أضحت الدول الآسيوية أكثر قلقاً من التضخم الناتج عن إنتعاش إقتصاداتها بشكل منتظم.


الكويت: فيما تعاني دول الغرب في دعم نمو اقتصاداتها، فإن الدول الآسيوية أكثر قلقاً من التضخم الناتج عن انتعاش اقتصاداتها بشكل منتظم. فبعد الأزمة المالية في عام 2008، أنقذت الحكومات اقتصاداتها عن طريق تخفيف السياسات النقدية خلال عام 2009، وذلك عن طريق تخفيض أسعار الفائدة والسماح للتدفقات النقدية بدخول النظام الاقتصادي وبالأخص من دول الغرب.

وعلى أثر توافر هذه النقود وانخفاض تكلفتها، شهدت عمليات الشراء نشاطاً كبيراً عبر كافة القطاعات. واستمر تدفق رؤوس الأموال يزداد سرعة في آسيا مدعومة بقوة أساسياتها الاقتصادية، وفي الوقت ذاته ارتفعت أسعار السلع العالمية بشكل كبير كما يوضح الرسم البياني المرفق. وبسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ارتفع معدل التضخم بشكلٍ هائل من 1.3% في مايو 2009 إلى ما يقارب 6% في أغسطس 2011.

ومع الارتفاع السريع في معدل التضخم في النصف الأول من 2010، بدأت البنوك المركزية الآسيوية بوضع سياسات تساعد على التحكم بالتضخم من خلال رفع أسعار الفائدة التي سبق أن خفضتها أثناء الأزمة المالية، وساعدت عملية إعادة توازن السياسة النقدية التي رافقها الاعتدال في حجم السيولة النقدية التي كانت كبيرة جداً، على تخفيف أثر هذا التضخم. وفي النهاية، لعبت التأثيرات الأساسية دوراً كبيراً، فبدأ نمو الأسعار التي كانت عالية من الأساس في عام 2009 السابق بالانخفاض.

وفي الربع الأول من 2012، بلغ متوسط معدل التضخم في آسيا ما يقارب 4.2%، واستمر بالانخفاض خلال النصف الأول من العام. واليوم، بلغ التضخم مستوى منخفض يسمح للاقتصادات الآسيوية بأن تخفف من سياساتها النقدية مجدداً لتشجع من جديد النمو بشكل مستقر.

ويأمل محللو الأسواق حدوث المزيد من التيسير النقدي حتى يستفيد المستثمرون من ارتفاع آخر في أسعار الأسهم كالذي نتج عن ارتفاع السيولة في 2010. ولكن وعلى عكس ما يتوقع الكثير من المستثمرين في الأسواق المالية، لن تبدو السياسة النقدية الآسيوية في 2012 كالتي كانت عليها في 2009، وذلك لأن بعض المخاطر التضخمية الناتجة عن الإجراءات النقدية التخفيفية في دول الغرب لا تزال متواجدة.

ويُعرّف معدل التضخم على أنه الزيادة السنوية في أسعار سلة من السلع والخدمات التي يطلق عليها مسمى سلة quot;مؤشر أسعار المستهلكquot; (CPI)، ويتم تحديدها بناءً على عادات إنفاق السكان. وبشكل عام، يختلف هيكل هذه السلة بين الدول المتقدمة والدول النامية. فبينما تشمل سلة quot;مؤشر أسعار المستهلكquot; في الدول المتقدمة أسعار المواد الغذائية والسكن والخدمات والأنشطة الترفيهية، ينفق سكان الدول النامية الجزء الأكبر من مدخولهم على الحاجات الأساسية من مثل الأكل والمأوى والطاقة. ولهذا السبب تشكل أسعار المواد الغذائية الجزء الأكبر من سلة quot;مؤشر أسعار المستهلكquot; في الدول النامية.

وفي آسيا يشكل الإنفاق على المواد الغذائية أكثر من ثلث السلة، ولهذا يؤثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية على التضخم في آسيا بشكل أكبر منه في الاقتصاديات الغربية. ولتفادي التضخم، تميل الهيئات النقدية لرفع أسعار الفوائد، حتى تجعل من عمليات الإقراض والاقتراض أكثر كلفة، وتسيطر بالتالي على النشاط الاقتصادي. وعندما يخف النشاط الاقتصادي، ينخفض مستوى التضخم كنتيجة لانخفاض مستوى الطلب على العديد من المنتجات.

وما زالت دول الغرب تواجه ركود اقتصادها بالأوضاع النقدية المخففة. ففي الولايات المتحدة الأميركية، أكد الاحتياطي الفيدرالي أن سعر الفائدة لن يتغير إلى عام 2014. كما عرض البنك المركزي الأوروبي توفير قروض غير محدودة بمعدلات فائدة منخفضة للقطاع المالي، بهدف تجنب عدوى المشاكل الاقتصادية في عدد من دول أوروبا. وفي ظل هذه الظروف، ما زالت آسيا تواجه مخاطر ارتفاع أسعار السلع والتدفقات النقدية الهائلة التي تدخل في النظام الآسيوي.

فبسبب تباين أسعار الفائدة، سيجد المستثمرون أن الأوراق المالية الآسيوية ذات معدلات الفائدة العالية أكثر ربحاً من تلك الغربية ذات الفوائد المنخفضة.وقد تباطأ التضخم الآسيوي بشكل كبير، إلا أن التيسير السريع سيؤدي إلى عودته بسرعة أيضاً.

وبما أن الاقتصاد الآسيوي يعتمد بشكل كبير على التبادل التجاري، وفي الوقت الذي ينخفض فيه طلب الاقتصادات الغربية بسبب تباطؤها، فإن آسيا تعاني من خطر انخفاض النمو. وتواجه الاقتصادات الآسيوية كذلك خطر الركود التضخمي، عندما يكون النمو الاقتصادي ضعيفاً ويكون مستوى التضخم عال بسبب المشاكل الهيكلية. ويمكن أن تستمر معاناة الاقتصاد من التضخم، إذا ما استمر توسع السياسة النقدية أكثر من اللازم.

وفي ظل كل هذه المخاطر والمخاوف، لن توسع الصين والدول الأخرى المشابهة لها من سياستها النقدية إلا عند الضرورة، وستفعل ذلك بانتقائية وتدريجياً. فعلى الرغم من كون الاقتصادات الآسيوية تعيش وضع افتصادي مشجع يدعم المزيد من التخفيف، يجب أن تأخذ الأسواق بعين الاعتبار أن مخاطر التضخم لا تزال بارزة وأن البنوك المركزية الآسيوية ستكون حذرة جداً في تخفيفها النقدي خلال العام 2012.