عبد الاله مجيد: تنفذ تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية برنامجاً من المشاريع الاستعراضية العملاقة تبلغ كلفتها نحو 200 مليار دولار، أو أكثر من ربع اجمال الناتج المحلي، نصفها تقريباً يُستثمَر في اسطنبول وحدها.
ولكن اعباء مالية اخذت تهدد البرنامج مع توالي الأزمات على تركيا في عهد اردوغان، بما في ذلك هجمات ارهابية في المدن التركية وحرب دموية في المناطق الكردية جنوب شرق البلاد ومحاولة انقلابية فاشلة اعقبتها حملة تطهيرات سلطوية شعواء، وهبوط عائدات السياحة هبوطاً حاداً نتيجة هذه الأوضاع.
وتشمل المشاريع العملاقة بناء مطار في اسطنبول بكلفة 24 مليار دولار من المخطط ان يكون أكبر مطار في العالم، وطريق سريع طوله نحو 400 كلم يربط اسطنبول بمدينة ازمير، واكبر هذه المشاريع ما زال قيد التخطيط وهو شق قناة ستكون بمثابة "بوسفور آخر" بموازاة مضيق البوسوفر الأصلي، يربط البحر الأسود ببحر مرمرة لتخفيف ازدحام حركة السفن عبر المضيق.
افتتاح جسر يافوز
وتبدت القيمة السياسية لمثل هذه المشاريع في افتتاح جسر يافوز سلطان سليم الذي كلف بناؤه 3 مليارات دولار وهو ثالث جسر معلق على مضيق البوسفور، وأعلن اردوغان في حفل افتتاح الجسر في 26 اغسطس ان المثل التركي يقول "حين يموت الحمار يترك سرجه وحين يموت الانسان يترك اعماله. ونحن سنُذكر بأعمالنا".
وبررت الحكومة حجم برنامجها الانشائي الضخم بدعوى تمويله من القطاع الخاص ولكنها أُجبرت على ضمان مشاريع تتعلق بالبنية التحتية من المال العام بسبب فشلها في استدراج ممولين, وتضافرت مشاكل بيئية ومخاوف سياسية مع الفساد وسوء الادارة وشكوك في الجدوى الاقتصادية لابعاد المستثمرين الأجانب عن عدد من أكبر هذه المشاريع مثل مطار اسطنبول ، ولاقى القطاع الخاص التركي نفسه مصاعب كبيرة لجمع الأموال المطلوبة.
واعلنت الحكومة مؤخرا استحداث صندوق ثروة سيادية للمساعدة في تمويل هذه المشاريع، ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن اتيلا يشيلادا الباحث في شركة غلوبال ريسورس بارتنرز قوله "ان هناك الكثير من علامات الاستفهام على هذه المشاريع، وهي من حيث الأساس مشاريع "أنا" اردوغان".
زيادة العجز المالي
ويرى الخبير الاقتصادي مصطفى سونميز "ان هذه المشاريع تهدد بزيادة العجز المالي إذا بدأ صندوق الثروة السيادية الجديد دعمها ولا يستعيد مردوداً منها”، وقال سونميز ان التكاليف الحقيقة لهذه المشاريع ستكون على الأرجح تكاليف بيئية وخاصة في اسطنبول حيث يتطلب بناء جسر يافوز سلطان سليم والمطار الجديد تدمير غابات شمال المدينة تسهم في امداداتها من الماء وتنظف هواءها.
ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن سونميز "ان هذه المشاريع باهظة الكلفة على اسطنبول وان اردوغان يستخدم اسطنبول كالبترول أو الغاز السائل ـ بموقعها وارضها. وهو يستخدم خصوصيات اسطنبول هذه مصدر قوة له".
ويتبدى هذا الاستخدام بأسطع اشكاله في مشروع بناء مسجد تشامليجا ذي الدلالة الرمزية الكبيرة. فخلال ايام الامبراطورية العثمانية كان السلاطين الكبار يتركون بصمتهم على المدينة ببناء مساجد كبيرة فيها. ويريد اردوغان ان يتفوق عليهم جميعاً ببناء مسجد أكبر من مساجدهم. فان مسجد السلطان سليمان القانوني، اكبر مساجد اسطنبول، يبدو بمآذنه الأربع قزماً بالمقارنة مع مسجد تشامليجا ذي المآذن الست الذي يبنيه اردوغان. ويعتقد كثير من الاتراك ان اردوغان يعتزم ان يجعل المسجد ضريحه على غرار السلاطين العثمانيين من قبله.
ويقول الباحث يشيلادا "ان بناء مسجد على قمة تل تشامليجا يمكن رؤيته من مسافة 30 كلم يعني ان الجميع سيتذكرون المبنى وليس الذين بنوه وهذا أمر محزن. فنحن بحاجة الى الاستثمار في البشر وليس في الأبنية".
أعدت ايلاف المادة عن صحيفة كريستيان ساينس مونتر
المادة الأصل هنا
التعليقات