في تقرير دامغ استند إلى خزائن المعلومات في الهيئات الدولية الأكبر على الإطلاق، يرد أن الأثرياء يستغلون نقاط ضعف ومنافذ معيّنة في قوانين الضرائب من أجل تخبئة نحو 20 تريليون جنيه (32 تريليون دولار) على الأقل عن دافع الضرائب العادي.
ولتقريب الصورة في ما يتعلق بضخامة هذا المبلغ، فهو يزيد عن إجمالي الناتجين المحليين الأميركي والياباني معًا. وما لا شك فيه هو أن هذه الأموال تبلغ عشرات - إن لم يكن مئات - أضعاف ديون دول العالم الثالث مجتمعة. وليس ذلك فحسب، فهي تزيد عن إجمالي الديون التي يتعين على دول معنية سدادها للعالم.


لندن: يوضح المراقبون إن ممارسات الأثرياء هذه laquo;تهدد بانهيار الحكومات المنتخبة شعبيا وبالتالي تقويض أسس النظام الديمقراطي في العالم بأسره. وقال أحد هؤلاء: laquo;ماذا يفعل الناخب الفقير نسبيا عندما يقتنع بأن حكومته تجبي الضرائب منه ولا تفعل الشيء نفسه مع الأثرياء القادرينraquo;؟


التقرير الذي تناقلته الصحف البريطانية أعده الخبير المالي جيمس هنري الذي استمدّ أرقامه من خزائن المعلومات في كل من laquo;البنك الدوليraquo; وlaquo;صندوق النقد الدوليraquo; وlaquo;الأمم المتحدةraquo; إضافة الى عدد من أكبر المصارف المركزية في العالم. ويخلص هذا التقرير الى أن إقامة الأثرياء شركات laquo;الأوفشورraquo; - وهي أوسع المنافذ للتملص من الضرائب - تتيح لهم تخبئة حوالى 13 تريليون جنيه (حوالى 20.8 تريليون جنيه) عبارة عن سيولة نقدية. ولكن بحساب الأصول أيضا، فإن هذا المبلغ يرتفع إلى 20 تريليون جنيه على أقل تقدير.


وتبعا لجيمس، فإن ثمة أصولا مخبأة (تشمل العقار واليخوت والطائرات الخاصة والأعمال الفنية الغالية... الى آخره من قائمة طويلة) تبلغ قيمتها 6.3 تريليونات جنيه (حوالي 10.08 تريليونات دولار) على الأقل، تعود ملكيتها لما لا يزيد عن 92 ألف شخص يشكلون نسبة 0.001 في المائة فقط من تعداد سكان العالم.


وكان تقرير سابق صادر العام الماضي عن laquo;مؤشر السريّة الماليةraquo; قد قال إن سويسرا وجزر الكايمان وجيرسي ولكسمبورغ وهونغ كونغ هي الملاذات المفضلة لدى الأثرياء الذين يجب أن تعود ضرائبهم الى الخزائن العامة، فيخبئون فيها القسم الأعظم من ثرواتهم الطائلة.


لكن هذه الدول والملاذات من جهتها لا تقف مكتوفة الأيدي في وجه المحاولات المشروعة لملاحقة الأثرياء في ضرائبهم المستحقة. وهذا لأنها ستخسر بالضرورة أكبر مورد لعائداتها المالية التي تتضاءل أمامها موارد عملاقة أخرى مثل السياحة.


ووصل الغضب ببعض تلك الجهات الى حد التهديد بإجراءات ستصبح منعطفات تاريخية مهمة في حال اللجوء اليها. وعلى سبيل المثال، فقد هددت جزيرتا جيرسي وعيرنسي (على القنال الانكليزي أو المانش) شبه المستقلتين عن بريطانيا بالوصول الى حد إعلان انفصالهما الكامل عن التاج مرة وإلى الأبد في حال أجبرتا على العمل بلوائح لندن الضريبية.


فالشهر الماضي فقط نقلت الصحافة البريطانية عن السير فيليب بايلاش، مساعد كبير (رئيس) وزراء الجزيرة تصريحاته التي جاء فيها أنه أصدر توجيهاته الى سائر العاملين فيها بـlaquo;التحضير لقطع سائر الأواصر بالمملكة المتحدةraquo;. وقال إن السبب المباشر لهذا هو أن laquo;جزر القنال الانكليزي لا تتلقى معاملة منصفة من بريطانياraquo; (التي تريد قطع مواردها من أموال الأثرياء).


وزاد الطين بلّة عندما خسرت جيرسي وغيرنسي دعويين قانونيتين رفعتاها على الحكومة البريطانية. وتتعلق هاتان الدعويان بأن لندن سعت (بنجاح) إلى إجبار جزر القنال على جباية ضريبة القيمة المضافة VAT إلى مبيعاتهما من أقراص السي دي ودي في دي (وفي هذا عامل طرد سياحي مخيف).


وقال السير فيليب في خطابه الى مسؤولي الجزيرة: laquo;من الواضح أن المعاملة التي نتلقاها من لندن غير عادلة ولا تتفق مع مصالحنا. واعتقد أن الأوان قد حان لكي نتصدى للأوامر الواردة الينا من برلمان ويستمنستر وألا ننصاع لها بشكل أعمى حتى وإن كانت لا تصب في مصلحتنا الوطنية. وإذا استدعى هذا إعلان الاستقلال الكامل عن المملكة المتحدة فمرحبا به، ولنستعد منذ الآن لأي تطور كهذاraquo;.