انتعشت الحياة المصرفية في فلسطين بعد قيام السلطة عام 1994، حيث جرى افتتاح العديد من المصارف، وتوسع بنك فلسطين، ولعب دوراً مهماً في دعم الاقتصاد، من خلال منح قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بشروط ميسرة، وعادت البنوك الأردنية للعمل مرة أخرى.

مصطفى أبو هدروس من غزة: مرحلتان مهمتان مرّت بهما البنوك في فلسطين في السنوات الأخيرة، تتمثل الأولى، وهي قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، عبر قيام إسرائيل بإغلاق المصارف العربية التي كانت مراكزها الرئيسة في الأردن ومصر، وإن حافظت هذه المصارف على وجودها في المدن الرئيسة باستمرار استئجار أماكنها في الضفة والقطاع، واستمرار عمل موظفي هذه المصارف، أي إن البنوك كانت موجودة بشكل رمزي، وكان هناك العديد من المحاولات الرسمية لافتتاح المصارف المغلقة، وكذلك لإنشاء مصارف جديدة، كمحاولات إعادة افتتاح بنك فلسطين والمحاولات التي تمت بين المصارف الأردنية والسلطات الإسرائيلية لإعادة افتتاح فروع الضفة الغربية.

وقد سمحت السلطات الإسرائيلية لفروع المصارف الأجنبية، وهي البنك العثماني والبنك البريطاني للشرق الأوسط، بإعادة الافتتاح، لكنهم رفضوا ذلك، وعندما سمحت السلطات الإسرائيلية لبنك فلسطين بإعادة الافتتاح والعمل في قطاع غزة.. لم تسمح له بالتوسع، لا داخل القطاع ولا خارجه، وكذلك الحال عندما سمحت سلطات الاحتلال بإعادة افتتاح بنك القاهرة عمان، حيث سمح له بالعمل فقط في مدينة نابلس.

وقد عانت المصارف العربية من عدم وجود مصرف مركزي عربي يشرف عليها، وعدم وجود مؤسسات مالية أخرى معاونة للمصارف، إضافة إلى الاضطراب الأمني والمشاكل الاقتصادية والسياسية، التي عانتها الضفة والقطاع، كما إن حضور المصارف الإسرائيلية زاد من حدة الظواهر السلبية.

أما المرحلة الثانية فهي بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، حيث إنه في وظل هذه السلطة جرى افتتاح العديد من المصارف المحلية والعربية والأجنبية، فقد توسع بنك فلسطين في المناطق الفلسطينية كافة في الضفة والقطاع. وعادت البنوك الأردنية التي كانت لها أصلاً وجود للعمل مرة أخرى. كما إن هناك عدداًً من البنوك المحلية قد تم افتتاحها، وكذلك بعض شركات الاستثمار والعديد من شركات التأمين.

وتقوم هذه المصارف بفتح الحسابات بأنواعها وإصدار الشيكات بالدينار والدولار والشيكل وقبول الودائع ومنح القروض وإصدار خطابات الضمان. كما تأسست جمعية البنوك في فلسطين عام 1998، وهي مؤسسة غير ربحية تمثل القطاع المصرفي في الأراضي الفلسطينية. وتسعى الجمعية في مهمتها الأساسية إلى خلق بيئة مواتية للصناعة المصرفية السليمة، التي من شأنها تعزيز الروح المهنية في نطاق هذه الصناعة وإتاحة الفرصة لها للازدهار.

ويرى نبيل أبو دياب رئيس جمعية البنوك العاملة في فلسطين أن القطاع المصرفي يشكّل عصب الاقتصاد، وأن وجود صناعة مصرفية قوية ومستدامة هي بحد ذاتها المحرك الرئيس وحجر الزاوية للتنمية الاقتصادية، وأضاف أن جمعية البنوك في فلسطين ملتزمة بالقيام بدور نشط وفعال لتمكين القطاع المصرفي، وبالتالي تنمية الاقتصاد المحلي، على الرغم من كل الصعوبات.

