ليست السعودية في عجلة من أمرها لإنقاذ أسعار النفط خلال هذا الصيف بمزيد من تخفيض الإنتاج، بل يمكنها الانتظار لتنتهي الجولة الحالية من التخفيضات، رغم أنها لا تريد طرح أسهم أرامكو للاكتتاب في ظل تراجع أسعار النفط.
إيلاف من لندن: يعتقد مراقبون غربيون أن السعودية غير قلقة من حال السوق الضعيفة على الرغم من التخفيضات التي تم الاتفاق عليها بين "أوبك" بقيادة السعودية، ودول خارج "أوبك"، وعلى رأسها روسيا.
يعزو المراقبون ذلك إلى أن السعودية تسعى جادة إلى تقليل الاعتماد على النفط في السنوات المقبلة، انسجامًا مع رؤية 2030 الطموحة، التي تشمل طرح جزء من أسهم شركة النفط العملاقة أرامكو السعودية في البورصات العالمية، مثل نيويورك ولندن.
يبدو الآن أن لندن هي الأكثر حظًا في تنفيذ عملية الطرح التي ستدرّ على أرامكو عائدًا يتراوح بين 100 و150 مليار دولار، بحسب التقديرات، ما يضع قيمة أرامكو بحدود 2 إلى 2.5 ترليون دولار.
بورصة لندن على رأس المرشحين لتنفيذ طرح أرامكو الأولي في الخارج |
وترغب بريطانيا في تسهيل قواعد إدراج الشركات الحكومية، وهي خطوة تهدف إلى مساعدة لندن على الفوز بالطرح العام الأولي لأرامكو.
وذكرت رويترز سابقًا أن مجموعة بورصة لندن للأوراق المالية تعكف على وضع نوع جديد من هياكل الإدراج سيزيد جاذبيتها لأرامكو كي تنضم إلى البورصة.
أسوأ سيناريو
بحسب "ماركت ووتش"، التي تتخصص في متابعة تحركات أسعار النفط والمشهد النفطي، فإن السعودية ليست في عجلة من أمرها لإنقاذ أسعار النفط في هذا الصيف بمزيد من تخفيض الإنتاج، بل يمكنها الانتظار حتى تنتهي الجولة الحالية من التخفيضات.
تستمر تخفيضات "أوبك" والشركاء خارج "أوبك" بمقدار 1.8 مليون برميل يوميًا لتسعة أشهر أخرى حتى مارس 2018، بحسب القرار الذي اتخذ في مايو 2017. وتعتقد "أوبك" أن الصفقة ستعيد حالة التوازن إلى السوق. لكن على الأرض لا ملامح لانخفاض الإمدادات في السوق. والجدير بالذكر أن إنتاج "أوبك" في يونيو ارتفع إلى 32.7 مليون برميل يوميًا، وهذه أقصى كمية منذ 6 أشهر بفضل ارتفاع الإنتاجين الليبي والنيجيري.
تبقى عودة التوازن إلى السوق بطيئة، وهذا خلق حالًا من الإحباط في صفوف "أوبك"، وحتى في صفوف المتعاملين، حيث إن كل تخفيض من قبل أعضاء "أوبك" يتم إلغاؤه من قبل الإنتاج الأميركي المتزايد.
بطء عودة التوازن إلى السوق خلق إحباطًا لدى أوبك |
يحذر المراقبون من أن الأسواق تعيش حالًا من الترقب الحذر بسبب زيادة الإنتاجين النيجيري والليبي، وقد أعفيا من التخفيضات.
ربما يدفع هذا خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، إلى أن يضع في حيز التنفيذ ما وعد به في مايو الماضي، فالسعودية قد تقوم بالمزيد من التخفيضات، لفتح المجال أمام المنتجين الأكثر عرضة للتقلبات، بسبب المناخ السياسي والأمني.
يعتقد خبراء شركة "آر بي سي" الاستشارية في مجال الطاقة أن ربما الأفضل للسعودية أن تجد طريقة لضم ليبيا ونيجيريا إلى اتفاق خفض الإنتاج، الأمر الذي سيعطي إشارة قوية إلى الأسواق بأن "أوبك" عازمة التزام التخفيض، وأن أعضاءها مستعدون للمشاركة في تحمل المسؤولية.
تدعو إلى القلق
خاب أمل كثيرين من أن التخفيضات المتفق عليها لم تنتج انتعاشة كبيرة في الأسعار. ويحذر الخبراء من أن أسوأ سيناريو سيواجه السعودية هو عودة قوية وكبيرة للمنتجين الأميركيين، ولا سيما منتجي الزيت الصخري والمنتجين التقليديين، وهذا سيفتح الأبواب أمام هبوط الأسعار وتهاويها إلى مستويات متدنية، في وقت تحتاج فيه المملكة أسعارًا قوية لتمويل برامجها الإصلاحية، وتحقيق رؤية 2030.
وبحسب تقارير "ماركت ووتش"، تتركز المخاوف حول انتعاش الأسعار بشكل كبير في عام 2017، الذي قد تكون له نتائج عكسية، حيث سيشجّع على المزيد من الإنتاج الأميركي الذي سيغرق الأسواق. ومن الملاحظ أن أسعار مزيج برنت القياسي أقل الآن بنسبة 15 في المئة منذ العام الماضي، أما أسعار غرب تكساس الوسيط القياسي الأميركي فهي 14.5 في المئة أقل مما كانت عليه قبل عام. وأخيرًا، انتعشت أسعار برنت وغرب تكساس الوسيط بنسبة 3 في المئة بسبب انخفاض المخزونات الأميركية.
