تنصب طموحات المصريين الآن على مشروع قومي يعتمد على الأموال التي يرسلها المغتربون، يمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح التي تحتاجه في استهلاكها المحلي، ليكون بوابة لمشاريع أخرى مماثلة.


يرى الخبراء أن اكتفاء مصر الذاتي من جملة من المحاصيل الزراعية، كالقمح والذرة على سبيل المثال، سوف ينقل البلاد نقلة نوعية كبيرة. فالقمح هو عماد المادة الغذائية لقرابة نصف سكان العالم، لذلك يعتقد خبراء الزراعة أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح اللازم لإنتاج رغيف الخبز فى مصر ليس أمرًا مستحيلًا، لأن الإنتاج المحلي من القمح في مصر الآن يقدر بنحو 8 ملايين طن على أساس الإنتاجية للفدان، التي تقدر بنحو 18 أردبًا.

من جهة أخرى، يمكن من خلال استخدام تقاوي عالية الإنتاجية، وتوعية المزارعين، من خلال الإرشاد الزراعي، والتخزين في صوامع مجهزة، توفير الفاقد بعد الحصاد، والذي يقدر بنحو 20 بالمئة، وبالتالي يتحقق الإكتفاء الذاتي من القمح، وتسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.

مبادرة للإكتفاء الذاتي
في هذا الاطار، أطلق عدد من المستثمرين ورجال الأعمال المصريين المقيمين في السعودية وقطر والإمارات والولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وأسبانيا مبادرة لزراعة القمح والذرة وإنتاج المواشي بشكل يحقق الإكتفاء الذاتي للبلاد، وفق ما ذكرته الهيئة المصرية للاستعلامات، فضلًا عن المساهمة فى تشغيل نحو نصف مليون من الشباب الخريجين، وتبلغ قيمة هذه المبادرة نحو 3 مليارات جنيه.

في السياق نفسه، تمت المبادرة بالإعلان عن إنشاء الشركة المصرية للاستثمار الزراعي والأمن الغذائي (شركة مساهمة مصرية)، حيث تعد أول شركة استثمارية مصرية للمصريين في الخارج بعد ثورة 25 يناير، وقد تمخض ذلك القرار بعد لقاءات بين مسؤولي وزارة الزراعة ووفد المستثمرين المصريين المقيمين في الخارج.

كما تم الاتفاق على أنه يمكن تطوير المشروع الغذائي ليمتد إلى التصنيع الغذائي وتصنيع الأسمدة العضوية، وتربية الثروة الحيوانية والألبان وصناعة الأعلاف وصوامع تخزين الغلال. كما تسعى الشركة إلى مساعدة الشباب الخريجين الجادين على الزراعة بتخصيص مساحة كبيرة من المشروع لهم، على أن تقوم الشركة بإنشاء البنية التحتية من تجهيز وتوفير المعدات والبذور والأسمدة والمبيدات، وأن يقتصر دور الشباب على الزراعة من دون تحميلهم أية أعباء مادية، حيث تتولى لجنة مختصة من وزارة الزراعة حساب نسب الأرباح بين الشركة والشباب، يحصلون من خلالها على نسبتهم وفقًا لتقدير اللجنة، فضلًا عن أن اللجنة تدرس مكافأة الشباب الجاد، الذي يواصل عمله مع الشركة لمدة 10سنوات بتمليكه جزءًا من الأراضي.

حيز التنفيذ
في هذا السياق، أعلن المهندس إمام يوسف، وكيل المؤسسين للشركة المصرية للاستثمار والأمن الغذائي أن المشروع دخل حيز التنفيذ الفعلي، حيث تم فتح حساب في بنك مصر، للبدء في تلقي إيداعات المصريين في الخارج الراغبين في استثمار أموالهم في هذا المشروع القومي، الذي يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح.

لافتًا إلى أن كل مصري يستطيع شراء سهم أو أكثر، حتى تشارك جميع الأسر في هذا المشروع العملاق، خاصة أن قيمة السهم 100 جنيهًا، وبحد أقصى مليون جنيه مصري، لضمان عدم تحكم أحد في المشروع القومي، مشيرًا إلى أن الشركة تسعى إلى البدء في زراعة 50 ألف فدان على الأقل من القمح، مع بداية موسم الزراعة الشتوي المقبل، كما تسعى إلى استصلاح وزراعة 500 ألف فدان، تتم زراعتها بالقمح شتاءً وبالذرة، وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى خلال فصل الصيف.

من جهته، أعلن الدكتور حسن لاشين، رئيس مجلس إدارة صندوق رعاية المصريين في السعودية عن موافقة الحكومة على مشروع لإقامة 42 صومعة لتخزين الحبوب والغلال، بطاقة تصل إلى 250 ألف طن فى سبع محافظات، بهدف خفض نسبة الفاقد من القمح، وزيادة السعة التخزينية من الحبوب لتدعيم المخزون الاستراتيجي.

وأشار إلى أن التكلفة الاستثمارية لمشروع الصوامع، الذي سيلحق به مشروع متكامل من المطاحن على مستوى الجمهورية، ستصل إلى نصف مليار جنيه من استثمارات المصريين العاملين في السعودية.

