تحت لافتة عوامل كثيرة فقد دخل سوق الأراضي في مختلف المدن الأردنية حالة فريدة من الكساد التي أنتجت تدنياً حاداً في أسعار الأراضي، بعدما شهدت هذه السوق فورة، يقال إنها إستثنائية بين عامي 2003-2008، ويتوقع خبراء عودة هذا النشاط، لأسباب متعددة.

عامر الحنتولي من الكويت: لا يزال تجار وخبراء سوق بيع الأراضي في الأردن يتمسكون بمقولة تعززها التوقعات والتقديرات والإنطباعات، ومفادها أن العقار قد يمرض بشدة، وتتراجع أسعاره، بل وقد يظن البعض أنه يتجه نحو الوفاة بسبب توقف سوقه نهائياً في بعض الأحوال، إلا أنه لا يموت أبداً.

إذ سرعان ما يستعيد عافيته، عبر صحوات إستثنائية سجلت أردنياً خلال العقود الماضية، قبل أن يدخل لاحقاً أي صحوة بفترة طويلة من السبات، الذي يجعل القيمة المالية للأراضي المعروضة للبيع يتراجع بشدة، دون وجود طلب حقيقي، أو إقبال مقنع، وهو الأمر الذي يصيب سوق الأراضي في الأردن بترنح شديد، كما هو حاصل هذه الأيام، التي يكثر فيها تذمر العاملين في هذا السوق.

في منتصف عام 2008، وعلى وقع أزمة المال العالمية، التي لم ينج من تداعياتها أحد، فقد تعرض سوق الأراضي في الأردن إلى صدمة من العيار الثقيل، بعدما كان نشطاً إلى أبعد مدى، معتمداً في ذلك على الأموال المتدفقة من دول الخليج العربية، إن على صعيد مغتربيه فيها، الذين كانوا يفكرون في المستقبل عبر إقتناء أراضي لإستثمارها مستقبلاً، أو عبر الشركات الخليجية المليئة التي كانت تشتري الأراضي الأردنية لإقامة مشاريع كبرى وضخمة عليها، مستفيدة من الإستقرارين السياسي والأمني في الأردن، وهي ظاهرة بدت لافتة منذ عام 2000، إلا أنها سرعان ما توطدت مع سقوط نظام حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حين دخل العراقيون بمئات الآلاف على خط العقارات الأردني، محدثين صدمة عميقة له، قادت إلى الإقبال بشراهة على التملك، إن على صعيد الشقق أو الأراضي، الأمر الذي دفع بأسعارها إلى الإنطلاق.

ولاحقاً بعد هذه الفورة التي يرى الخبير العقاري ماجد العرموطي أنها كانت إستثنائية بكل المقاييس، فقد دخلت أسعار الأراضي في الأردن بدءاً من مطلع العام 2009، ركوداً عميقاً، تأثراً بأزمة المال العالمية، والخسارة القاصمة لبعض الكيانات الإقتصادية الخليجية، التي جمدت إستثماراتها أردنياً، فيما توقفت حركة شراء المغتربين الأردنيين لهذه الأراضي، كتأثر مباشر بأزمة المال العالمية، مع إستغناء آلاف الشركات والمؤسسات الخليجية عن مئات الآلاف من الوظائف، وكان للمغتربين الأردنيين نصيب لا يستهان به من هذه الإستغناءات، وعودتهم إلى بلادهم لاحقاً.

يقول العرموطي إن لهذه العودة التي حدثت مع الأشهر الأولى من عام 2009، أثر إضافي على ركود سوق الأراضي الأردنية، فخلافاً للثبات الذي كان حاصلاً في الأسعار، فقد أدى إقبال من عادوا على بيع ما كانوا قد إشتروه من قطع أراض، إلى تأثيرات مباشرة، وقاصمة أحياناً لسوق العقار، فهم صمموا على بيع ما يملكوا من القطع بأي سعر ممكن، حتى ولو كان أدنى بكثير من قيمته الحقيقية، وهو الأمر الذي ضاعف معاناة العاملين في مهنة بيع الأراضي، لأنه أصبح لزاماً عليهم أن يحتكموا للأسعار الجديدة، ومع إستمرار الكساد، حدثت تخفيضات إضافية لتنشيط السوق، والعودة بالأسعار الى قيمتها الحقيقية، لكن دون جدوى.

