البنك المركزي التونسي

تفاقم حجم الدين الخارجي لتونس ليبلغ نحو 16 مليار دينار ( 11 مليار دولار ) وهو ما ساهم في هذا الوضع الإقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس بعد الثورة حتى أنّ المبلغ المخصص لخدمة الدين للعام الجاري 2012 بلغ 3 مليارات دولار وهو ما يمثل 18% من ميزانية الدولة.


تونس: عبء الديون الثقيل الذي ورثته الحكومة الشرعية بعد الثورة ساهم في تقليص حجم الميزانية الموجهة لتحقيق أهداف الثورة المستعجلة من تشغيل وتنمية المناطق المحرومة وهو ما جعل جمعية quot;راد أتاكquot; تطالب بتعليق الديون وتوجيه المبالغ المخصصة لذلك إلى احتياجات المواطنين، لكن الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 14 يناير 2011 رأت ضرورة التزام تونس بتسديد ديونها السابقة خدمة لمصداقيتها ومصالحها.

تسديد خدمة الدين على حساب مطالب الثورة

يعتبر الخبير الإقتصادي والناطق الرسمي باسم جمعية quot;راد أتاكquot; فتحي الشامخي أنّ الدين الخارجي هو أكبر معطّل للتنمية في تونس بينما الحكومة الحالية تواصل اتباع سياسة النظام السابق التي لم تجلب غير الخراب لتونس.

لقد كان من واجب الحكومة المنتخبة وضع كل الأموال لتحقيق تطلعات الشعب التونسي الذي ثار على الفساد حتى يتوفّر الإستقرار وذلك استناداً على الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة.

وقال الشامخي في تصريح لـquot;إيلافquot; :quot; بالنسبة إلى الشعب التونسي ما يهمه هو المبلغ الخاص بخدمة الدين وليس جملة الديون، أي المبلغ الذي تدفعه تونس كل سنة لتسديد الديون، وهذا المبلغ يصل إلى 4.2 مليارات دينار ( 3 مليارات دولار ) خلال السنة الحالية 2012 وهو ما يمثل 18% من إجمالي ميزانية 2012، أي أنّ 18% من المبلغ المخصص للتنمية سيدفع لتسديد الدين الخارجي وهذا يمثل عبئاً كبيراً على تونس التي تعيش وضعا إستثنائياًquot;.

و أضاف الناطق الرسمي باسم جمعية quot; راد أتاك quot; :quot; إذا قارنا هذا العبء الكبير بالإعتمادات المخصصة لمسائل مهمة كالتشغيل مثلا أو التنمية الجهوية أو الشؤون الإجتماعية ، ونأخذ ما تم تخصيصه في ميزانية 2012 لهذه الوزارات الثلاث مجمّعة نجد أنّ المبلغ لا يتجاوز 1.7 مليار دينار ( 1.13 مليار دولار ) وهو ما يؤكد أنّ خدمة الدين في الميزان العام كبيرة جداquot;.

و أشار الشامخي إلى أنّ الإقتراض الخارجي يمثل 25% من إجمالي الموارد الخاصة للدولة وهي بالأساس موارد جبائية مباشرة وغير مباشرة وهو ما يجعل الدولة مضطرة إلى التداين من أجل تسديد خدمة الديون التي تصل إلى 4.2 مليارات دينار التي تمثل كذلك 6.2% من العجز في ميزانية الدولة للعام 2012.

وشدّد الخبير الإقتصادي فتحي الشامخي على الجانب الأخلاقي في ضرورة تحقيق أهداف الثورة والتي تتمثل أساسا في التشغيل و تنمية الجهات المحرومة :quot; بعد الثورة اتضح أنّ هناك احتياجات هامة وعاجلة ، وهذه الإحتياجات يجب أن تكون أولوية الأولويات وهذا ما يلزم به القانون الدولي ، وبالتالي نرى أنّ تسديد خدمة الديون وفي هذه المرحلة لا يجب أن تكون ذات أولوية لتكون تلبية الطلبات الإجتماعية ذات الأولوية المطلقة وهذا ينتج منه قرار تعليق تسديد الدين وتوجيه 4.2 مليارات دينار إلى تحقيق الإحتياجات المستعجلة حتى تهدأ البلاد من الإحتجاجات والإعتصاماتquot;.

