يبدو وضع المصارف التونسية المالي، وخصوصًا العمومية، بعد الثورة، في غاية السوء، فالكثير منها مهدد بالإفلاس، ما يستوجب خصخصتها لإنقاذها.


محمد بن رجب من تونس: تعاني المصارف التونسية وضعًا ماليًا صعبًا، حتى أن بعضها يشرفُ على الانهيار وإعلان إفلاسه. وفي مقدمتها المصارف العمومية، التي تواجه صعوبات جمة.

خبراء الاقتصاد أقرّوا أخيرا بأن الوضعية المالية للمصارف التونسية في الوقت الراهن صعبة جدا ملمحين إلى أنّ عددا منها مهددة بالإفلاس وأن وضعية المصارف العمومية تبدو أصعب بكثير من المصارف الخاصة.

التفويت في ثلاثة مصارف ممكن

أقرّ محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري بإمكانية التفويت في ثلاثة مصارف تونسية إلى الخواص خلال الفترة القادمة مضيفا خلال ندوة صحفية أنّ هذه المصارف هي الشركة التونسية للبنك والبنك الفلاحي وبنك الإسكان، مؤكدا أن عملية التفويت تهدف إلى إنشاء قطب بنكي خاص.

وأشار محافظ البنك المركزي التونسي أنّ تونس في حاجة إلى تمويلات خارجية للسنة الحالية 2013 تقدّر بنحو 5 مليار دينار ( 3.4 مليار دولار ) وهو ما يؤكد ضرورة اللجوء إلى سوق الإقراض الدولية من أجل الحصول على 2 مليار دينار ( 1.4 مليار دولار ).

وضعية مالية صعية

قال الخبير الاقتصادي عز الدين بن سعيدان إنّ عددا من المصارف التونسية تعيش وضعا صعبا وأنّ الوضعية المالية لهذه المصارف في حاجة إلى التدخّل حتى لا تصل درجة الإفلاس مشيرا إلى أنّ وضعية المصارف العمومية أصعب بكثير من المصارف الخاصة.

وأكد الخبير بن سعيدان في تصريح لـquot;إيلافquot; ضرورة التصرف في حسن إدارة المخاطر التي تحدق بهذه المصارف وذلك مقارنة بحجم الديون التي تعاني منها والتي يصعب استرجاعها، مشيرا إلى أنّ هذه الديون الكبيرة بلغت مع نهاية العام الماضي 2012 حوالي 19 % أو ما يساوي 10 آلاف مليون دينار أي حوالي ثلث ميزانية البلاد (أكثر من 27 ألف مليون دينار) وهو ما يمثل عبئا كبيرا على الإقتصاد الذي يعاني من الركود بعد الثورة.

وأوضح أنّ وكالات الترقيم الدولي تولي اهتماما كبيرا وتراقب طرق التصرف في المصارف التونسية وطريقة التعاطي مع المخاطر التي تحدق بها نظرا لتأثيرها الكبير.

وأعلنت وكالة موديز بداية شهر مارس الماضي عن تخفيضها الترقيم المسند لخمسة مصارف وهي الشركة التونسية للبنك والبنك العربي لتونس والبنك الدولي العربي لتونس وبنك الأمان والبنك التونسي.

وعلّلت ذلك بتدهور المناخ العام في علاقة مع الاقتصاد الكلي المحيط بالنظام البنكي والذي أثر سلبا على مقدرات هذه البنوك وعلى ربحية نشاطها وعلى قدرتها عل استقطاب رؤوس الأموال، موضحة أنّ هذا التخفيض يعود إلى محدودية الإمكانات المالية للدولة وعدم قدرتها على مساعدة هذه البنوك على مجابهة المصاعب التي تعانيها.

شروط صندوق النقد الدولي

أشار الخبير الاقتصادي عز الدين بن سعيدان إلى أنّ تونس تتفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطا غالبا ما تكون صعبة، مبينا أنّ تونس لم تقترض من هذا البنك منذ 1986 وهو ما يشير إلى أن الإقتصاد يعيش وضعا دقيقا مشابها لذلك الذي عاشته تونس في نهاية الثمانينات والذي تطلب إجراءات عاجلة لإصلاحات هيكلية.

حلول ممكنة

تتمثل الحلول الممكنة في حسن التصرف في المخاطر المالية من خلال الاستثمار في الكفاءات البشرية والتكنولوجيا، كما أنّ البنك المركزي التونسي مطالب بالعمل على خلق إستراتيجية واضحة، والعمل على تنفيذها بسرعة حتى تكون قادرة على مساعدة البنوك حتى تلتحق بركب منظومة بازل 2 قريبا جدا، مشيرا إلى تونس لم تنخرط في منظومة التصرف في المخاطر بسبب غياب البرنامج الواضح.

