تسعى الجزائر وروسيا إلى بناء شراكة استراتيجية حول مختلف المجالات، وإلى تعزيز العلاقات وتمتينها بين البلدين، وقد تم التوقيع على اتفاقيات مشتركة في مجال الطاقة والسلاح والثقافة.
الجزائر: اختتم الوزير الأول عبد المالك سلال اليوم الخميس زيارته الرسمية إلى روسيا التي دامت يومين، وتوجت بالتوقيع على عدة اتفاقات في مجال الطاقة والسلاح والثقافة، كما كانت فرصة لتقييم العلاقات بين البلدين اللذين لطالما كان تعاونهما متينًا.
والتقى سلال خلال الزيارة نظيره الروسي ديميتري مدفيديف ورئيسة مجلس فيدرالية روسيا (الغرفة العليا) فالنتينا ماتفيينكو ومع رئيس الدوما (الغرفة الدنيا للبرلمان الروسي) سيرغاي ناريشكين، غير انه لم يلتق الرئيس فلاديمير بوتين.
اتفاقات
وترأس سلال مع مدفيديف منتدى اقتصاديا جمع المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين بنظرائهم الروس، والذي تم خلاله التوقيع على خمسة اتفاقات تعاون في مختلف المجالات تتمثل في "مذكرة تفاهم في مجال السكن وبرنامج تعاون ثقافي جزائري روسي 2016-2018 واتفاق تعاون بين وكالة الأنباء الجزائرية ووكالة الأنباء الروسية "روسيا سيغودنيا".
ووقع البلدان أيضا مذكرة تفاهم بين محافظة الطاقة الذرية الجزائرية (كومينا) وهيئة الدولة الروسية (روساتوم)ـ ومذكرة تفاهم بين الوكالة الجزائرية لترقية وتطوير الحظائر التكنولوجية ومؤسسة سكولكوفو الروسية.
وبحسب صحيفة "كومرسنت" الروسية، فان سلال بحث مع مدفيديف أيضا عقود الاسلحة بين البلدين، حيث تصنف الجزائر في قائمة أولى زبائن موسكو في المجال العسكري. وكشف وزير الصناعة والمناجم الجزائري عبد السلام بوشوارب أن البلدين "بصدد استكمال مشروعين كبيرين لتحويل الفوسفات قد يتم تجسيدهما في الأيام المقبلة في الجزائر العاصمة".
وأضاف أن المفاوضات متقدمة بين معهد روسي والمجمع الصناعي العمومي الجزائري "منال" من أجل تجسيد مشروع كبير لاستغلال و تحويل المواد المنجمية المكتشفة بصفة مشتركة. وأشار إلى المشروع الذي تم وضعه بالتعاون مع المجمع الروسي لصناعة قاطرات لصالح الشركة الجزائرية للنقل بالسكك الحديد.
ووقع البلدان أيضا مذكرة تفاهم وتعاون اقتصادي في ختام أشغال للمنتدى الاقتصادي الذي جمع حوالى 500 رجل أعمال من كلا البلدين.
تعاون نفطي
وكشف سلال عن سعي الجزائر إلى التعاون مع شركة "غازبروم" الروسية، بما في ذلك مجال إنتاج الغاز الصخري. وقال: "لدى غازبروم خطط محددة للتعاون معنا، نفكر في إنتاج الغاز الصخري. الجزائر تحتل المرتبة الثانية أو الثالثة من حيث احتياطات الغاز الصخري، ولدينا إمكانية لإيجاد سبل للتعاون في هذا المجال".
وشكلت تقلبات أسعار النفط جانبا مهما من مباحثات سلال مع المسؤولين الروس. وذكر الوزير الأول الجزائري أن بلاده ترى ضرورة ضبط أسعار النفط، للتخلص من تأثيرها على الاقتصاد، وقال: "نحن نعتقد أنه من الضروري حل قضية أسعار النفط للتخلص من أداة الضغط هذه على الاقتصاد، ونحن بحاجة إلى تسوية هذه المسألة".
أما ديميتري ميدفيديف، فبين أن الأكثر أهمية لروسيا وغيرها من الدول المنتجة للنفط هو استقرار أسعار النفط وليس ارتفاع أسعاره. وقال: "نرى لنا مصلحة في أن تكون أسعار النفط مستقرة وتغطي نفقات الشركات النفطية وتتيح لها التكسب وتحقيق الإيرادات على الاقتصاديات وليس أن تكون مرتفعة إلى أقصى حد".
