إرجاء طلب قرض صندوق النقد لم يشفع لمرسي عند قسم من مواطنيه الذين اتهموه بالإقدام على الخطوة الموقتة مقابل التصويت بنعم على الاستفتاء، وستكون مهمة مستحيلة وشاقة على الرئيس المصري تنفيذ إصلاحات اقتصادية في ظل غياب شعبي لها.


عبد الإله مجيد: في وقت يبدو أن النتائج الأولية للاستفتاء على الدستور المصري تميل إلى مصلحة الإخوان المسلمين، سيواجه الرئيس محمد مرسي الآن أكبر التحديات التقسيمية التي اصطدم بها حتى الآن عندما يحاول تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الصعبة في غمرة قلاقل متسعة.

وكان الرئيس مرسي قد أرجأ قبل أيام من الاستفتاء على الدستور الجديد طلب قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وقرر تأجيل الشروع في إصلاحات ضريبية أُعدّت بموجب برنامج اقتصادي متفق عليه مع الصندوق، مستنزلاً على نفسه اتهامات اقتصاديين وقوى معارضة بشراء أصوات المشاركين في الاستفتاء.

وإذ تجد الحكومة نفسها بين إدراك الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية قاسية، وفي الوقت نفسه الخوف من ردود الأفعال الشعبية عليها، فإنها قررت المماطلة والتسويف بشأن إجراءات مهمة تمنح مصر أفضل فرصة لإنعاش الاقتصاد.

وأرجأ الرئيس إعادة النظر في دعم أسعار الطاقة، الذي يشكل أكبر عبء على ميزانية الدولة، وتراجع عن خطط أخرى لخفض الإنفاق، بينها تحديد أوقات عمل المتاجر والمطاعم، بهدف الاقتصاد في استهلاك الطاقة وتخفيف الأزمة الحادة في إمدادات الغاز.

مستقبل quot;الجماعةquot; في مهبّ الاقتصاد
يرى مراقبون أن مستقبل الإخوان المسلمين السياسي مرهون الآن بقدرتهم على إنعاش الاقتصاد المصري، ولكن اقتصاديين وسياسيين يقولون إن الأزمة السياسية جعلت ذلك شبه مستحيل الآن.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن سمير رضوان، الذي عيّنه الرئيس السابق حسني مبارك وزيرًا للمالية في كانون الثاني/يناير 2011 عندما كان نظامه يواجه احتجاجات لا سابق لها، قوله، quot;إن لدى الحكومة قناعة تامة بضرورة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولكنها تحجم في الوقت نفسه عن اتخاذ أية خطوات متفق عليها بسبب التصويت على الدستور، وبسبب الانتخابات البرلمانية الجديدةquot;.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين أعلنت عن فوزها بفارق ضئيل في المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور، حيث تبين استطلاعات غير رسمية أن 56.5 في المئة صوّتوا لمصلحة المسودة المطروحة للاستفتاء.

تأجيل الإصلاحات لكسب الأصوات
ويقول خصومهم إن مرسي أرجأ كل الإصلاحات المكروهة شعبيًا لكسب أصوات المشاركين في الاستفتاء. لكن من المرجّح أن يسهم الفارق الهامشي لفوز الإخوان المسلمين في تأجيج الوضع السياسي وتعميق الانقسام بين الغالبية السياسية الإسلامية والمعارضة العلمانية والليبرالية أساساً.

وقال رضوان إن الإخوان المسلمين quot;لم يتمكنوا من تدوير المربع، وإن التأجيلات المفاجئة أدت إلى حدوث بلبلةquot;. وكانت مصر توصلت إلى اتفاق أوّلي مع صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي، يشمل إعداد خطة اقتصادية لإعادة هيكلة دعم أسعار الطاقة وإصلاح النظام الضريبي.

لكن في خطوة غير معهودة وفي الاتجاه المعاكس، وخاصة بعد الإعلان عن الاتفاق، قال مرسي إن القرض سيؤجَّل متسببًا في ردود أفعال غاضبة، ومؤكدًا الانتقادات القائلة إن الحكومة تتخذ غالبية القرارات وراء أبواب مغلقة رغم وعودها بزيادة الشفافية.

ضرائب على السلع الأساسية
ويقول محللون إن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لسدّ العجز في الموازنة سيكون صعبًا إزاء غياب التأييد الشعبي لها. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن رَيتشل زيمبا مديرة شركة روبيني غلوبال إيكونوميكس للتحليلات المالية والاقتصادية في لندن quot;أن الفرصة المفقودة لتوحيد البلاد حول رؤية اقتصادية واضحة أضعفت الاقتصادquot;.

والحق أن زيادة الضرائب التي روّجتها الحكومة في البداية، بوصفها زيادة تصاعدية، طالت الطبقات المتوسطة ودون المتوسطة. وتشمل الإصلاحات فرض ضرائب على سلع ضرورية، مثل الماء والزيت والكهرباء، فضلاً عن سلع أخرى، مثل السجائر والمشروبات الغازية والكحول.

