التحضير للعام الدراسي في العراق في أجواء اقتصادية جيدة

يتميّز هذا العام الدراسي عن الأعوام السابقة ببحبوحة الأسر العراقية وارتفاع قدرتها الشرائية بفضل زيادة الأجور وفرص العمل الكثيرة التي استحدثتها شركات قدمت للاستثمار في العراق بعد استتباب الأمن فيه نسبيًا.


بغداد: يبدأ العام الدراسي الجديد في العراق ببداية شهر تشرين الاول (اكتوبر) القادم، فتتهيأ الأسر العراقية كما في كل عام لتحضير أبنائها وتزويدهم بما يحتاجون إليه من مستلزمات مدرسية. غير أنّ هذا العام يختلف عما سبقه من أعوام، إذ يلاحظ المراقبون ارتفاع القدرة الشرائية للأسرة العراقية، التي تبدو اليوم مرتاحة في سعيها إلى شراء هذه المستلزمات لأبنائها. فالعراق يشهد اليوم حركةً استهلاكية واسعة بفضل زيادة أجور الموظفين، وانطلاق مشاريع الإعمار والانفتاح الاقتصادي، واستحداث الشركات الأجنبية القادمة للاستثمار في العراق آلاف فرص العمل للعمال والموظفين.

ترسم سليمة الخفاجي، الخبيرة المالية في بنك الرافدين العراقي، معادلة متوازنة بين ارتفاع دخل الأسرة العراقية وارتفاع أسعار القرطاسية ومستلزمات الدراسة، هي معادلة السبب والنتيجة. مظاهر الترف الاقتصادي في متاجر القرطاسية ومحلات بيع الازياء الطالبية، لا سيما الملابس الاسلامية المحتشمة باهظة الثمن للبنات، التي تشهد إقبالًا كبيرًا عليها، تُفصح عن البحبوحة الاقتصادية التي يشعر بها المواطن العراقي اليوم.

أمنٌ فاطمئنانٌ فإنفاق

يؤكد أصحاب متاجر التجزئة ارتفاع معدل إنفاق الاسرة العراقية على اللوازم المدرسية، إذ بدت قادرة على تجاوز ارتفاع الاسعار. يرى الباحث الاجتماعي قاسم حسن أن الأسرة العراقية quot;بدأت تتحرّر بصورة تدريجية لكن بطيئة من الانكفاء على نفسها اقتصاديًا، وتتخلّى عن فكرة القرش الأبيض لليوم الأسود، فزاد إنفاقهاquot;.

ويتابع حسن: quot;يبدو المواطن العراقي اليوم أكثر قدرةً على التماهي مع الأنماط الاستهلاكية الجديدة، بعدما كان يشد الحزام قبل سنوات، ويتجنّب صرف الأموال حتى على الحاجات الضروريةquot;. يرجع حسن ذلك إلى الانحسار النسبي للإعمال المسلحة في العراق، وتمكن عدد كبير من الشباب العراقي من الفوز بوظائف حكومية أو في الشركات المستثمرة، إضافة الى ارتفاع في دخل الموظفين. ويقدم حسن مثالًا على هذا الارتفاع. يقول: quot;لم يكن راتب المعلم ليتجاوز عشرة دولارات شهريًا قبل العام 2003، بينما يتراوح اليوم بين 700 الى 1000 دولارquot;.

ملامح ازدهار

أحد ملامح الازدهار في مدارس العراق، كما يقول المشرف التربوي حبيب عباس، هو برنامج التغذية المدرسية. وعلى الرغم من أن التجربة في بدايتها ولم تشمل جميع المدارس، إلا أنها تبشّر بمشروع يسعى الجميع إلى تحقيقه، اذ يأمل عباس أن يشمل البرنامج المزيد من المدارس.
يسير برنامج التغذية المدرسية جنبًا إلى جنب مع برنامج الكسوة المدرسية، الذي يوفّر ملابس الزي الموحد مجانًا، لكنّ كل ذلك يرتبط بقدرة السياسات الحكومية على الاستفادة من أسعار النفط لتحقيق تنمية تضمن عدم التذبذب في الاقتصاد، الذي ينعكس على سلوك الفرد الاجتماعي والاقتصادي.

