على وقع مناقشات ومداخلات ثرية جدًّا فقد طوى منتدى جدة الإقتصادي أشرعته، مسلطًا الأضواء القوية على العثرات والمعيقات البارزة التي تعترض الخطط التنموية والإقتصادية حول العالم، إستكمالاً لما بدأه المنتدى من مناقشات غنية جدًا بالدلالات المهمة التي قدمت الى صناع القرار حول العالم بغية التدخل بقوة للتحرك إلى الأمام.

جدة: إختتم منتدى جدة الاقتصادي العاشر فعالياته اليوم بفندق الهيلتون بمحافظة جدة حيث أكدت الجلسة السابعة من جلسات المنتدى على العلاقة الوثيقة بين الصحة والاقتصاد والتنمية وأجمع المتحدثون في الجلسة على أن الصحة واحدة من أهم المحاور والقضايا التي تؤثر وتتأثر بالاقتصاد والتنمية والخدمات والإنتاجية بصفة عامة. وحذرت الجلسة من المخاطر الصحية والأمراض والأوبئة التي تنتظر العالم في الألفية الجديدة خصوصًا في ظل العولمة وفتح الحدود وانتقال السلع من دولة إلى أخرى ما يؤدي إلى انتقال العدوى والأوبئة والفيروسات والحشرات الناقلة للأمراض.

أهمية المحور الصحي
وتحدث في الجلسة رئيس عميد كلية الطب نائب الرئيس المكلف بشؤون التطوير بجامعة الفيصل الدكتور خالد مناع القطان عن أهمية
الإنفاق على الصحة في المملكة ودول الخليج داعيًا إلى المزيد من الإنفاق على هذا القطاع، موضحًا في هذا الشأن أن 6% من إجمالي الناتج الوطني في المملكة ينفق على الصحة تحت مظلة وزارة الصحة فيما ينفق من 8 إلى 10% من الدخل على الرعاية الصحية للأفراد والأسر.

وقال quot;إن هناك حاجة ماسة إلى زيادة الإنفاق على علاج الأمراض المزمنة والمعدية مشيرًا إلى أن زيادة معدل النمو السكاني ومعدل زيادة السن للمواطنين تتطلب المزيد من الإنفاق على العلوم الصيدلانية والبحوث الطبية، على الرغم من تأثر الاقتصاديات العالمية ومنها اقتصاديات منطقة الخليج بالركود الاقتصاديquot;، مؤكدًا انعكاس هذا الانتعاش الاقتصادي ايجابيًا على الرعاية الصحية في المملكة ودول الخليج التي تنفق مجتمعة 20% من الدخل على التعليم والتدريب الطبي وتخريج الكوادر التي تعمل في المجال الصحي بصفة عامة، مشيرًا إلى أن دول الخليج بدأت تولي التأمين الطبي اهتمامًا كبيرًا في الأونة الأخيرة مما أدى إلى تقديم خدمات صحية أفضل لمواطني دول المجلس.

ودعا الدكتور القطان المسؤولين الصحيين في المملكة ودول الخليج إلى التعامل بجدية وحذر مع الأمراض التي تصاحب العولمة وهي تلك الأمراض التي انتشرت في الغرب ثم انتقلت إلى دول الخليج ودول أخرى في العالم موضحًا أن المملكة لديها خصوصية في التعامل مع الأمراض الوافدة والمعدية نظراً لزيادة أعداد القادمين للحج و العمرة من جميع دول العالم، إضافة إلى الأمراض التي صاحبت صناعة البتر وكيماويات.

من جانب آخر، أوضح المدير العام للمجلس التنفيذي لمجلس وزارء الصحة لمجلس التعاون الخليجي الدكتور توفيق بن أحمد خوجة التحديات الصحية وكيفية مواجهتها في دول مجلس التعاون الخليجي وارتباط ذلك بالاقتصاد والاستثمار، داعيًا إلى ضرورة زيادة الاستثمارات في القطاع الصحي من أجل التوسع في استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في المجال الصحي إضافة إلى إنتاج الأمصال واللقاحات للتطعيم ضد الأمراض المعدية.