رؤية 2030 جاءت منقذًا في الوقت الحرج |
سنرى العكس يحدث إذا ارتفعت المخزونات. فقد تراجعت مخزونات الولايات المتحدة من الخام، بحسب معهد البترول الأميركي أكثر من المتوقع، نحو 8.1 ملايين برميل على مدى الأسبوع المنتهي في السابع من يوليو إلى 495.6 مليون برميل، بينما توقع المحللون انخفاضها 2.9 مليون برميل. وهذا ساعد على انتعاش موقت وطفيف لأسعار النفط.
تطرقت "ماركت ووتش" إلى أهمية الخطة السعودية الطموحة "رؤية 2030"، وقالت إنها جاءت في الوقت الملائم أو الحرج، كما يراها البعض.
وعلى الرغم من برامج التنويع الاقتصادي، ما زال النفط يمثل 70 في المئة من إيرادات المملكة، التي تسعى إلى تخفيض هذه النسبة في السنوات المقبلة، حيث سيصبح النفط وحده عنصرًا من عناصر الاقتصاد، وليس العنصر الأكبر أو الوحيد. وهذا هو مخطط "رؤية 2030".
اكتتاب أرامكو
في أوائل عام 2016، أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي آنذاك، عن نية السعودية طرح جزء من أرامكو للاكتتاب العام، للمرة الأولى في تاريخها، في محاولة اعتبرها البعض إعادة هيكلة للاقتصاد السعودي، ووصفها الإعلام الغربي بصفقة القرن.
اعتبر البعض هذه الخطوة مؤشرًا إلى خطورة وضع الاقتصاد السعودي، حيث تزامن مع ذلك الإعلان؛ إعلان آخر بأن الحكومة ستبدأ خطوات راديكالية تهدف إلى ترشيد الإنفاق والإصلاحات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط.
الأمير محمد بن سلمان أعلن في بداية العام الماضي عن نية السعودية طرح جزء من أرامكو للاكتتاب العام |
أكدت الصحافة العالمية المتخصصة في شؤون المال والأعمال، مثل بلومبيرغ الأميركية وفايننشال تايمز البريطانية، أن الطرح المنتظر لأسهم من شركة أرامكو النفطية السعودية في البورصة سيكون الأكبر في تاريخ البورصة، أكبر 4 مرات في الأقل من الرقم القياسي السابق الذي حققته "علي بابا" الصينية في عام 2014.
الجدير بالذكر أنه تم التغلب على الصعوبات الإجرائية والقانونية كلها التي وقفت أمام الطرح في بورصة لندن، وتناولتها "إيلاف" بالتفصيل في تقرير سابق.
نفوذ أوبك
ما لا شك فيه هو أن تأثير "أوبك" في الأسعار لم يعد كما كان قبل عقود سابقة، مع ظهور منتجين أقوياء على الساحة، ولا سيما في الولايات المتحدة. وسبب آخر لتراجع مقدرة "أوبك" على التأثير في الأسعار هو الصراعات بين المنتجين، سواء أعضاء أوبك من جهة أم من خارجها من جهة أخرى.
يؤمل أن تتمكن السعودية من إقناع جميع الأطراف بالتعاون من أجل المصلحة العامة. لكن وكما يبدو أن معظم الدول المنتجة للنفط تتمسك بحصتها في السوق، وتعتبر ذلك أهم من التضحية ببعض الكميات للحفاظ على سعر فوق 60 دولاراً للبرميل.
الزيت الصخري حفّز السعودية على طرح مشروعات إعادة الهيكلة الاقتصادية |
يعتبر موقع "ماركت ووتش" أن الزيت الصخري وكذلك البحوث في الطاقة البديلة غير الهيدروكربونية حفّز السعودية على طرح مشروعات الإصلاح وإعادة الهيكلة الاقتصادية، ورسم رؤية 2030 الطموحة التي تعني أن العالم تغيّر مع وجود مصادر طاقة بديلة. النفط الخام سيلعب دورًا ثانويًا. فهذه الرؤية أخذت في الاعتبار المستقبل البعيد والاحتمالات والسيناريوهات غير المتوقعة التي تتحضر لها السعودية.
تشاؤم أميركي
يتوقع سيناريو آخر أن تركز أرامكو على عمليات التكرير وعلى الغاز الطبيعي، ومن جهة أخرى يتوقع أن تدرك السعودية أن الطلب على النفط سيتضاءل، ولا فائدة من احتياطات ضخمة. لذلك، ستسعى إلى استهلاك الاحتياطات قبل الآخرين. ويدرك السيناريو تمامًا أن هذا مجرد تخمين، لكنه يحمل في طياته تأثيرات تشاؤمية على أسواق النفط.
لا ترغب السعودية في طرح أسهم أرامكو للبيع في ظل سعر نفطي منخفض |
لكن، من ناحية أخرى، لا ترغب السعودية في طرح أسهم أرامكو للبيع في ظل سعر نفطي منخفض، لهذا ستسعى المملكة إلى بذل الجهود اللازمة للتأكد أن الأسعار في عام 2018 ستكون متوازنة ومستقرة.
ويستنتج سيناريو "بيرنشتاين" أن ذروة الطلب لن تصل إلى أقصى قمتها مدة 15 أو 20 عامًا، كما يبدو أن الطلب سيتلاشى قبل أن تتلاشى الاحتياطات في الآبار. وهذا يعني بقاء كميات هائلة مخزونة تحت الأرض.
التعليقات