«إيلاف» من القاهرة: طالب أعضاء مجلس النواب المصري، الرئيس عبد الفتاح، بإقالة محافظ البنك المركزي، طارق عامر، بسبب الآثار الكارثية لقراره "تعويم الجنيه"، الذي أعلنه في 3 نوفمبر الماضي، وبينما يعاني المصريون ارتفاعا حادا في الأسعار بلغ نحو 200 بالمائة، أعلنت 9 جمعيات للمستثمرين أنها تعرضت لخسائر بلغت 100 بالمائة من رؤوس الأموال، وطالبت السيسي بالتدخل، لإنقاذها من الإفلاس.

اتهم نواب بالبرلمان المصري، محافظ البنك المركزي ورئيس الحكومة شريف إسماعيل، بتضليل الرأي العام، حول فوائد قرار التعويم، وطالبوا بإقالته من منصبه، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، والارتفاع الجنوني في أسعار السلع، لاسيما السلع الغذائية.

وأعلنت لجنة الخطة والموازنة في البرلمان أنها تلقت طلبًا وقّعه 190 نائبًا لمقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بهدف التحاور معه حول الأزمة الاقتصادية، وموجة ارتفاع الأسعار التي طالت كافة السلع والخدمات، ورفع النواب طلبًا إلى السيسي بإقالة طارق عامر محافظ البنك المركزي، وتغيير المجموعة الوزارية الاقتصادية لإعادة قيمة الجنيه مرة أخرى وجذب المستثمرين.

وقال النائب إبراهيم مصطفى، عضو لجنة الخطة والموازنة في البرلمان، إن اللجنة تلقت مذكرة موقعًا عليها عدد كبير من نواب البرلمان يطالبون فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة التدخل، وإقالة طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري؛ متهمًا إياه بأنه "المسؤول مباشر عن قرار تعويم الجنيه الذي تسبب بتحقيق كوارث اقتصادية للمصريين على مدار الشهرين الماضيين" .

إقالة وزراء

وأضاف لـ"إيلاف" أن مطالب النواب شملت أيضًا ضرورة إقالة وزراء المجموعة الاقتصادية فورًا، بعد فشلهم في وقف ارتفاع الأسعار، وعدم وجود خطة واضحة لجذب الاستثمارات الأجنبية لمصر منذ عقد المؤتمر الاقتصادي في العام الماضي .

ولفت إلى أن "قرار تعويم الجنيه ثبت بالدليل القاطع فشله، مشيرا إلى أنه "لم يستطع حتى الآن وقف ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري، رغم تأكيد الحكومة أن قرار تعويم الجنيه سوف يصب في صالح الجنيه المصري، ويحقق تراجعًا كبيرًا للدولار، وهذا ما لم يحدث. ودعا إلى ضرورة "محاسبة من تسببوا بإصدار هذا القرار العشوائي ومن بينهم محافظ البنك المركزي المصري".

ويحمل رئيس شعبة المستوردين، أحمد شيحة، قرار تعويم الجنيه المسؤولية عن الأسعار الجنونية في أسعار السلع، وقال لـ"إيلاف" إن "أسعار السلع قفزت في مصر بما يقرب من 200% نتيجة تعويم الجنيه والذي تسبب بارتفاع الدولار الجمركي"، مشيرًا إلى أن "تعويم الجنيه هو السبب الرئيس في زيادة الأسعار غير الطبيعية التي نشهدها حاليًا، وكان يجب عدم التسرع في هذه الخطوة، في الوقت الحالي".

نتائج عكسية

في السياق ذاته، قال الدكتور محمد مختار، عضو جمعية المستثمرين المصريين، إن البنك المركزي اضطر إلى إصدار قرار تعويم الجنيه، من أجل الحصول على قرض صندوق البنك الدولي، بقيمة 120 مليار دولار، والقضاء على السوق السوداء للدولار، وجذب الاستثمارات، وتقليل الفجوة في عجز الميزانية.

وأضاف لـ"إيلاف" أن هناك نتائج عكسية، مرجعًا ذلك إلى أن الحكومة لم تكن مستعدة لمواجهة سلبيات قرار التعويم في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها الدولة، ما تسبب بحدوث ارتفاع كبير في الأسعار، وكذلك ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه لمستوى غير مسبوق، وسط عاجزة تلك الحكومة عن فعل أي شيء .

واعتبر أن قرار تعويم الجنيه تسبب بكوارث اقتصادية لمصر سوف تظهر نتائجها الكبرى في عام2017، موضحًا أن أبرزها تعثر وإفلاس لبعض الشركات بسبب المديونية الدولارية التي تضاعفت قيمتها بالجنيه المصري نتيجة التعويم، وبالذات للشركات التي ليس لديها موارد أو إيرادات دولارية، كذلك تدهور المراكز المالية لمعظم البنوك نتيجة ديون دولارية واعتمادات مفتوحة ومكشوفة قبل التعويم، كذلك عدم توفر العديد من السلع المستوردة وقطع غيار السيارات والأجهزة والمعدات بسبب انعدام المخزون الكافي منها.