ودعا الدكتور خوجة الحكومات في دول مجلس التعاون إلى الاضطلاع بدورها في تعزيز القدرات الصحية خصوصاً في ظل فترة الكساد العالمي التي نشبت جراء الأزمة المالية العالمية حاثا الحكومات الخليجية على الاهتمام بالعاملين في هذا الحقل إضافة إلى تعزيز النظام الصحي الذي يتعامل مع الأمراض الطارئة التي تنتقل عبر الوبائيات أو التي تنتج عن الكوارث الطبيعية ومنها السيول.

وأوضح الدكتور خوجة أن الأنظمة الصحية الناجحة والجيدة هي التي تستجيب لمطالب المرضى والتي تتعامل مع المستقبل وتحدياته موصياً بضرورة إيجاد خدمات مركزية للوقاية وزيادة الاستثمار والأبحاث الطبية والتعاون الإقليمي والعالمي في هذا الشأن وتفعيل الاتفاقيات الدولية للاستفادة من التقنية والأبحاث العلمية الطبية في الدول المتقدمة.

بعد ذلك تحدث نائب الرئيس التنفيذي للعلوم الاجتماعية والإحصائية والبيئية في (أر تي أي) العالمية الدكتور وين هولدن حول القضايا الأساسية التي تحدد مستقبل العالم وفي مقدمتها القضايا الصحية وقال quot;إن قضية الصحة لاتبدو سهلة أو معزولة عن القضايا الأخرى في العالم فهي معقدة وتتداخل مع البيئة والفقر والنزاعات وعدم المساواة والأزمات الاقتصاديةquot;، مشيرًا إلى أن العقدين المقبلين يحملان تحديات كبيرة على المستوى الصحي ويجب على العالم أن يفكر جدياً في توفير الحلول حيث تشير التوقعات أن الفترة حتى عام 2030 ستشهد زيادة في عدد الوفيات جراء الأمراض المزمنة وأمراض القلب والسرطان والإيدز وقد تنخفض الوفيات التي تنتج عن حوادث السيارات كما أن متوسط عمر الإنسان سيطول عما هو عليه الآن وهذا يتطلب وجود رعاية صحية لكبار السن.

من جانب آخر، أكد نائب رئيس المجلس العلمي الاستشاري لشؤون الصحة العامة في وزارة الدفاع الألمانية الدكتور مانفرد ديترتيش أن الصحة هي أحد أهم ملامح الاقتصاد وهي ركيزة رئيسة لتحديد نوعية وكفاءته الإنتاج فالعامل البشري هو أحد أهم مكونات التنمية وأن افتقار الأمان في العمل يؤدي إلى بيئة عمل غير جيدة وانخفاض الإنتاجية وتدهور الاقتصاد ولذلك هناك ارتباط وثيق بين العمل والصحة.

وحذر الدكتور ديترتيش من زيادة وخطورة الأمراض في عصر العولمة موضحًا أن انتقال السلع الملوثة تحمل العديد من الأمراض وتسبب الكثير من الوفيات وتؤثر سلبًا على صحة الإنسان والحيوان معًا.

وانتقد رئيس شركة هوليسيزوي القابضة للرعاية الصحية في جنوب أفريقيا دينو سيلسيتي في هذه الجلسة عدم اهتمام الدول بتوصيات القمة التنموية التي عقدت بجنوب أفريقيا قبل 10 سنوات من الآن، مبينًا أن تلك القمة قدمت عشرة توصيات مهمة منها ثلاثة توصيات صحية هي (تخفيض وفيات الأطفال وصحة الأمومة والحد من انتشار الأوبئة وأمراض الملاريا والأيدز والسل) ,داعياً إلى المزيد من الإنفاق على استخدام التقنيات الحديثة وتدريب الكوادر البشرية واستثمار رأس المال بشكل كبير في قطاع الصحة مع تحديد الأهداف بدقة وفق الاحتياجات الحقيقة بعيداً عن الارتجال والعشوائية.

