كهربائية

بسام العديني مدير الدائرة الفنية لشركة جوال في قطاع غزة قال إن شركته هي المتضرر الأكبر من انقطاع التيار الكهربائي، وأكد أنها المشكلة الأكبر التي يواجهونها، مضيفا: quot;هناك أزمة حقيقية تطال خدمات الإرسال المقدمة للمشتركين في ظل الانقطاع اليومي للتيار الكهربائي، فغالبية الشكاوى التي تصلنا على مكتب استعلامات الشركة هي من قبل مشتركي غزة، والمشكلة هي رداءة الصوت وانقطاع الخط، وعدم وجود إرسال، وكل ذلك يسببه انقطاع التيار الكهربائي عن محطات الإرسال المرتبطة بمقاسم جوال، وكل هذه المقاسم والأنظمة تعمل بالكهرباء، فإذا ما كان هناك عجز أو انقطاع للتيار الكهربائي فإن ذلك يؤثر فينا وفي الخدمة المقدمة، وبالتالي يتأثر المشتركquot;.

وعن طبيعة التوزيع الجغرافي لمحطات الإرسال يقول العديني: quot;شركة جوال عبارة عن عدد من محطات الإرسال، في المنطقة الجغرافية الواحدة 10 محطات تقريبا مزودة بمولدات كهربائية، وكل محطة تخدم عددا من المشتركين، فإذا ما انقطع التيار الكهربائي عن تلك المحطات، يتحول هؤلاء المشتركون تلقائيا إلى محطات أخرى، فيحدث ضغط كبير على الشبكةquot;.

وتساءلت إيلاف عن زيادة شركة جوال لأعداد مشتركيها وبيعها لشرائح الهاتف مقابل عدم اهتمامها بجودة الإرسال، فأجاب العديني: quot;شبكة جوال مصممة لعدد محدود من المشتركين، ويزداد العدد مع ازدياد الإمكانيات والتوسعة، ففي كل سنة لدينا خطة نسير عليها، ولكن في بعض الأحيان لا تنجح الخطة كما نتوقع بسبب الوضع القائم، فمثلا: من المفترض أن يكون لدينا 80 محطة إضافية في عام 2010، ولكن حتى هذه اللحظة لسنا متأكدين من إمكانية دخول وتركيب هذه المحطات بسبب مماطلة إسرائيلquot;.

وحسب العديني فإن عدد محطات الإرسال حول قطاع غزة 300 محطة، 40% منها لا يوجد بها مولدات كهربائية، و60 % مزودة بمولدات، ويشير: quot;منذ ثلاث سنوات لم نتمكن من إدخال أي مولدات كهربائية سوى 16 مولدا دخلت بعد الحرب الأخيرة على غزةquot;. ويضيف: quot;هناك أمر شراء 101 مولد كهربائي، ولكن حتى هذه اللحظة لم يتمكن المورد من إدخالها إلى قطاع غزة، مع العلم أننا بحاجة إلى مولدات بمواصفات خاصةquot;.

المشكلة وحلها لا تتطلب الكثير من التفكير حسبما يقول العديني، إذ يؤكد: quot;لا يوجد حلول سحرية للمشكلة، والحل الوحيد هو إيجاد مصدر بديل لتوفير الكهرباء، ونتأمل أن يتوفر ذلك في السوق المحلية وليس خارج غزة كي نستطيع الوصول إليهquot;.

أما أساس الأزمة فهو انقطاع التيار الكهربائي، حيث يقول الدكتور رفيق مليحة مدير محطة توليد الكهرباء في غزة: quot;الكميات التي تصلنا من الوقود الصناعي تكفينا لساعات محدودة فقط، وليس لدينا أي مخزون، ومن المحتمل أن تتوقف المحطة عن العمل بالكامل يوم الجمعة والسبت بسبب إقفال المعابر، وعدم توريد الوقود في هذه الأيام، وبالتالي ستقفل المحطة أبوابهاquot;.

ويوضح مليحة: quot;كانت قدرة محطة الكهرباء 140 ميجا وات في السابق أما قدرتها الحالية بعد إعادة التصليح والقصف فهي 80 ميجا وات، ولكن حتى الـ 80 ميجا لا يسمح لنا بتشغيلها بسبب تقليص كميات الوقود، فالمحطة تعمل الآن بقدرة 60 ميجا وات، ولا يصلنا سوى القليل لتشغيل المحطة بهذه القدرة منذ أسبوعين وهو ما فاقم الأزمة عن السابق، حيث تضرر كل شيء في غزةquot;.