عمان: إنتهت المفاوضات المضنية بين بعثة صندوق الدولي ومسؤولين أردنيين بتجاوز أزمة كادت تطيح باتفاق مع الصندوق، بعد أن توصل الفريقان إلى تفاهمات مبدئية على تحقيق متطلبات الصندوق، وحصول البعثة على إجابات لاستفسارات متعلقة بمؤشرات اقتصادية، لاسيما الضربيبة منها صعوبة المهمة عكستها طول مدة إقامة البعثة في الأردن التي كان يفترض أن لا تزيد على أسبوع، لتبقى البعثة مدة 17 يوماً.
وقد تم التوصل إلى الاتفاق بين الطرفين بعد جهد مضن وأسفر عن حصول الأردن على 384 مليون دولار، كدفعة ثانية من قرض تزيد قيمته على 2 ملياري دولار وفق مصادر وزارة المالية الاردنية.
وشهدت المفاوضات بين البعثة والمسؤوليين الأردنيين، خلافات كادت أن تطيح بجهود الحصول على الدفعة الثانية من القرض، نتيجة تمسك البعثة الدولية بوضع آليات واتخاذ إجراءات تتعلق بقرارات صعبة، كانت الحكومة تسعى لتطبيقها في مواعيد لم ترق للصندوق، رغم أنها تناسب أجندة الحكومة، والمصالح الوطنية.
ووفق ما نشرته الصحافة الاردنية اليوم ومنها صحيفة quot;الغدquot; التي تؤكد انتزاع الحكومة اتفاقا شفهيا مبدئيا مع بعثة الصندوق يتضمن رفع أسعار الكهرباء في نهاية يونيو المقبل بدلا من ابريل، مقابل تحرير الدفعة المالية الثانية من الصندوق للمملكة ومقدارها 384 مليون دولار لتصرف في منتصف (ابريل).
والتركيز خلال المفاوضات انصب على مسألة رفع أسعار الكهرباء، دفع الصندوق إلى التأكيد على أن مقدار خسائر شركة الكهرباء يجب أن لا ترتفع عن السيناريو الحكومي، من خلال توفير إيرادات وضبط النفقات للمحافظة على النسب المستهدفة، بحسب المصادر التي أكدت أن المفاوضات في هذا البند كانت quot;عسيرةquot;.
وكان الخلاف بين الجانبين على تسعير الكهرباء مرتبطا بوجهة نظر الحكومة التي تعتقد بأمانية حدوث quot;تداعيات سلبيةquot; للقرار على القطاعات الاقتصادية جراء رفع الأسعار، الأمر الذي دفع الحكومة الى التشبت بفكرة تأجيل الرفع قدر المستطاع، غير أن الحكومة، وبحسب المصادر، تريد تعزيز ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد الأردني، كاقتصاد قادر على التكييف مع التحولات العالمية والمتغيرات الإقليمية.
في التفاصيل، فإن المفاوضات التي امتدت منذ 20 (فبراير) الماضي الى 7 (مارس) الحالي، شهدت إصرارا كبيرا من رئيسة بعثة النقد كريستينا كوستيال بالحصول على تعهد مكتوب من الحكومة برفع أسعار الكهرباء، وفي أقرب وقت ممكن، وهو أمر لم يتحقق، بل على العكس تماما تمكنت الحكومة من تأجيل الأمر الى أبعد ما يمكن.
وتذكر المصادر الاردنية أن بعثة الصندوق تفاجأت بموقف متشدد من رئيس الوزراء عبدالله النسور خلال لقاء عقد في 26 فبراير عندما أكد quot;أن رفع الكهرباء لن يكون قبل نهاية يونيو (يونيو)quot;.
وكانت بعثة صندوق النقد تعتقد قبل لقاء الرئيس النسور الرسمي، بأن الأمر سيحسم، من خلال الالتزام بتنفيذ استراتيجية شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) في (ابريل)، خصوصا أن وزارة المالية تؤمن بأن الخاصرة الضعيفة للمالية العامة، هي تلك الشركة، ويجب إصلاحها لتحقيق التوازن للمالية العامة بالشكل الأمثل.
وقبل مجيء بعثة الصندوق كانت الطموحات الحكومية تصل الى حصول المملكة على 512 مليون دولار كدفعة ثانية وثالثة من القرض، إلا أن رفض المسؤولين الحكوميين تقديم تعهد مكتوب بشأن موعد رفع أسعار الكهرباء، أدى الى اكتفاء الصندوق بتقديم مبلغ 384 مليون دولار، كون الحكومة انتقالية، والضبابية ما تزال تسيطر على شخصية رئيس الوزراء المقبل.
