قام مصرف غولدمان ساكس بطهي أزمة مالية(يُعتقد أن العالم تخطاها اليوم) وضعت حكومة أثينا في قفصها القاتم.

برن: في عام 2000، قامت اليونان بتلزيم مهمة تصليح الموازنات العامة الى هذا المصرف نظراً لدخولها الى منطقة اليورو. رد مصرف غولدمان ساكس على هذه المهمة عن طريق تنظيم سلسلة من صفقات quot;سوابquot; (Swap)، أي مقايضة فائدة العملة وهي صفقة تجارية يتبادل طرفاها الفائدة الثابتة والعائمة مع بعضهما ويمكن اعتبار هذه الصفقة مثل قرضين متوازيين احدهما ثابت والآخر عائم. لتنظيم هذه الصفقات لجأ خبراء هذا المصرف الأميركي الى عقارب الدهاء لتحويل ديون مجموعها بلايين الدولارات، في الموازنة العامة اليونانية، الى أرباح لقاء تقاضي مبلغ 300 مليون يورو. كما تلعب المشتقات المالية دوراً في اخفاء مصائب اليونان المالية. بوساطتها أقدمت اليونان على تبديل ديونها بالدولارات الى أخرى باليورو. هكذا، نجحت حكومة أثينا في حذف ما مجموعه 2.7 بليون يورو، من الديون في موازناتها العامة، بصورة شكلية. بفضل هذه الحيلة، تمكنت اليونان من احترام القواعد والبقاء في منطقة اليورو.

علاوة على ذلك، وبمساعدة براءة خبراء مصرف غولدمان ساكس في الخداع، واصلت حكومة أثينا quot;تجديدquot; ديونها. في المقابل، عرضت حكومة أثينا على هذا المصرف الأرباح التي كان من المفترض أن تتأتى، مستقبلاً، من ادارة المطارات وسكك الحديد والأوتوسترادات، باليونان. بيد أن قصر الوعود والأرباح انهار بالكامل عندما أيقنت اليونان أنها لا تمتلك أي شيء آخر قابل للاهداء!

في هذا الصدد، يشير المحلل المالي quot;براين بيثونquot; في شركة (Global Insight)، لصحيفة ايلاف الى أن سلوك غولدمان ساكس التجاري الأعمى غير جديد. لا بل ان جذوره مزروع في قلب الأزمات المالية الدولية. في عام 1929، قام المصرف بتأسيس شركتين، هما (Blue Ridge) و(Shenandoah Trust)، تركتا، بعد اشهار افلاسهما، ثقباً مالياً مجموعه، لو تم تقويمه اليوم، 475 بليون دولار. في تسعينات القرن الماضي، كان المصرف موجود في قلب الفقاعة التكنولوجية واستخدم خبرائه تقنية مالية تدعى (Laddering) حيث يقوم المستثمرون بشراء أسهم من شركة ما، بقيمة أقل من تلك السوقية. في الوقت ذاته، يتعهد هؤلاء المستثمرون شراء حصص أخرى من أسهم هذه الشركة بقيمة أعلى من تلك السوقية. ان هذه الطريقة التقنية المالية ممنوعة اليوم بيد أنها خولت خبراء المصرف، آنذاك، نفخ أسعار الأسهم عدا عن الهيمنة على غالبية عروض البيع الأولية للأسهم، دوماً في تسعينات القرن الماضي. هذا وأكثر من 90 في المئة من الشركات الناشئة، التي أحياها هذا المصرف، أعلنت افلاسها على بعد شهور قليلة على ولادتها. ما خلف ورائه ثقباً يقدر ب3 تريليون دولار أميركي!

تميز مصرف غولدمان ساكس كذلك، خلال سنوات الفقاعة العقارية، بطرح آليات مالية جديدة كما سندات الدين المضمونة بالرهونات العقارية (Collateralized Debt Obligations - CDO) التي خولتها تقسيم المخاطر على آلاف المستثمرين، حول العالم. لحماية نفسه ضد المخاطر المحتملة على المستثمرين، اشترى المصرف صفقات quot;سوابquot; المذكورة في أعلى المقال، مراهناً بالتالي على فشلها. ما سبب دخول شركة (Aig) للتأمين في أزمة خلفت ورائها ديوناً مجموعها 85 بليون دولار تم امتصاصها من برنامج quot;ترابquot; لانقاذ المصارف، الذي أقرته حكومة أوباما عقب افلاس مصرف ليمان بروذرز. من هذه الديون(85 بليون دولار) حصل مصرف غولدمان ساكس على 13 بليون دولار.

بما أن مصرف غولدما ساكس قد يكون له رسل في الجنة فانه من الصعب أن يتعرض للأذى في حال قرر المحققون الفيدراليون(على رأسهم برنانكي شخصياً) أم الأوروبيون ملاحقته قضائياً! فالمصرف قادر على عقد صفقات حسب الطلب مع عملائه وبتفوق تحسده عليه المصارف الأخرى في زمن المضاربات المالية. يكفي النظر الى الأرباح التي حققها غولدمان ساكس منذ بداية الأزمة المالية. في عام 2009 وحده، بلغ مجموع أرباحه 45 بليون دولار أي أنها نمت أكثر من 103 في المئة مقارنة بالعام الأسبق.