شراكة استراتيجية
وفي تصوره للشراكة بين البلدين، أكد سلال ان تعزيزها "يعد بالتأكيد مفيدا وايجابيا" للبلدين، مبينا أن ذلك ممكن بالنظر لتوفرها على "مقومات معتبرة". وقال إن بلاده عازمة على جعل روسيا "شريكا استراتيجيا وأن تقيم مع مؤسساتها علاقة استثنائية".
ودعا المتعاملين الروس إلى "الاستثمار في الجزائر، لاسيما في مجالات الطاقة والنقل والمناجم والفلاحة والسياحة والتكنولوجيات الحديثة للاعلام والاتصال وكذا البناء". وقال إن "الجزائر بلد منفتح وإن المتعاملين الروس المعروفين والمقدرين مرحب بهم".
وعدد سلال المزايا التي توفرها بلاده، منها "الاستقرار السياسي والاقتصاد الكلي المستديم ووفرة الطاقة واليد العاملة المؤهلة وحركية السوق المحلية وشبكة منشآت قاعدية جديدة وفعالة"، كما توفر "آفاقًا حقيقية وواعدة للمضي قدما معا إلى أسواق ناشئة لاسيما في أفريقيا".
تشاور سياسي مستمر
وكانت زيارة الوزير الأول الجزائري فرصة لتأكيد البلدين على مواصلة تقارب نظرتهما السياسية لمختلف القضايا الدولية، والتي لم تتغير منذ عهد الاتحاد السوفياتي. واكد مسؤولو البلدين استمرار تشاورهما بشأن مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأكد الوزير الأول عبد المالك سلال "ثبات الموقف الجزائري" إزاء الأزمات التي يشهدها العالم، خاصة ما تعلق بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها كمرحلة نحو الحل ، في إشارة إلى دعم بلاده التام للقضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية.
وقال سلال أثناء عقده ندوة صحافية مشتركة مع مدفيديف إن "موقف الجزائر ثابت بشأن جميع المسائل: نحن نؤيد احترام حق الشعوب في تقرير المصير". وشدد على ضرورة أن "تكون الحلول سلمية وعادلة وتأخذ في الاعتبار الشرعية الدولية". وأشار إلى أن الجزائر وروسيا "اتفقتا على تفضيل مبدأ التشاور في معالجة جميع الأزمات"، مؤكدا أن البلدين "يتشاطران الرؤى نفسها حول معظم المسائل" المطروحة في الوقت الراهن.
وبدوره، أكد رئيس الحكومة الروسي إلى "تقارب وجهات النظر بين الجزائر وموسكو حول أسباب اندلاع النزاعات"، وتأسف لـ"الوضع العام المتوتر بعدة مناطق عبر العالم".
وبشأن تسوية الأزمات التي تعيشها الشعوب في سوريا وليبيا والصحراء الغربية، لفت ميدفيديف إلى أنه "لا توجد تسوية سهلة". وشدد على ضرورة "احترام القانون الدولي والبحث عن حل وسط بين جميع أطراف النزاع".
أفق جديد
وصنف حسين خلدون عضو المكتب السياسي في حزب جبهة التحرير الحاكم المكلف بالإعلام هذه الزيارة في خانة بحث الجزائر عن أسواق جديدة لاقتصادها، وبناء شراكات برؤية جديدة.
وقال خلدون لـ"إيلاف" إن الزيارة تندرج في إطار السياسة الاقتصادية الجديدة التي تنتهجها الجزائر بعد تعديل الدستور الذي يرسي منظومة اقتصادية للخروج من وضعياتنا الاحتكارية والبحث عن أسواق أخرى ومناطق أخرى للتعامل الاقتصادي".
وأضاف أن "روسيا بالنسبة للجزائر شريك استراتيجي، واقتصادها شبيه بالاقتصاد الجزائري، والسياحة والفلاحة تشكل المخرج الأمثل للاقتصاد الجزائري وهي القطاعات التي قد تكون مجالا للشراكة بين البلدين وفق منطق "رابح –رابح".
ويرى خلدون أن هذه الزيارة هدفها هو إخراج التعاون الاقتصادي بين البلدين من قطاع الطاقة والدفاع إلى ميادين جديدة للشراكة تعود بالنفع على البلدين، مبينا أن الدبلومسية الجزائرية الجديدة ستبنى على منطق المصالح الاقتصادية، وليس وفق مبدأ العاطفة الذي انتهج بعد استقلال البلاد.
التعليقات