زراعة الصحراء بالقمح
أكد الدكتور عبد السلام جمعة، الملقب بـquot;أبو القمحquot; في مصر أن هناك عائدًا اقتصاديًا جيدًا من زراعة القمح في الكثير من المناطق الصحراوية، مثل سيناء والواحات البحرية والعوينات والنوبارية، ما يعود بالنفع على مصر، ويمكنها من تحقيق الإكتفاء الذاتي من القمح، خلال سنوات قليلة، ويجعلها تتوقف نهائيًا عن الاستيراد.

وأشار جمعة إلى أن القمح يزرع في الأراضي الطينية القديمة منذ عهد الفراعنة، وحاليًا وصلت مساحة القمح في الأراضي القديمة إلى 2.7 مليون فدان، لكن بدأ إدخال زراعة القمح في مصر في الأراضي الجديدة الصحراوية باستخدام نظم الري المتطور، سواء بالرش أو التنقيط أو باستخدام الري المحوري، وذلك في مساحة 101 ألف فدان، وبلغت جملة الإنتاج في هذه المساحة 112 ألف طن، بمتوسط 1.1طن/ فدان، والطن يساوي 6.7 أردبًا.

في هذا الإطار، ذكر الخبير أنه فى موسم العام 1995 زادت المساحة لتصل إلى 248 ألف فدان. وفي موسم العام 2000 زادت المساحة لتصل إلى 386 ألفًا، أنتجت 893 ألف طن بمتوسط إنتاجية 2.2 طن/فدان، وفي موسم 2004 /2005 زادت المساحة إلى 450 ألف فدان، أنتجت 1.06 مليون طنًا، بمتوسط 2.2 طن/فدان، وفي موسم العام 2007 تراجعت المساحة إلى 256 ألف فدان، أنتجت 567 ألف طنًا بمتوسط إنتاجية 2.2 طن/فدان.

كان سبب التراجع تدني أسعار القمح المحلي في تلك الفترة، وعدم إعلان سعر شراء القمح قبل موسم الزراعة بوقت كاف، ما أدى إلى تحول بعض المزارعين إلى التوسع في زراعة بنجر السكر وغيره من المحاصيل الشتوية الأكثر ربحية.

عائد مرتفع
وصلت زراعة القمح في الأراضي إلى نحو 300 ألف فدان، وزاد سعر الأردب ليصل إلى 350 جنيهًا، أي إن سعر الطن وصل إلى 2350 جنيهًا، وعادة فإن المزارعين يتعاملون مع القمح في الأراضي الصحراوية تمامًا مثلما يتعاملون مع القمح في الأراضي القديمة، بمعنى التسميد فقط بالأسمدة الأزوتية والفوسفاتية، وبالكيماويات نفسها الموصى بها في الأراضي القديمة، مع إضافة ما لا يزيد على 12 كغم بوتاسيوم. وهذا هو السبب في تدني الإنتاجية في الأراضي الجديدة الفقيرة إلى العناصر.

وطالب جمعة المزارع باتباع الإرشادات الزراعية من خلال إضافة 48 كغم بوتاسيوم مع زيادة لا تقلّ عن %20 بالنسبة إلى العناصر الأزوتية، ما يمكن من زيادة الإنتاجية لتصل إلى 20 إردبًا/فدان، أي حوالى 3أطنان/فدان، وذلك يعني أن العائد الصافي من زراعة فدان القمح على أساس متوسط إنتاجية بين 2.2 - 3 أطنان/فدان يتراوح بين 2000 - 3200 جنيه مصري، مع احتمال زيادة الإنتاجية عن ذلك، من خلال إتباع الإرشادات الموصى بها في الأراضي الجديدة، ومع اعتبار أن تكلفة الإنتاج تتراوح بين 3250 - 4000 جنيه للفدان.

وأشار إلى أن العائد الاقتصادي من زراعة القمح في الأراضي الصحراوية يعتبر معقولًا جدًا، مع ضمان تنفيذ الهدف الأسمى كمشروع وطني لتحقيق الإكتفاء الذاتي.

وقد حققت مصر هذا العام نجاحًا كبيرًا بسبب توصلها إلى صنفين جديدين من تقاوى القمح يحملان اسمي مصر 1، ومصر2، واللذين حققا إنتاجية تجاوزت 32 أردبًا للفدان في محافظة قنا.

ووضعت الوزارة خطة جديدة لتحقيق زيادة في نسبة تقاوى المحصول المعتمدة التي سيتم استخدامها في زراعة القمح للموسم المقبل تستهدف زيادة متوسط إنتاجية الفدان إلى 22 أردبًا مع ثبات المساحة المنزرعة عند 3 ملايين فدان، بما يحقق زيادة في الإنتاج الكلي لمصر من محصول الموسم المقبل تصل إلى 6 ملايين أردب. ما يؤدي إلى إرتفاع الإنتاج الكلي في العام المقبل إلى 66 مليون أردب تعادل 9.4 مليون طن.