وكان حزب التحرير نظم وقفة احتجاجية بساحة القصبة بتونس العاصمة أخيرا على خلفية زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى تونس.

وزار وفد ممثل لصندوق النقد الدولي قبل أيام تونس لمواصلة المفاوضات مع الحكومة حول منح تونس قرضا ائتمانيا احتياطيا بقيمة 2.7 مليار دينار.

عمليات تدقيق شامل

تحدث محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري حول وضعية البنوك العمومية قائلا:quot; إن البنوك العمومية تشكو من بعض الصعوبات لذا تم اتخاذ قرار إخضاعها إلى عمليات تدقيق شامل.quot; متوقعا أن تفرز هذه العملية قبل موفى 2013 تصورا واضحا لمعالجة هذه الإشكاليات ويمكن أن يتمثل هذا التصور في إحدى الفرضيات التالية: تصحيح مسارها مع الإبقاء على حالها أو دمجها في إطار إحداث قطب بنكي عمومي أو خوصصة جزء منها في إطار شراكة مع القطاع الخاصquot;.

وقدم البنك المركزي التونسي التوضيحات التالية تفاديا لكل التأويلات من خلال بيان اطلعت عليه quot; إيلافquot;: إن البنوك العمومية تحتل مكانة محورية في تمويل الاقتصاد وعلى هذا الأساس، فإن تحديد مستقبل هذه البنوك سواء بدمجها وإحداث قطب بنكي عمومي أو بخوصصة البعض منها في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص تظل من مشمولات الدولة بصفتها المساهم المرجعي ويتم ذلك على أساس ما تقتضيه أولوياتها الاقتصادية والمصلحة الوطنية مع مراعاة مصالح جميع الأطراف المعنية لا سيما الاجتماعية منهاquot;.

وأبرز البيان أنّ quot; المشاكل المالية التي تواجهها بعض البنوك العمومية والتي مردها بالأساس تحملها القسط الأوفر في تمويل التنمية وبعض الإخلالات على مستوى أنظمة حوكمتها وإدارة مخاطرها ليست بالحدّة التي تهدد ديمومتهاquot;، كما أنّ :quot;عملية التدقيق الشامل التي ستخضع لها البنوك العمومية أقرتها الدولة في نهاية 2011 وليس البنك المركزي التونسي بهدف الوقوف على نقائص هذه البنوك وإرساء برامج تصحيحية لإعادة هيكلتها على أسس متينة وسليمة بما يوفر لها مقومات الصلابة المالية و العملياتية ويعزز تموقعها وقدراتها التنافسية بغية إعطاء دفع جديد لنشاطها وفاعليتها في تمويل الاقتصادquot;.

وقد طالبت الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية بفتح ملفات الفساد والتتبع القضائي لكلّ من تورّط في منظومة الفساد الاداري والمالي والاقتصادي التي شكّلت إحدى أهمّ العوائق للارتقاء بالنظام البنكي والمالي، من التفويت في عديد المؤسسات للعائلة الحاكمة، إلى شطب ديون رجال الأعمال المتنفّذين، إلى تحويل موارد التمويل من الجهات المحرومة إلى مشاريع تبييض الأموال.

تعصير نظم المعلوماتية وقواعد التسيير

قال الكاتب العام للجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية عبدالحميد الجلالي في بيان إنّ العراقيل والصعوبات التي تواجهها البنوك التونسية ليست متعلقة بملكية رأسمالها بقدر ما هي مرتهنة بأسباب أخرى منها تعصير نظمها المعلوماتية و قواعد التسيير والحوكمة الرشيدة الخاصة بها سواء من طرف البنك المركزي أو وزارة المالية.

أضاف:quot; المنظومة المالية والمصرفية جميعها وليست البنوك العمومية فقط، تستوجب معالجة جذرية في إطار حوار وطني شاملquot;، مؤكدا أنّ هذا الخيار يندرج في إطار الليبرالية المتوحشة التي ستعصف بما تبقى من السيادة المالية الوطنية بما يجعل الاقتصاد الوطني مرتهنا وخاضعا لإرادة الدوائر المالية الدوليةquot;.

وقال وزير المالية الياس الفخفاخ إن البنوك العمومية تخضع اليوم إلى مراجعة وتدقيق شامل حيث سيتم إجراء دراسة لتطوير البنوك المختلطة في حين تطمح البنوك الخاصة بدورها إلى التفتح على أسواق الدول المجاورة وفي إفريقيا.