في هذه الأثناء، أُعلن عن العمل ابتداء من هذا الشهر بنظام الكوبونات لشراء الغاز المدعوم وزيادة أسعار المحروقات، ولكن لم تكن هناك بوادر تشير إلى إصلاح برنامج دعم أسعار الطاقة.

تاريخيًا كان القادة المصريون يبدون ممانعة ضد أية إجراءات جذرية لإصلاح هيكل الأسعار مثلاً. وكان مبارك يرفض إجراء أية تغييرات في دعم الدولة لبعض الأسعار بعد انتفاضة الخبز عام 1977 عندما حاول الرئيس أنور السادات إنهاء الدعم على المواد الغذائية الأساسية. وسارعت الحكومة إلى إلغاء القرار لوقف احتجاجات.

دراسة بدائل لتخفيف الصدمة
ويعترف مستشارون اقتصاديون للرئيس مرسي بأن تمرير إصلاحات قاسية سيكون صعبًا، ولكنهم يؤكدون أنهم يدرسون بدائل تخفف من شدة الصدمة.

وقال عبد الله شحاتة رئيس اللجنة الاقتصادية في حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين والمستشار الاقتصادي للرئيس مرسي quot;إن المفتاح هو إنعاش الاقتصادquot; قبل الإقدام على تنفيذ إصلاحات.

وأضاف شحاتة quot;إن على الحكومة أن تزيد الاستثمار لإقناع المواطنين بأي شكل من أشكال الإصلاح، ولا بد أن يشعر المواطنون بأن هناك نموًا يتحققquot;. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن شحاتة إن مصر quot;بحاجة إلى حزمة تحفيزية، لا تقلّ عن 1 في المئة من إجمالي الناتج المحليquot;، مع الإنفاق على قطاعات حيوية، مثل الإنشاء والبنية التحتية، في إشارة إلى مشاريع كبرى، مثل بناء مدن جديدة. وقال شحاته إنه من دون ذلك سيكون تنفيذ الإصلاحات quot;صعبًا جدًاquot;.

عجز قياسي وبطالة مرتفعة
في غضون ذلك، يبقى وضع مصر المالي مهددًا. ففي العام الذي أعقب الثورة، هبطت احتياطات مصر من العملات الأجنبية بنسبة زادت على 50 في المئة خلال محاولتها تدعيم الاقتصاد الوطني. وبلغت هذه الاحتياطات نحو 15 مليار دولار بعد الدعم المالي الذي تلقته مصر من العربية السعودية وقطر.

تواجه مصر عجزًا في ميزان مدفوعاتها وموازنتها ومعدلات بطالة هي الأعلى منذ سنوات بنسبة 12.6 في المئة، وهناك اتفاقيات قروض قيمتها زهاء 14 مليار دولار، من المستبعد إطلاقها قبل تأمين قرض صندوق النقد الدولي.

وأعلن بنك التنمية الأفريقي في وقت سابق من كانون الأول/ديسمبر أنه لن يقدم القرض، الذي وافق عليه بقيمة 500 مليون دولار، إلا بعد أن تبرم مصر اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، كما أفاد موقع بلومبرغ نيوز، فيما أعلنت ألمانيا هذا الأسبوع إرجاء شطب 240 مليون يورو أو 320 مليون دولار من ديون مصر، مشيرة إلى الوضع السياسي المضطرب، بحسب صحيفة برلينر تسايتونغ.

الموالون: quot;بالدستورالعجلة تدورquot;
ويبين هبوط سعر صرف الجنيه المصري إلى نحو 6.14 جنيه مقابل الدولار أن هناك محاولة مدروسة من جانب البنك المركزي المصري لتخفيف الضغط على الجنيه المصري وحماية احتياطاته من العملات الأجنبية. وكان سعر صرف الجنيه المصري 5.7 جنيه مقابل الدولار قبل عامين. وقال محللون إنه يمكن أن يهبط إلى 7 جنيهات مقابل الدولار في مطلع السنة الجديدة.

لكن تأثير هذه الإجراءات النقدية لن يكون كافيًا من دون استقرار سياسي. وأطلق مؤيدو الدستور والرئيس مرسي حملة دعائية من الإعلانات والملصقات تحت شعار quot;بالدستور العجلة تدورquot;، في إشارة إلى أن الاقتصاد سيبقى مهددًا من دون الاستقرار الذي يوفره الدستور الجديد. ولكن الواقع يرسم بنظر المصريين الاعتياديين صورة مغايرة تمامًا، هي صورة معاناة معيشية متزايدة.

وقال وزير السياحة السابق وعضو لجنة الإنقاذ الوطني منير فخري عبد النور لصحيفة نيويورك تايمز quot;نحن ندور في حلقة مفرغة، ولكن هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى لن تتمكن أبدًا من التصدي لإصلاحات إشكالية، مثل مشكلة دعم الأسعار، ما لم تتمكن من التوصل إلى توافقquot;.