ملف اختلاس اموال الهيئة العليا للاغاثة ليس الاول في لبنان، ولن يكون الأخير في مسلسل الفساد الإداري الذي ينخر في جسم لبنان، فقد سبقه ملف بنك المدينة وغيره من الملفات التي تتطلب مكافحة شاملة.

بيروت: سلك ملف اختلاس أموال الهيئة العليا للاغاثة طريقه نحو المحاكمة، مع ادّعاء النيابة العامة المالية على العميد إبراهيم بشير وزوجته وشخصين آخرين في جرم اختلاس الأموال العامة وتهريبها وتبييض الأموال، واحالتهم إلى قاضي التحقيق الأوّل في بيروت غسان عويدات، الذي استمع إلى افادة بشير وزوجته.

وقضية الاختلاس هذه تطرح السؤال عن مدى الفساد المستشري في لبنان بدءًا بأعلى موظف وصولاً الى الموظفين الصغار في الادارات العامة والخاصة.

يقول رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي:quot;إن الفساد جريمة مثل الجرائم الأخرى التي تضرب مجتمعاتنا، وبالتالي فإن مكافحته ضرورة، وهي لتكون فاعلة لابد أن تأتي نتيجة عمل متكامل بين مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية الادارية والهيئات الأهلية، معلنًا عن إجراءات سيعلن عنها قريبًا، ومنها المداورة في الوظائف، تبسيط المعاملات والقوانين، البحث في الحكومة الالكترونية لتخفيف التماس بين المواطن والموظفquot;

مليارات الدولارات

في العام 2001 قدّرت الأمم المتحدة كلفة الفساد في لبنان بـ5،1 مليارات دولار سنويًا (10% من الناتج حينها). بعد 12 سنة على هذا التقدير، لا تزال البلاد على الأرجح حيث كانت، إلاّ أن الكلفة تبلغ 4 مليارات دولار.

في الواقع يمكن إدراج تجربة quot;بنك المدينةquot; على أنها المثال اللبناني الأبرز في هذا الاطار. ففي لعبة الفساد وتبييض الأموال هذه وصلت قيمة الأموال المبيّضة المعلنة الى مئات ملايين الدولارات. ولكن سبحة الأمثلة تكر بسرعة في القطاعات والمؤسسات العامة كافة من البنى التحتية الى الإعانات في أوقات الأزمات عمومًا.

وتتوصل دراسة بعنوان: quot;الفساد والنمو الاقتصادي في لبنانquot; الى أن الفساد يكبح الاقتصاد من استغلال إمكاناته، وانعكاساته تمس فعليًا جميع أوجه معادلة الانتاج مباشرة أو على نحو غير مباشر.

وفي تفنيد تلك الانعكاسات يتضح أن الفساد يخفض من مستويات الرفاه الاجتماعي في لبنان، يزيد من مستوى عدم الفاعلية في الانفاق الحكومي، يخفض الاستثمارات، يخفض مستوى إنتاجية اليد العاملة ويعوق النمو الاقتصادي. وفي المقابل، إن خفض مؤشر الفساد في لبنان يزيد من ثبات نمو حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.

نتائج ملموسة

لكن ماذا يمكن فعله للوصول الى نتيجة ملموسة؟

يقول الخبير الاقتصادي عيسى فياض لـquot;إيلافquot; إنه يجب اعتماد الخطوات التالية:

- أن تعتمد الحكومة استراتيجية لمكافحة استخدام الشركات والمؤسسات لإخفاء أموال اكتُسبت على نحو غير مشروع.
- يتعيّن على جميع مقدّمي الخدمات المالية وخدمات الشركات جمع المعلومات عن المالكين المستفيدين من الشركات والاستمرار في رصد مدى دقة هذه المعلومات.
- أن توفر سجلات الشركات حدًا أدنى موحدًا من المعلومات عن الكيانات المسجلة، أي المساهمين وأعضاء مجلس الادارة والمديرين، وتسمح بعمليات البحث على نحو سهل (على الانترنت).
- تدعيم قدرات إجراء التحقيقات ومهاراته.

ويقول رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعانquot; إن مسألتين تعوقان تقويم التقدم في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في لبنان.
الأولى: آليات الضبط وقياس الأداء والشفافية في الحسابات المالية العامة وحسابات الادارات، وللأسف منذ عام 1993 ليست لدينا حسابات دقيقة وشفافة.
الثانية: القضاء بوضعه الحالي، لجهة تدخل السياسيين فيه، يحتاج الى كثير من الإصلاح لكي يكون أداة لتحقيق عدالة لكشف الفساد ومحاسبة الفاسدين.

ومن الصعب، يقول كنعان، بغياب الحسابات الشفافة والقضاء المستقل تحديد أين نحن في هذه اللحظة، لكن الانطباع العام، هو أن وضعنا على صعيد مكافحة الفساد لم يتحسن قط منذ عام 2001. والى حين إجراء إصلاح مالي وتصحيح لمسار القضاء، لا يمكن توقّع الكثير.

علمًا أن الفساد في لبنان أصبح ثقافة و ليس نهجًا فقط ، فالفساد لا يرتبط فقط بالهدر المالي كما معرّف عنه، إنما ممكن أن ينخر كافة أجزاء المجتمع حتى يصبح من الروتين اليومي للمواطن.