وقامت البنوك باستخدام أحدث الوسائل الالكترونية، وفي هذا السياق، أوضح هاشم الشوا رئيس مجلس إدارة ومدير عام بنك فلسطين أنه في مجال الخدمات الالكترونية يمتلك بنك فلسطين أكبر شبكة جهاز صراف آلي داخل الوطن، حيث عمل البنك على نشر العديد منها خلال العام 2009، حتى وصل عددها إلى أكثر من 65 جهاز صراف منتشرة في أماكن وجود المواطنين.

وكمؤسسة وطنية، لعب بنك فلسطين دوراً مهماً في دعم الاقتصاد، من خلال منح قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعمل في كل القطاعات الاقتصادية بشروط ميسرة، وذلك لدعم أفراد المجتمع وتوفير الدعم المالي المناسب للشركات كافة، مهما كان حجمها، للمساهمة في نمو الاقتصاد وتطوره. وعلى صعيد التعاون مع الشركات الكبرى والمؤسسات الخاصة، قام بنك فلسطين بدعم القطاعين السياحي والاتصالات بتقديم قروض كبيرة مشتركة مع بنوك أخرى.

وتتولى سلطة النقد الفلسطينية الإشراف على المصارف والشركات المالية والاستثمارية ومكاتب التمثيل ومؤسسات الصرافة ومؤسسات الإقراض المتخصصة.

كما أقرّت اتفاقيات باريس الاقتصادية التعامل بثلاث عملات فقط، هي الدينار الأردني والدولار الأميركي، والشيقل الإسرائيلي، وهذا يعني التعامل مع مصرفين مركزيين مستقرين، هما المصرف المركزي الأردني وبنك إسرائيل، كما يعني تجزئة المجال الحيوي للاقتصاد الفلسطيني وزيادة الضغوط التضخمية على الاقتصاد الفلسطيني وعلى المواطن، حيث إن بعض المواطنين يتقاضون رواتبهم بالشيكل، ويدفعون أجور منازلهم بالدولار، ويدفعون أثمان السيارات والأراضي والمهور وأسعار المواشي بالدينار، مما زاد من الأعباء على المواطن، بسبب الاختلافات في أسعار الصرف، وأدى هذا إلى انتشار مكاتب الصرافة بشكل كبير في المدن الفلسطينية، وأجهزة الصرف الآلي التابعة للبنوك تقبل التعامل بالعملات الثلاث.

وكأحد أساليب الحصار المتبعة ضد الأراضي الفلسطينية، خاصة قطاع غزة، منعت إسرائيل إدخال الشيكل للبنوك الفلسطينية وأوقفت البنوك الإسرائيلية تعاملاتها مع البنوك في غزة، هذا وتقدر حاجة البنوك من عملة الشيكل المفترض توريدها لقطاع غزة شهرياً بنحو 500 مليون شيكل، إذ تحتاج البنوك خلال فترة دفع الرواتب نحو نصف المبلغ المذكور. ويشكّل القرار الإسرائيلي بوقف تزويد البنوك الفلسطينية بالشيكل صعوبة في تلبية البنوك لحاجات العملاء في موعد دفع رواتب الموظفين والمعاملات التجارية الأخرى.

ويتم نقل الأموال إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون، وتجري عملية ترحيل وتبادل الأموال بين بنوك قطاع غزة وإدارتها والبنوك الإسرائيلية المتعاملة معها بمعدل كل يومين أو ثلاثة أيام، في حين أن المعاملات أصبحت تنفذ اليوم في أوقات متباعدة تصل إلى أكثر من شهر ما بين المعاملة والأخرى، وبقيم مالية بسيطة مقارنة مع ما كان معمولاً به. حيث يعتبر قرار منع إدخال الشيكل قراراً سياسياً، هدفه التضييق على المواطنين، وقتل فرص النمو والتطور للاقتصاد الفلسطيني في غزة، واستكمالاً لسلسلة الإجراءات المتخذة من قبل إسرائيل لإحكام الحصار على القطاع.