فساد إداري

على الرغم من أن أهم أهداف الخطط الدراسية توفير الكتب المدرسية في موعدها، وبأعداد كافية، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع خلال السنوات الماضية، اذ تسرب الكثير منها إلى الأسواق، مما يضطر التلاميذ إلى شرائها من خارج المدرسة.
تبدي التلميذة تماضر حسن استعدادها لعام دراسي جديد بعدما قضت أوقات ممتعة في العطلة الصيفية، لكن والدتها تؤكد أن الاسر محدودة الدخل تتحسّب للنفقات اللازمة لشراء اللوازم الدراسية في ظل ارتفاع اسعارها، خصوصًا الكتب.

يردّ المدرّس رعد هاشم ذلك إلى غياب الآليات المناسبة للتوزيع وإلى الفساد الاداري، اللذين سببا تسرّب الكتب لتباع في السوق السوداء. وتقول مصادر وزارة التربية العراقية إن توفير الكتب والقرطاسية لحوالي ثمانية ملايين طالب وطالبة في عموم مدارس العراق يكلّف الدولة نحو 55 مليار دينار عراقي.
قاسم السلطاني، مدير مدرسة ابتدائية في كربلاء، يشير إلى أن تسرب الكتب المدرسية في كل عام إلى السوق السوداء يمثل معضلة، تضطرهم الى شرائها بأسعار مضاعفة.

غلاء الاسعار

ثمة سوق خاصة للقرطاسية في كل مدينة عراقية، كسوق السراي في بغداد، وسوق المكتبات في بابل. أمين حسن صاحب متجر قرطاسية في بابل، يقول إن تجارة اللوازم الدراسية تبلغ أوجها في هذه الفترة، مع تحسن القدرة الشرائية للعائلة العراقية. وفي السوق، يبدو التلميذ حميد حسن فرحًا بشرائه القرطاسية التي يحتاجها، لكن والده يؤكد غلاء الاسعار مقارنة بالسنوات الماضية .

وعلى الرغم من أن أسعار الملابس واللوازم الدراسية بدت مرتفعة، إلا أن أم سمير، وهي مدرسة، بدت قادرة على تسديد النفقات بسبب تحسن الدخل الشهري للعائلة. تقول أم سمير: quot;التكاليف الدراسية لأطفالي الأربعة كلفني نحو 1500 دولار، لكنّي استطعت تأمين المبلغquot;، علمًا أن الموظف كان عاجزًا عن تأمين 10 في المئة من هذا المبلغ، بحسب أم سمير، quot;وكان على الاطفال يومها أن يذهبوا إلى المدارس بملابس قديمة وأحذية بالية بسبب ضعف القدرة الشرائية الضعيفةquot;.

إلى ذلك، يلفت البائع حيدر كامل إلى أن التلاميذ يشكون من رداءة صنع هذه المستلزمات والكتب والقرطاسية، اذ تُستورد في غالبيتها من منشأها بأرخص التكاليف، وتُباع في الاسواق العراقية بأسعار عالية.

استيعاب المتغيّرات الاقتصادية

من جهة أخرى، تؤكد أم سمير أن العوائل الفقيرة لن تستطيع دفع المبالغ لتزويد أبنائها بما يحتاجون إليه، مطالبة الجهات المعنية بحصر بيع المستلزمات المدرسية بمنافذ البيع الرسمية وبأسعار مدعومة من الحكومة.
يعزو الخبير المالي أحمد الطائي الفوارق في القدرة على استيعاب التغييرات الاقتصادية الجديدة إلى أن الأسر التي تضم موظفين أو أشخاصاً يتلقون مداخيل ثابتة هم الأكثر قدرة على الإنفاق والتحرر من عقدة الخوف من المستقبل التي رافقت العراقي طوال سنين. ويتابع: quot;أما الأسر التي تعتمد على مداخيل غير ثابتة، فإنها تبقى على حذرها الاقتصادي على الرغم من اتجاه المجتمع العراقي نحو الاستهلاكquot;.

ويعتقد الطائي أن العراقيين أصبحوا أكثر وعيًا للمتغيّرات الاقتصادية، لا سيما ارتفاع أسعار النفط وقيادة هذا الارتفاع دفة البحبوحة الاقتصادية، ما يدفعهم الى التحصن خلف التريث في الإنفاق في ظل غياب حزم إنفاق اجتماعي تساهم في خفض نسبتي التضخم والبطالة.