أظهر تقرير لـquot;بنك الكويت الوطنيquot; أن مخزونات النفط العالمية قد تراجعت بشكل ملحوظ خلال الأعوام الـ13 المنصرمة، نظراً لإرتفاع الطلب بوتيرة أسرع من المعروض.

الكويت: أشار بنك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية الأخيرة إلى أن مخزونات النفط تعتبر مؤشراً أساسياً على ظروف سوق النفط العالمية، إذ أنها تعكس التوازن القائم بين العرض والطلب. وكانت مستويات المخزون قد انخفضت بشكل ملحوظ على مر الأعوام الـ 13 المنصرمة، مما يشير إلى أن ظروف السوق قد أصبحت اكثر تشددا (أي ارتفاع الطلب بوتيرة أسرع من المعروض). بيد أن مستويات المخزون المنخفضة ليست السبب الوحيد وراء ازدياد أسعار النفط في السنوات الأخيرة، ولكنها لعبت دوراً ما على الأقل.
ويجري الاحتفاظ بمخزونات النفط (التي تشمل النفط الخام والمنتجات النفطية مثل البنزين والديزل ووقود التدفئة والنفتا) إلى مجموعة متنوعة من الأسباب، كالشركات الصناعية التي تتحفّظ على مخزوناتها لتلبية احتياجاتها المستقبلية ومتطلبات عملائها. وهناك أيضاً الشركات المتاجرة بالنفط والتي تتغير ممتلكاتها النفطية بحسب أسعار النفط المتوقعة. وتحتفظ الحكومات والمؤسسات الرسمية بمخزونات النفط لحماية نفسها من حالات انقطاع امدادات النفط المحتملة. وأخيراً، هناك بعض النفط الذي يتمّ تخزينه في النقليات سواء على الطرق أو في السفن أو ضمن الأنابيب.
ورغم عدم توفّر أرقام دقيقة عن المخزونات، إلا أنه يُقدّر أن الحكومات تحتفظ بما يُقارب من ثلث المخزون العالمي البالغ 4.2 مليار برميل المعلن عنه رسمياً ضمن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أما الكمية المتبقية فتحتفظ بها الشركات في قطاع الصناعة.
ولكن من المرجح أن يكون هذا الرقم الرسمي أقل بكثير من المخزون الإجمالي في العالم. ويكمن المؤشر الأمثل للمخزون العالمي في الفرق ما بين إجمالي إنتاج النفط والطلب عليه من المستخدمين النهائيين خلال فترة محددة من الزمن. ورغم أن هذا المؤشر لا يطلعنا بشكل مطلق عن مستويات المخزون، إلا أنه يظهر لنا ما إذا كانت ترتفع أو تنخفض، أي بمعنى أخر ما إذا كانت أساسيات سوق النفط تتراخى أم تصبح اكثر تشددا.
وباستخدام هذه المنهجية، يمكن النظر إلى التغيّر التراكمي في مخزونات النفط العالمية منذ العام 1999 (وهي الفترة التي تتوفر عنها بيانات من الوكالة الدولية للطاقة). ورغم وجود فترات من الصعود والهبوط في مستويات المخزون، إلا أنها انخفضت بشكل ملحوظ على مر الوقت، ما يعني أن الطلب كان بشكل عام أكبر من العرض.
وبحلول الربع الرابع من 2011، قُدرت مستويات المخزون بأقل بـ 18 مليون برميل في اليوم مما كانت عليه في الربع الرابع من 1998، ما يشكل تراجعاً بمعدل 0.4 مليون برميل في الربع الواحد في المتوسط، وهذا يتجاوز معدل التغيّر في الطلب خلال هذه الفترة. ونتيجة لذلك، كان التغير في المخزون أكبر نسبياً من الطلب العالمي. قد تراجع حجم المخزونات خلال الأعوام الـ13 المنصرمة بنحو 20% كحصة من الطلب العالمي.
ما الذي تسبب في انخفاض المخزونات؟
وفي النظر إلى التغييرات في المخزونات من خلال دراسة العرض والطلب العالمي على النفط منذ العام 1999، يمكن ملاحظة الفترات التي شهدت فيها مخزونات النفط استقرارا أو انخفاضات كبيرة.
وهناك 4 فترات من هذا النوع على مر السنوات الـ 12 الماضية، وكل منها تواصلت لـ 5 أرباع على الأقل:
1.من الربع الأول من 1999 إلى الربع الأول من 2000: انتعاش الاقتصاد العالمي من الأزمة الآسيوية، مصحوباً بمستويات مرتفعة لمخزونات النفط وتحسّن الطلب.