تدقيق في ديون تونس

طالب الشامخي بفتح تدقيق حول ديون البلاد خلال فترة 23 عاماً من حكم بن علي وقال: quot;نريد معرفة أين صرف المبلغ الإجمالي للدين وقيمته 70 مليار دولار وهو أكبر ملف فساد في تونس وذلك في إطار الحوكمة الرشيدة والعمل من أجل تركيز نظام خالٍ من الفساد .quot; و أضاف :quot; نحن مستندون إلى نظرية الدين الكريه وبعد التدقيق في هذه الديون، نطالب الحكومة بإعلان تخفيف العبءquot;.

وكان 24 نائبا في المجلس الوطني التأسيسي يمثلون أغلب الكتل تقدموا بمشروع قانون للتدقيق في المديونية الخارجية لتونس منذ 8 نوفمبر 1987 وإلى غاية 14 يناير 2011.

وجاء بوثيقة المشروع :quot; أن تخضع جميع اتفاقيات القروض المبرمة بين الحكومة التونسية منذ 8 نوفمبر 1987 حتى 14 يناير 2011، إلى عملية تدقيق ومراجعة لتحديد الحصة الفاسدة من جملة الديون الخارجية التونسيةquot;.

ويُقصد بعملية التدقيق :quot; العمل المتمثل في استعراض ورصد عملية التفاوض بشأن الديون وإعادة هيكلة الديون وتشمل أيضا تحديد المسؤولية عن سوء الاستخدام الذي يتعارض مع المصالح الوطنية للشعب التونسيquot;.

تعليق تسديد الديون

تساءل الناطق الرسمي باسم جمعية quot;راد أتاكquot;: quot;هل أن الديون التي استلفها نظام بن علي ملزمة للحكومات اللاحقة وبالتالي للشعب التونسي أم لا؟.quot; . معبرا عن رأي جمعيته: quot;نحن نرى أنّ هذه ممارسات لنظام استبدادي ودكتاتوري ، وهي ممارسة معايدة للشعب و لمصالحه حيث لم يستفد منها و بالتالي فهي غير ملزمة للشعب التونسي ، ولكن للأسف فإن الحكومات المتعاقبة منذ 14 يناير 2011 ومنها حكومة الترويكا المنتخبة ترى أنه من الضروري أن تواصل احترام التزاماتها الخارجية وتسديد الديون، وقد حصل هذا سابقا مع دولة الزايير عندما كانت مستعمرة بلجيكية حيث لم تسدد الديون المستحقة لفائدة بلجيكاquot;.

وأضاف :quot; القضية في الواقع هي حق يراد به باطل quot; لأنه ليس من الأخلاق في شيء أن نلزم الشعب التونسي بدفع ديون وظفها نظام بن علي في قمعه وسحقه ، ولم يستفد منها شيئا ، و النظام الدكتاتوري يحكم دائما ضد إرادة الشعب وهو ما نعبر عنه بانتحال صفة ، فالمحاكم التونسية قد أدانت بن علي بعد الثورة و كذلك المؤسسات والجمعيات الدولية وهي ما يؤكد أنه كان مستبدا و ظالما و لا يمثل الشعب التونسي ،كما أن الأطراف التي أقرضت بن علي و دعمته كانت تعرف في الواقع حقيقته على غرار فرنسا التي ليس من باب الصدفة وهي الدولة المستعمرة أن تكون الحليف الأول وأكثر من يدعمه و يمده بالقروض ، وبالتالي فقد تم حسم المسألة و الشعب التونسي أصبح في حلّ من كل ما له علاقة ببن عليquot;.

ولكن الإجابة كانت واضحة من وزير المالية المستقيل والخبير الإقتصادي حسين الديماسي الذي حذّر في تصريح لـquot;إيلافquot; من المطالبة بالتنصّل و عدم الإلتزام بتسديد الديون لفائدة مستحقيها واعتبارها لم توظف لفائدة الشعب وبالتالي يجب على الشعب أن يتنصّل ولا يسددها لتوجيهها نحو احتياجات مستعجلة.

وأضاف الديماسي :quot; لا يمكن أن نضع ميزانية تونس في الميزان بين بقية دول العام والمؤسسات الدولية لأننا بهذه العملية لن نجد من يقرضنا غدا ونحن في حاجة إلى ذلكquot;.

وقال الوزير المستقيل :quot; الوضع الحالي للإقتصاد التونسي والمرحلة الإنتقالية التي نعيشها يتطلب التداين ضرورة لمجابهة الإستحقاقات الإجتماعية والتنموية المستعجلة وقد أضطرت تونس إلى الإقتراض من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية والوكالة الفرنسية للتنمية ودولة قطر وبضمانات من الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدوليquot;.