عن السبب في ذلك يشير عبدالله الخزاعلة أحد ملاك المكاتب العقارية في عمّان، إلى أن العائدين من الخليج، لم يفكروا بالطريقة التقليدية السابقة، وهي إقامة بناء على قطعة أرض يملكونها، أو تملك قطعة أرض لهذا الغرض، بل ذهبوا إلى شراء الشقق الجاهزة، وبيع قطع الأراضي التي يملكونها، أو رهنها للبنوك مقابل الشقق، وهذا الأمر فاقم ركود سوق الأراضي، الأمر الذي دفع ملاكها إلى تبني قواعد جديدة من أجل تنشيط السوق العقاري، وإعادة النشاط إلى هذه السوق، عبر الترويج المكثف، والدخول في شراكات مع بنوك وشركات تمويل، يتم بموجبها بيع تلك الأراضي للراغبين، مقابل تقسيط أثمان تلك الأراضي، بفائدة معقولة، إلا أن تلك الأمور لم تحقق ولو الحد الأدنى من النشاط المأمول، ما دفع ملاك أراض من التجار إلى إبتكار نوع جديد من الترويج، وهو إقناع البنوك بتقسيط ثمن الأرض، مضافاً إليها تكاليف البناء، وعلى آماد طويلة، مقابل فائدة معقولة، وذلك في مسعى إلى وقف الإقبال على تملك الشقق الجاهزة.

المستثمر العراقي حازم الدليمي يكشف لـquot;إيلافquot; عن سبب آخر للركود، فيؤكد أنه كمستثمر مهتم بسوق العقارات الأردني، وبسبب إقامته شبه الدائمة في الأردن، يرغب في تملك الأراضي والشقق، إلا أن القوانين الأردنية وبعض الإجراءات البيروقراطية تصدانه بإستمرار، كما سائر الآلاف من العراقيين في الأردن، مؤكداً أن قرار أياً منهم بالتملك في الأردن، هو أمر يجابه بالسؤال الأمني أولاً، قبل الدخول في حلقات صعبة وطويلة من الإجراءات في المؤسسات الحكومية، وهي الإجراءات التي يخضع المستثمر العربي في جوانب منها إلى حلقات من الضغط والمساومة، إلا أن تقديرات حكومية تقلل بإستمرار من صدقية هذه الملاحظات، وأنه على المتعرض لها أن يتقدم بشكاوى موثقة في هذا الإطار.

من جانبه، يوضح تاجر الأراضي أيمن العمري أنه يعاني بشدة من الإنخفاض المستمر في أسعار الأراضي، مضافاً إليه الكساد بطبيعة الحال، لكنه لن يبادر إلى تخفيض أسعار ما يملك من قطع أراض في مختلف مدن المملكة الأردنية، لأنه تعلم من جده ووالده اللذين سبقاه في هذا السوف أن أسعار الأراضي في الأردن منذ نشأته تمر بدورات وتخبطات ما بين الإرتفاع والإنخفاض، وأن الأصل في من يتاجر بالعقارات أن يحتفظ بالحد الأدنى من القراءة الواقعية للسوق الأردني، والتصرف على هذا الأساس، مقدماً النبوءة في هذا الإطار، من أن أي حرب جديدة في المنطقة، من شأنها أن تفتح كل العيون مجدداً على سوق الأراضي الأردني، والتطلع للإستثمار.

أما خالد النوايسة فيورد سبباً آخر للركود في هذا السوق، فيؤكد مثلاً أن النقص الحاد في السيولة لدى الأفراد والمؤسسات هو السبب الأبرز في دخول هذا السوق الى غرفة الإنعاش، لأن البنوك الأردنية أوقفت الإقراض منذ نحو عامين، بسبب تداعيات أزمة المال العالمية، والناس لا تحرك أرصدتها في البنوك خوفاً من المجهول الآتي، وبسبب الحديث الدائم عن حروب في المنطقة يتأثر الأردن بجزء كبير من تداعياتها، شارحاً بأن تخلي البنوك عن بعض تشددها في مسألة الإقراض والتسهيلات البنكية من شأنه أن يعيد ولو الحد الأدنى من النشاط إلى سوق بيع الأراضي، متمنياً الإقبال على الشراء في الوقت الراهن، والإستفادة من الإنخفاض في الأسعار بوصفه الوقت المثالي للشراء، على اعتبار أن التقديرات تشير إلى أن الأسعار الحالية لا تعكس قاعدة العرض والطلب، وتنتظر أي فرصة للجنون ثانية.