وكان الاردن حصل على الدفعة الأولى من القرض والبالغة 385 مليون دولار في شهر (أغسطس) الماضي.
وأشارت المصادر، في حديثها لـquot;الغد الاردنية quot;، إلى نقطة قوة في موقف المفاوض الأردني تتعلق بالاحتياطيات الأجنبية، بما يفوق 8 مليارات دولار، وبنسبة نمو 21 %، منذ بداية العام الحالي.
المصادر قالت إن محافظ البنك المركزي الدكتور زياد فريز بات يؤمن بأن (نوفمبر) 2012، صار من الماضي، وكان الخاسر الأكبر هو من حمل الدولار، ورفع مستويات quot;الدولرةquot; من الطبيعية التي كانت سائدة في العام 2011 بنسبة 16 %، الى 24 % في العام 2012، خصوصا وأن جاذبية الدينار ازدادت ويؤشر على ذلك ارتفاع الودائع بالدينار بنهاية الأسبوع الماضي 600 مليون دينار.
وقد تمسك وزير المالية سليمان الحافظ وخلال المفاوضات مع الصندوق بمعالجة التشوهات في تسعير الكهرباء، واصفا إياها بـquot;الصداعquot; في ملف إصلاح المالية، خصوصا أنها تسببت بتجاوز خسائر الشركة عن مؤشرات الصندوق بمقدار 13 مليون دينار خلال العام 2012.
ووقعت الحكومة في 27 (يوليو) الماضي اتفاقية مع صندوق النقد الدولي تم بموجبها تبني البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي، فيما يقدم صندوق النقد الدولي 2 ملياري دولار للاردن على دفعات.
في تلك الأثناء، وتحديدا في 28 فبراير الماضي، اتخذت الحكومة قرار تعديل أسعار المحروقات الشهري والذي أفضى الى رفع بعض الأصناف بنسبة وصلت الى 4.6 %، ليتأزم موقف الحكومة والبرلمان.
إن تعقد المشهد السياسي محليا وتوتر العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعة عقب جلسة مجلس النواب الأحد الماضي التي استمرت ست ساعات، والتي طالب خلالها 92 نائبا بالتراجع عن الأسعار، دفعت نائبة مدير صندوق النقد الدولي نعمت شفيق للقدوم من واشنطن ومتابعة الأوضاع مع المسؤولين الحكوميين، إذ تصاعد قلق إدارة الصندوق من تراجع الحكومة عن قرار التسعير الشهري.
مفاوضو الجانب الأردني، أكدوا لشفيق أن مسألة الإصلاح الاقتصادي بالنسبة للاردن هي عملية جوهرية وطنية تنبع من تحقيق التوازن في المالية العامة بما يفضي لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي والعودة بمعدلات النمو الاقتصادي لمستويات مرضية، كما استندوا الى مسألة العودة لقرار الحكومة الشهير بتحرير أسعار المحروقات نهاية العام الماضي، وما تلاه من اضطرابات.
من جهتها، أكدت الحكومة أنها ماضية بربط أسعار المحروقات بالسوق العالمية، وذلك منذ نوفمبر الماضي، حيث قامت الحكومة بزيادة أسعار بعض المشتقات بنسب توفق تلك المطلوبة من الصندوق بحسب البرنامج المتفق عليه، في إشارة إلى أسعار السولار الذي كان من المفترض أن يرتفع حينها بنسبة 6%، إلا أن الحكومة زادته بنسبة 33%.
شفيق كانت أول المغادرين، إذ اختتمت زيارتها الأربعاء الماضي، وأصدرت بيانا تحدثت فيه عن سلسلة اللقاءات التي عقدتها، ومشكلة الدعم، وأوضاع شركة الكهرباء الوطنية وتداعياتها السلبية على المالية. كما لفتت الى أن الصندوق عمل بمرونة في مراجعته لوضع الاقتصاد، حيث أخذ بعين الاعتبار قضية تدفق اللاجئين السوريين، وما يتحمله الاقتصاد من أعباء نتيجة ذلك.
أما كريستينا وفريقها، فقد أنهوا مهتهم يوم الخميس أمس الاول وغادروا الأردن ويتوقع أن يصدروا بيانا حول الزيارة في غضون أسبوع، إضافة إلى إصدار تقرير دوري يقيم أداء الاقتصاد.
وبعد اختتام البعثة لزيارتها يفترض أن تعود مجددا في يوليو المقبل، لمراجعة أداء الاقتصاد ومدى التزام الحكومة الاردنية بالتطبيق، بالتشاور مع مجلس النواب الاردني.