لكنه يرى في الوقت نفسه، أن تغيير محافظ البنك المركزي والمجموعة الوزارية لن يكون الحل الأمثل لمواجهة سلبيات قرار تعويم الجنيه، لافتًا إلى أن المطلوب من الحكومة سرعة مواجهة تداعيات وسلبيات قرار التعويم عن طريق سرعة إصدار قانون الاستثمار الجديد، والعمل على جذب الاستثمارات الخارجية لمصر.

ودعا الحكومة إلى مراقبة الأسواق، ووضع حد لظاهرة تجار السوق السوداء، الذين يعطشون الأسواق من السلع ويرفعون أسعارها بشكل مبالغ فيه.

كما دعا الحكومة إلى سرعة العمل على حل أزمة تراجع السياحة لكونها الحل الوحيد لتوفير الدولار وبالتالي انخفاضه أمام الجنيه.

إفلاس شركات

وتسبب القرار بإفلاس نحو مائة شركة، وأطلقت 9 جمعيات للمستثمرين، تضم المئات من الشركات، استغاثة بالسيسي، لمساعدتهم على تحمل نتائج القرار، ونشرت الجمعيات استغاثتها في العديد من الصحف القومية والخاصة، وقالت إن "الشركات الصناعية والتجارية الكبرى التي تعمل في مجال الصناعة والتجارة والتي تتولي مسؤولية استيراد السلع الإستراتيجية والقمح والدواء وقطع الغيار ومستلزمات الإنتاج من الخارج غير قادرة على مواصلة العمل عقب قرارات تحرير سعر الصرف، ما سبب بالغ الضرر على كافة المعاملات في المجالات الصناعية والتجارية".

وأضافت جمعيات المستثمرين أن "البنوك امتنعت عن تغطية كامل الاعتمادات المستندية المفتوحة لاستيراد السلع في حينها وقبل تحرير سعر الصرف، كما أنها طالبت بسداد قيمة المستندات بأسعار اليوم، الأمر الذي سيؤدي إلى خسائر كبيرة تمثل أكثر من 100% من رؤوس أموال الشركات، حيث قامت الشركات باستيراد مستلزمات إنتاج ومواد خام ومنتجات يحتاجها السوق المصرية وتم بيعها بالجنيه المصري بالأسعار التي سبقت قرار التحرير".

 ودعت الجمعيات الرئيس السيسي إلى ضرورة "التدخل لإنقاذها نتيجة مديونيات ضخمة تجاوزت رؤوس أموال الشركات نتيجة فروق الاعتمادات بالعملات الأجنبية ولم تجد الشركات الصدى المرجو لمطالبها".

هزة شديدة للإقتصاد

وحذرت من أن "هذه الأزمة تعرض الاقتصاد إلى هزة شديدة خاصة، وأن المراكز المالية بالعملات الأجنبية ناشئة ومستحقة الدفع قبل تحرير سعر الصرف بفترات ليست بالقصيرة، كما أنه يستحيل على الشركات تدبير العملة الأجنبية حيث إنها لم تتوافر لديها موارد ذاتية من العملات الأجنبية".

وانتشرت أنباء قوية خلال الأيام الماضية، تفيد بقرب استقالة عامر، إلا أن البنك المركزي المصري نفى صحة تلك الأنباء. وقال إن "مدة المحافظ يحكمها الدستور وهي 4 سنوات وهو يعتزم استكمال مدته بالكامل"، واستنكر مجلس إدارة البنك المركزي ما وصفه بـ"الممارسات الإعلامية غير الأخلاقية والأخبار التي تضرّ بالاقتصاد القومي وتمس منصب محافظ البنك المركزي، الذي له تاريخه الكبير في العمل المصرفي والإصلاحي في القطاع المصرفي المصري والعالمي".

وبالمقابل، قال محافظ البنك المركزي طارق عامر، إن قرار تعويم الجنيه له آثار إيجابية كثيرة، مشيرًا إلى أن "البنوك المصرية جذبت نحو 6.9 مليارات دولار منذ تحرير سعر الصرف، من موارد متنوعة من الأفراد وتحويلات المصريين من الخارج إلى جانب المصدرين".

وأضاف في تصريحات له: "تمكنت البنوك من تدبير نحو 9.2 مليارات دولار لتمويل العمليات الاستيرادية، وتمكن العملاء من الحصول على الدولار من البنوك بعد شهور من التوقف".

وأشار إلى أن "مؤشرات البورصة المصرية شهدت خلال عام 2016 نموا ملحوظا جاء في آخر شهرين من العام مدفوعا بتحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي، حيث سجل المؤشر الرئيس أعلى قيمة في تاريخه بلغ " 12420.3"، وتجاوز رأس المال السوقي حاجز 600 مليار جنيه للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وحقق الأجانب أعلى صافي مشتريات " 5.8 مليارات جنيه" في تاريخ البورصة".

وذكر أن "تأثير سياسات الحكومة بما فيها تعويم الجنيه لن تظهر سريعاً"، معتبرًا أن "نتائج التعويم جيدة بشهادة الاّخرين في الخارج، وإنه لولا إجراءات تحرير سعر الصرف وتوقيع قرض صندوق النقد الدولي كانت ظروفنا الاقتصادية ستكون أصعب".

وكان البنك المركزي أعلن في 3 نوفمبر الماضي، تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وارتفع سعر الدولار من 8.88 جنيهات إلى 18.90 جنيهًا، خلال الشهرين الماضيين.