بحلول شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يبدأ سريان قانون إغلاق المحال التجارية في مصر في العاشرة مساء، بهدف التخفيف من إستهلاك الطاقة، لاسيما في ظل إنقطاع الكهرباء بشكل بات يقلق المصريين والحكومة نفسها، خلال العامين الماضيين.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: رغم أن القانون ليس جديداً، فقد جرّبته حكومة الدكتور أحمد نظيف في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، في العام 2010 ولم يصمد طويلاً، ورغم أن حكومة الدكتور كمال الجنزوري حاولت تطبيقه في بداية العام 2012، ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تقف في صفوف المعارضة، تصدّت لهذا القانون، إلا أنها الآن، وبصفتها الممسكة بزمام السلطة، تسعى إلى تطبيقه، بل وتصرّ على ذلك، ضاربة بإعتراضات التجار والمستهلكين عرض الحائط.

وفي الوقت الذي تقول فيه السلطة quot;الإخوانيةquot; إن تطبيق القانون سوف يؤدي إلى مكاسب تقدرها بنحو 5 مليارات جنيه مصري، إضافة إلى تقليل إستهلاك الطاقة بنحو 17%، يؤكد التجار أن هذا سوف يزيد من معدلات البطالة، ويؤدي إلى خسائر يقدرونها بأكثر من سبعة مليارات جنيه، ويؤدي إلى نمو التجارة غير المشروعة، أو ما يقال عنها بـquot;تجارة الرصيفquot;.

خسائر وبطالة
أصحاب المحال التجارية، يحملون لواء معارضة تطبيق القانون، ويرون أنه سوف يزيد من خسائرهم المتصاعدة منذ إندلاع الثورة في 25 يناير 2011.

وقال محمد الفيومي صاحب محل ملابس جاهزة في وسط القاهرة، لـquot;إيلافquot; إن إغلاق المحال التجارية سوف يؤدي إلى خسائر كبيرة، لاسيما أن حركة البيع تنشط عادة بعد السادسة مساء في الصيف، أو الرابعة عصراً شتاء. مشيراً إلى غالبية المحال تعمل على مدار 24 ساعة، وبعضها يعمل حتى الثانية صباحاً.

وأضاف أن التطبيق سيؤدي إلى آثار سلبية عدة، منها: تسريح العمالة، لاسيما أن العمل يكون بنظام الورديات، وفي حالة تخفيض ساعات البيع سيتم تخفيض العمالة، إضافة إلى تعرّض المحال لخسائر فادحة، لاسيما أن المصريين عادة ما يكونون في أعمالهم ووظائفهم نهاراً، وبعضهم يخرج من عمله الأول إلى عمله الثاني، الذي يبدأ في الثانية ظهراً وينتهي في العاشرة مساء، ثم يتسوق بعد العاشرة.

ضد مصالح الناس
في منطقة سوق العبور، وهي أكبر سوق لتجارة الفاكهة والخضر، كانت الإعتراضات أشد. وقال عزت البحيري، وهو تاجر خضر، لـquot;إيلافquot; إن التجار لن يسمحوا بتطبيق هذا القرار.

وأضاف أن هناك إستحالة في تطبيقه، موضحاً أن تجارة الفاكهة والخضر والمواد الغذائية عموماً، تبدأ بعد الثانية عشرة صباحًا، لاسيما في ظل وجود قانون آخر يحظر على سيارات النقل السير في شوارع المدن إلا بعد الثانية عشرة صباحاً.

ولفت إلى أن الفاكهة والخضر تجمع من المزارع نهاراً، وتنقل منها إلى المدن بعد المغرب، لتصل إلى مخازن تجار الجملة خارج المدن في حدود العاشرة مساء، ثم تبدأ عملية التوزيع على التجار والسوبر ماركت بعد الواحدة صباحاً، وحتى طلوع الشمس، حتى لا تصاب بالتلف نتيجة التعرّض لأشعة الشمس.

ونبه البحيري إلى أن حكومات عديدة حاولت فرض هذا القانون، ولكنها فشلت، لأنه ضد مصالح الناس، ولفت إلى أنه إذا كان الهدف منه تقليل إستهلاك الطاقة، فيجب على الحكومة تقليل إستهلاك الطاقة أولاً عبر إطفاء أنوار الشوارع التي تظل مضاءة طوال النهار، وتقليل أعداد اجهزة التكييف في المصالح الرسمية.

وأشار إلى أن تجار سوق العبور، قرروا عدم الإمتثال لهذا القانون، والإستمرار في العمل، والتصعيد بكل الأشكال، بما فيها التظاهر والإعتصام، والإضراب عن العمل، وأخيراً اللجوء إلى القضاء.

تنظيم حياة المصريين
لكن هل المصريون يرغبون في إغلاق المحال التجارية في العاشرة مساء، وبالنوم مبكراً؟. يرد المهندس محمد سمير، يعمل في شركة لتجارة الأجهزة الكهربائية، بالقول إن القرار جيد، والكثير من دول العالم المتقدم في أوروبا أو أميركا أو آسيا تطبقه بفاعلية.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن التطبيق سوف يؤدي إلى تنظيم حياة المصريين، لاسيما في المدن الكبرى، مثل القاهرة والإسكندرية، وهي مدن تعشق السهر حتى الصباح في المقاهي وفي المطاعم أو التجول في الشوارع وعلى الكورنيش.