جامعة الملك عبدالله
وأبرزت الجلسة الثامنة لمنتدى جدة الاقتصادي العاشر أهداف جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ودورها المستقبلي في خدمة الإنسانية على المستويات العلمية والتكنولوجية والتقنية البحثية والثقافية والحضارية.
وحددت الجلسة التي رأستها الأكاديمية بجامعة عفت الدكتورة أسمى صديقي خطط جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي سوف تركز عليها خلال السنوات المقبلة وكشفت النقاب عن التعاون الذي ستدشنه الجامعة مع الجامعات العالمية ومراكز الأبحاث المرموقة والباحثين من جميع أنحاء العالم لخلق بيئة علمية وبحثية ملائمة ومتكاملة من أجل خدمة المملكة والمنطقة والعالم انطلاقاً من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي حددها عند إنشاء هذه الجامعة.

كما تطرقت الجلسة إلى أهمية الدور الذي تضطلع به مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وسلطت الضوء على خطط وبرامج المدينة للسنوات العشرين المقبلة متناولة واقع ومستقبل قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على مستوى المملكة والعالم ورسمت ملامح التطور المستقبلي لقطاع الاتصالات وخصوصاً مجال الإنترنت فائق السرعة.

وقد قدمت في بداية الجلسة الدكتورة صديقي أهمية العلوم والتكنولوجيا وكيفية الاستفادة منها في جميع مناحي الحياة ولا سيما في مجال التنمية المستدامة التي ستعتمد كثيرًا على تكنولوجيا المعلومات.

وأوضحت أن المستفيد الأول من التقدم العلمي والتكنولوجي هي الدول المتقدمة حيث تحقق استفادة اقتصادية و علمية و اجتماعية كبيرة أما الدول النامية فلابد أن تصلح هياكلها وقدراتها المؤسساتية والتشريعية للحاق بركب التطور العلمي والتكنولوجي أما الدول الفقيرة والغير مستقرة سياسياً فلن تنال حظاً من التكنولوجيا الحديثة.

وتحدث في الجلسة الثامنةالأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد آل سعود نائب الرئيس لمعاهد البحوث في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عن دور المدينة في دعم البحوث المتقدمة والتقنيات الحديثة وشرح الخطط الموضوعة لأكثر من عقدين مقبلين، وقال quot; لدينا خطة بدأت منذ عام 2007 وسنلتزم بتنفيذها حتى عام 2015 تركز على أن تكون المملكة دولة رائدة للعلوم والتكنولوجيا وأن يتحول المجتمع السعودي بحلول عام 2025 إلى مجتمع متقدم صناعياً وقائم على المعرفة، إذ تم تخصيص 2 في المئة من الناتج الوطني لتنفيذ هذه الخططquot;.

وأضاف أن هذه الخطة تشمل 8 برامج رئيسة شملت تحديد أولويات البحث بتكلفة 8 مليارات ريال ونتطلع إلى مضاعفة هذا التمويل في المستقبل، مبينًا أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تحفز مراكز البحث العلمي على البرامج التطبيقية المستخدمة في الصناعة وبرامج أخرى في تنمية المنتجات وبرامج لتطوير الأعمال الصغيرة والمتوسطة من أجل تطوير هذه المشاريع والعمالة السعودية الوطنية.

كما تطرق في الجلسة ذاتها مدير مجلس إدارة تطوير الاتصالات في الاتحاد العالمي للاتصالات سامي البشير المرشد عن واقع الاتصالات الحالية والخطط المستقبلية في هذا المجال، موضحًا أن المنطقة العربية ودول الخليج حققت قفزة هائلة في مجال الاتصالات وخدمات الهاتف الجوال في السنوات العشرة الأخيرة بنسبة 50 بالمئة في دول الخليج وبنسبة 100في المئة في المملكة، كما أن الدول المتوسطة في المنطقة حققت تقدمًا كبيرًا أيضًا في هذا المجال منها على سبيل المثال مصر وسوريا أما في ما يتعلق بالمجموعة الثالثة وهي الأكثر فقرًا، فهناك محاولات لمساعدتها لتطوير منظومة الاتصالات لديها حتى تتمكن من تنمية قطاعات التعليم والصحة والبيئة والاقتصاد.