2.من الربع الرابع من 2001 إلى الربع الأول من 2003: بداية النمو القوي لاقتصادات الأسواق الناشئة، تزامن مع قيام منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) بخفض الإنتاج.
3.من الربع الرابع من 2006 إلى الربع الأول من 2008: الاقتصاد العالمي يعزز نشاطه قبيل الأزمة المالية، ومعاناة المخزون لمواكبة هذا الطلب.
4.من الربع الثالث من 2009 إلى الربع الرابع من 2011: انتعاش الطلب بعد الأزمة المالية، ومعاودة تحقيق الأسواق الناشئة لمعدلات نمو قوية.
وبالنظر إلى معدل نمو العرض والطلب خلال الفترات الأربع المذكورة أعلاه، يلاحظ أنه خلال فترتين منها، شهد كل من العرض والطلب نمواً فاق المتوسط على المدى الطويل، مما يشير إلى أن زيادة الطلب، وليس ضعف العرض، كان السبب وراء تشدد ظروف سوق النفط. وفي فترة ثالثة، كان الطلب قوياً، ولكن العرض لم يف بالحاجة. وفي الفترة الاخيرة، كان كل من العرض والطلب ضعيفاً، ولكن ضعف نمو العرض كان هو الأبرز.
إذاً، فإن البيانات مختلفة، ولكن بشكل عام، فإن الأرجح هو أن زيادة الطلب، وليس ضعف العرض، هي السبب في حصول انخفاضات في مخزونات النفط في الماضي. وإن كان الوضع كذلك، فإن التدابير الكفيلة للتحكم بنمو الطلب ستكون أكثر فاعلية في تخفيف السحب من المخزون في المستقبل، بدل اتخاذ خطوات لرفع العرض.
العلاقة مع أسعار النفط
يمكن لانخفاض مستويات المخزون أن يرفع سعر النفط بطريقتين أساسيتين. الأولى، عندما ينتج عن مستويات المخزون المنخفضة بشكل مقلق طلب زائد، حيث يسعى المستخدمون إلى إعادة تزويد المخزونات التي تمّ استنفاذها. والثانية، ممكن أن تشير المخزونات المنخفضة إلى حالات نقص في المستقبل، مما يشجع على وضع قيمة أكبر للنفط اليوم. ورغم أن النقطة الأخيرة هذه تنطبق على كافة أنواع البضائع والسلع، إلا أن المقدار الكبير من الأموال المستثمرة في أسواق النفط الآجلة تجعل من التوقعات قوة مؤثرة في تحديد الأسعار.
ويلاحظ إن هناك علاقة ضعيفة تربط بين أسعار النفط والتغيّرات في المخزونات. وفي معظم الحالات، ترتبط الانخفاضات في المخزونات بارتفاع الأسعار، والعكس صحيح. ولكن الاستثناء الأساسي كان في الفترة بين عامي 2003 و2006، حين ارتفعت الأسعار والمخزونات في الوقت ذاته، ومن المرجح أن يكون ارتفاع الأسعار في تلك الفترة مدفوعاً بعوامل مختلفة عن العوامل الاعتيادية في سوق النفط.
وهذا أمر منطقي تماماً، فرغم أن التغيرات في المخزون تعتبر مؤشراً مفيداً يُستدل به عن أوضاع السوق الحالية، إلا أنه لا توجد علاقة ثابتة بين المخزونات والأسعار. فأولاً، يمكن أن يعكس بعض من التراجع طويل المدى في المخزونات تحسناً في إدارة سلسلة العرض أو قصراً في أوقات النقل، وليس ضيق الأسواق. وليس من المرجح أن تكون لهذه التخفيضات الطوعية في مستويات المخزون أثر كبير وملحوظ على أسعار النفط، بل ومن المفروض لمثل هذه الزيادات في الكفاءة ان تتسبب في هبوط الأسعار.
والأهم من ذلك أن هناك عوامل أخرى ساهمت على مر السنين في التأثير على أسعار النفط بشكل عام بنفس الاتجاهات. وتشمل العوامل الهامة الأخرى التي تؤثر على أسعار النفط ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث أصبح استخراج النفط أكثر تكلفة والعمالة المحترفة والمؤهلة للقيام بذلك أصبحت أكثر ندرة.
