يجمع الخبراء على أن موسكو لن تغالي في عقوباتها ضد أنقرة، لأن تداعيات هذه العقوبات سترتد على الاقتصاد الروسي نفسه.

بيروت: قال محللون وخبراء اقتصاديون إن تداعيات عقوبات موسكو ضد أنقرة لن تقتصر على تركيا، بل ستطال الاقتصاد الروسي أيضًا، متوقعين أن تؤدي& هذه العقوبات الى&تراجع في النمو الاقتصادي السنوي التركي بنسبة 0.5 في المئة في المرحلة الأولى، أي بشكل مباشر.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر فرض عقوبات اقتصادية على تركيا بعدما أسقطت مقاتلات تركية مقاتلة روسية متطورة من طراز "سوخوي 24" اخترقت الأجواء التركية بينما كانت تنفذ طلعاتها في الأجواء السورية.

الصادرات التركية إلى روسيا مستهدفة بهذه العقوبات، فالبضائع التركية تشكل ربع واردات روسيا من الأطعمة. فأنقرة تتولى تغطية حاجة روسيا من الخضار والفاكهة، لهذا تركت أنباء احتمال شمول الخضار والفاكهة بهذه العقوبات خشية روسية.

وبين وليام جاكسون، الاقتصادي المختص بالأسواق الناشئة، في حديث لشبكة سي أن أن بالعربية أن محاولة روسيا تعويض نقص الأطعمة التركية من مناطق أخرى سيكون على حساب الثمن، فسترتفع أسعار المواد الغذائية في أحوال تفرض فيها أوروبا وأميركا عقوبات اقتصادية ضد روسيا بعد تدخلها في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.

خسائر روسيا

وتتجسد أهم الصادرات التركية لروسيا في الحمضيات والطماطم والمنسوجات والسيارات وقطع الغيار ولوازم المركبات البرية، في حين تشكل أهم الصادرات الروسية لتركيا الغاز الطبيعي والنفط الخام وزيت المحركات والقمح والألمنيوم الخام وخردة الحديد والصلب.

وتحتل تركيا المرتبة السابعة كمستوردة للسلع الروسية، في حين يعتبر السوق الروسي ثاني أكبر سوق للمقاولين الأتراك الذين نفذوا فيه خلال العام الماضي مشاريع بقيمة تزيد على ثلاثة مليارات دولار. كما احتل الروس المرتبة الثالثة كأكثر جنسية أجنبية اشترت عقارات في تركيا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، ويوجد أكثر من سبعمئة محل تجاري تابعة لأكثر من ثلاثين علامة تجارية تركية في روسيا.

أهم مسألة اقتصادية تربط بين البلدين هي الغاز الطبيعي. وبسبب حصار الغرب على روسيا بعد تدخلها في أوكرانيا، يعاني الاقتصاد الروسي انكماشًا كبيرًا وصل قمته في خلال الأشهر القليلة الماضية.

فهذا الاقتصاد الروسي يعتمد أساسًا على ما يحققه من أرباح من بيع الغاز الطبيعي، ولهذا يرى المراقبون ان بوتين لن يغالي كثيرًا في كبريائه، ولن يقطع مصدرًا مهمًا لبلاده مثل تركيا، فإيقاف تصدير الغاز الطبيعي عبر تركيا يزيد من الصعوبات التي يواجهها الروس اقتصاديًا.

ورأى الخبير الاقتصادي التركي إمري ديليفالي في التصريحات الروسية ضد الاقتصاد التركي ردة فعل رمزية، يهدف بوتين منها الى&&الحفاظ على ماء وجه روسيا، وتهدئة خاطر الرأي العام الروسي لا أكثر، مستبعدًا أن يلغي الروس مشاريع كبرى ينفذونها في تركيا مثل المفاعل النووي ومشروع "ترك ستريم" للنقل ، فهذه الاتفاقيات معقدة ولا يمكن إلغاؤها ببساطة.

ضغط على أنقرة

أما دونغ مان يوان، الخبير الصيني في الشؤون التركية، فشرح أن تركيا تواجه ضغوطًا كبيرة على اقتصادها فإذا أوقفت روسيا إمداداتها من الغاز لتركيا مثلما فعلت مع أوكرانيا سيكون هذا الشتاء قاسيًا على الأتراك.

وقال جاكسون: "من بين أبرز الأمور التي سيتأثر فيها الاقتصاد التركي جراء العقوبات الروسية هو قطاع السياحة، باعتبار أن 4.5 ملايين سائح روسي زاروا تركيا في العام 2014 ورفدوا الاقتصاد التركي بثلاثة مليارات دولار، أي ما يعادل 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي التركي".

إلا أن الأثر التركي لا يقتصر على الاقتصاد، فتركيا تواجه تحديات أمنية كبيرة، تعظّمها العقوبات، ربما تهدد مكانتها الجيو-سياسية في المنطقة، خصوصًا أنها من الدول المؤثرة أولًا في الميدان السوري، وتاليًا في القرار الاقليمي.

والخوف التركي هنا يكمن في أن تقدم روسيا، انتقامًا، على تعزيز روسيا دعمها للأكراد في شمال سوريا، محفزة حركة الاستقلال الكردية في جنوب شرق تركيا بقيادة حزب العمال الكردستاني، في إحتواء استراتيجي لتركيا قد يطول أمده. هذا الاحتواء، والتدهور في العلاقات التركية الروسية قد يقلصان حيّز الحركة أمام تركيا في الشرق الأوسط، ويؤثر في مكانتها الجيو-سياسية. وهذا يهدد شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، محليًا ودوليًا، ويشكل تحديًا فعليًا لحكومته الجديدة.