ولفت إلى أن حركة الشراء تنشط منذ الصباح بعكس ما يروّجه التجار عن الخسائر والذي ينطوي على الكثير من المبالغة، لأن كل إنسان يتسوّق حسب ظروف عمله، وتابع قائلاً إن من يتجول في شوارع منطقة وسط القاهرة، التي تعتبر أكبر منطقة تجارية في مصر كلها، يجد أن حركة البيع والشراء لا تتوقف نهارًا، وأنها تخف في ما بعد العاشرة مساء بالفعل.

وأضاف أن القول إن ساعات العمل سوف تقلّ غير مبرر، لأن المحال سوف تفتح في الصباح، وليس في الثانية عشرة ظهراً كما تفعل حالياً، معبّراً أن أمله في أن يتم تطبيق القانون بكل حزم، حتى يكفّ المصريون عن عاداتهم في السهر حتى الصباح.

تصدٍّ للإغلاق
يرفض فكرة الإغلاق المبكر رئيس إتحاد الغرف التجارية، أحمد الوكيل، ولديه مبررات قانونية وإقتصادية للرفض، وقال لـquot;إيلافquot; إن هذا القانون يخالف قانون الإتحاد، مشيراً إلى أن قانون الإتحاد يلزم الحكومة بعرض أية مشروعات قوانين عليه قبل إقرارها.

ونبه إلى أن الحكومة لم تعرض مشروع قانون إغلاق المحال التجارية على مجلس إدارة الإتحاد. وأشار إلى مضار الإغلاق المبكر أكثر من منافعه.

وأوضح أن القانون سوف يخفض ساعات العمل، ما يؤدي إلى تخفيض العمالة أيضاً، وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى تعرّض السوق لخسائر فادحة. إلى جانب خسائر السوق السياحية، ومحالات البازارات والتحف والإنتيكات.

ودعا إلى تطبيق تدريجي للقرار، من خلال إغلاق المحال في الثانية عشرة مساء، وفي حالة نجاح التجربة، تخفض الساعات إلى العاشرة مساء. معتبراً أن الحكومة تبالغ في تقدير المكاسب. وحذر من أن التجار سوف يتصدون لمحاولات الإضرار بـquot;لقمة عيشهمquot;، بالطرق المشروعة، ومنها اللجوء إلى القضاء الإداري.

مواجهة إقتصاد الرصيف
في المقابل، يرى الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الإقتصادي ورئيس أكاديمية السادات السابق، أن حظر تشغيل المحال التجارية بعد العاشرة مساء، له فوائد إقتصادية كثيرة.

وأوضح لـquot;إيلافquot; أنه سوف يؤدي إلى توفير ما قيمته نحو خمسة مليارات جنيه من إستهلاك الطاقة، مشيراً إلى أن هذا القانون معمول به في غالبية دول العالم المتقدم، ولا توجد أية مشاكل في تطبيقه.

ولفت إلى ضرورة مواجهة أي إلتفاف في التطبيق من قبل التجار. ودعا في الوقت نفسه إلى مواجهة ظاهرة الباعة المتجولين بحزم، ومكافحة إقتصاد الرصيف، في حالة تطبيق القانون. فلا يمكن إلزام المحال التجارية التي تدفع ضرائب للدولة وتسدد فواتير استهلاك الكهرباء والمياه بالغلق في العاشرة مساء، ويفسح المجال للباعة الجائلين للعمل بعد هذا التوقيت، ويلتهمون السوق، في حين أنهم لا يسددون ضرائب، وليست لديهم أية إلتزمات حيال الدولة.

فوائد إقتصادية وإجتماعية
وتصرّ جماعة الإخوان المسلمين على أن القانون، له تبعات إقتصادية وإجتماعية لمصلحة مصر. وقال الدكتور عبد الله شحاتة، رئيس اللجنة الإقتصادية في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة، إن القرار يوفر لميزانية الدولة ما يتراوح بين 3 و5 مليارات جنيه، قيمة إستهلاك الكهرباء، إضافة إلى توفير ما يقدر بمليار جنيه قيمة إستهلاك زائد في الوقود.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن القرار سوف يسمح لشركات النظافة بالعمل في رفع القمامة بعد العاشرة مساء، وحتى الصباح، وهي فترة كافية لرفع القمامة، ونقلها إلى مصانع التدوير.

وأشار إلى أن هناك فوائد أخرى، منها الحدّ من أزمة المرور، والسماح لسيارات النقل بالتحرك ونقل مواد البناء والبضائع بعد العاشرة، وليس بعد الثانية عشرة صباحاً. ولفت إلى أن هناك فوائد إجتماعية أيضاً تتمثل في القضاء على ظاهرة السهر حتى الصباح على المقاهي وأمام المحال التجارية، التي صارت ملازمة للمصريين. وبالتالي العمل على الإستيقاظ للعمل مبكراً، خاصة أن التبكير في العمل فيه البركة.