إضافة إلى ذلك، زيادة المضاربة في الأسواق المالية وشعبية السلع ضمن فئة الأصول، وأيضاً المخاوف المرتبطة بالأخطار الجيوسياسية واحتمال حصول تغييرات مستقبلية في امدادات النفط. وقد تكون بعض هذه العوامل متأثرة بتراجع المخزونات، ولكن من الصعب عزل أثر كل عامل من هذه العوامل على الأسعار لوحده.
وأخيراً، يجب ألا يُنظر إلى العلاقة بين المخزونات والأسعار من منظور واحد، فتغيّر الأسعار قد يكون هو السبب وراء التغيّرات في المخزونات، وليس العكس. وينطبق ذلك على وجه الخصوص على الشركات المتاجرة بالنفط التي تملك الحافز الذي يدفعها لتخزين النفط إن كان من المتوقع للأسعار أن ترتفع مستقبلاً، وبيع النفط في حال كان من المتوقع للأسعار أن تنخفض.
ويُظهر الرسم البياني التالي أن هناك علاقة وثيقة تربط بين التغييرات في مخزونات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (تختلف عن ببيانات إجمالي مخزون العالم المستخدمة أعلاه)، والخصم بين أسعار النفط المتوقعة في المستقبل وأسعاره في الوقت الحاضر. وتدفع الأسعار المرتفعة إلى تراكم المخزون بهدف بيعه في المستقبل بسعر أعلى.
لكن برغم وجود العلاقة الوثيقة في الظاهر، إلا أنها تحمل تناقضاتها الخاصة. فعلى المدى الطويل، من الممكن أن تكلّف الأسعار المرتفعة الشركات مزيداً من النفقات جراء الاحتفاظ بالمخزون، مما يضع عليها ضغطاً كبيراً لبيعه والتخلص منه.
بيانات حديثة والتوقعات المستقبلية
تشير البيانات عن 2012 إلى أنه كان منقمسا في ما يخصّ مخزونات النفط. فبعد التراجع الذي شهدته مستويات المخزونات في العام 2011، ارتفعت بشكل حاد في الربعين الأول والثاني من 2012، بمقدار إجمالي بلغ 3.4 مليون برميل في اليوم، وكان لذلك أثر عميق على أسعار النفط. فبعد أن وصلت الأسعار إلى ذروتها في شهر مارس، حين بلغت 128 دولاراً للبرميل الواحد، انخفضت أسعار خام مزيج برنت بنسبة 31% إلى 88 دولاراً للبرميل في منتصف شهر يونيو.
وتمثّل السبب وراء هذه الخطوة في الزيادة الكبيرة لامدادات النفط حيث عاودت ليبيا إنتاجها، وحافظت كبرى الدول المصدرة في منطقة الخليج على مستويات إنتاجها العالية. وفي الوقت ذاته، تأثر الطلب على النفط بالتدهور الاقتصادي في منطقة اليورو، فضلاً عن مؤثرات موسمية أخرى تقلل عادة من الطلب في الربع الثاني.
أما النصف الثاني من العام فيبدو أكثر تشدداً، وما يزال من المتوقع أن ترتفع المخزونات، ولكن بوتيرة أبطأ بكثير. وهذا يعكس الانتعاش التقليدي للطلب على النفط في الربع الثالث، واستقرار نمو العرض من النفط بعد الزيادات الكبيرة خلال العام الماضي. وقد انعكس هذا التغيير في ظروف السوق على أسعار النفط، حيث انتعشت الأسعار ليصل معدلها إلى 110 دولارات للبرميل في الربع الثالث.
وفي الوقت الحاضر، يتوقع أن تلين أساسيات سوق النفط في العام 2013، مع الانخفاض الموسمي في الطلب خلال الربع الثاني من 2013 يقابله زيادة متواضعة في امدادات النفط. ولكن لا يمكن الجزم بأن ذلك سيؤدي إلى تراجع كبير في الأسعار.
فكما ذُكر مسبقاً، لا يمكن دوماً التنبؤ بالعلاقة التي تربط بين مستويات المخزونات وأسعار النفط. وعلاوة على ذلك، يستند التوقع بحصول فائض في العرض على إبقاء منظمة أوبك على المستويات الحالية للإنتاج. وفي حال بدا أن السوق سوف يتراجع، فإن المنظمة ستعمل على خفض الإنتاج بهدف دعم الأسعار.