مشاكل التعليم
وقدم رئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية الدكتور تشون فونغ شيه خلال الجلسة أرقامًا وإحصائيات ومعلومات دقيقة حول أهداف وخطط الجامعة وكيفية تنفيذها وانعكاس ذلك على المملكة والمنطقة والعالم.

وقال quot;أن هذه الجامعة ظهرت إلى الوجود من خلال رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتكون جامعة عالمية مرموقة في مجال المعرفة والبحث العلمي خلال القرن الحادي و العشرين وأن تكون جسرًا بين المملكة والعالم وأن تعيد العصر الذهبي للإسلام ومركزًا لجلب العقول من جميع دول العالم لتبادل المعرفة والخبرات في جميع المجالات، وإنها دار للحكمة والمعرفة ومركز إشعاع حضاري للعالم أجمع إنها هذه رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز حيث أرادها أن تكون لكل الناس وأن تكون بيئة جيدة حاضنة للجميع كفريق واحد وأن تعمل على تنويع قاعدة الاقتصاد السعودي وتكون مركزًا لتطوير العلومquot;.

وأضاف أن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أكبر من جامعة فهي تأخذ على عاتقها بناء الجسور بين الناس وخلق الفرص والمصالح وربط الثقافات بين جميع قارات العالم وأن الجامعة تهدف إلى تحقيق هدف آخر وهو عالمية المعرفة، حيث جلبت طلابًا وأساتذة من 70 بلدًا حول العالم إضافة إلى مواهب سعودية فذة ومرموقة لخلق مجتمع أكاديمي يتعلم فيه بعضهم من البعض الآخر ويجسرون جميعًا الهوة بين الحضارات والثقافات المختلفة حول العالم.

وبين رئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أن الجامعة تعكف على 70 مشروعًا يتناولها أفضل المتخصصين تهدف جميعها إلى التنمية المستدامة في شتى المجالات وتولي أهمية للطاقة المتجددة ومنها الطاقة الشمسية ومن بين هذه المشاريع أيضًا (الماء) فهناك مركزين لتكنولوجيا تحلية المياه في الجامعة فهي تهدف إلى تنقية وتدوير ماء البحر لتوفير الماء و الغذاء وهناك أيضاً مركز لبحوث الجينوم كما تهدف الجامعة لتحويل الصحراء إلى أرض زراعية وإن الجامعة تحمل رسالة لتحفيز التنوع الاقتصادي من خلال 21 بحثًا في هذا المجال.

من جهته عرض وكيل التعليم العالي في وزارة التعليم بدولة الكويت والمدير التنفيذي السابق في البنك الدولي الدكتور خالد السعد نماذج لنجاحات وإخفاقات التعليم في دولة الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي.

أما مدير برنامج اليونيسكو أولاف سيم فقد إنتقد في الجلسة الثامنة والأخيرة للمنتدى التزام العديد من الحكومات بتحسين مستوى التعليم الحكومي وغياب الاستثمارات الحقيقية والفعالة في هذا المجال، على الرغم من أن التعليم هو حق أساسي من حقوق الإنسان ووسيلة رئيسة للتنمية والمحرك الأساسي لتحقيق الصحة وسلامة البيئة كما أن التعليم هو أساس تطور المجتمعات وتحقيق العدالة.

وقال إن هناك أدلة ومستندات لدى اليونسكو تؤكد مدى أهمية العلاقة بين الاستثمار في التعليم والنمو الاقتصادي في جميع دول العالم ووفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن التعليم يحقق عائدات أكثر أهمية للمجتمعات الإنسانية حيث يؤكد البنك الدولي أن التعليم أحد العوامل الرئيسة لتحقيق النمو المستدام والدراسات الحديثة تشير إلى أن سنة إضافية واحدة في التعليم تحقق نموًا في الناتج المحلي بنسبة 7 في المئة.