هل من أزمة مالية حقيقية في لبنان بسبب الوضع الإقتصادي والمالية العامة المتآكلة فيه، بعد تحذيرات صندوق النقد الدولي ووكالة موديز الأخيرة، وهل من خوف على الليرة اللبنانية؟.

إيلاف من بيروت: أصدر كلّ من صندوق النقد الدولي ووكالة موديز للتصنيفات الائتمانية بياناتهما حول وضع لبنان. وجاء بيان الأول أشدّ لهجة وخطورة، إذ شدد على ضرورة ضبط الدين العام بشكل فوري وكبير، في حين كان بيان موديز أكثر تفاؤلًا رغم أن الوكالة حذرت من أنها ستخفض تصنيف لبنان إذا استمر انخفاض تدفقات الودائع، وزادت، بالتالي، مخاطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات.

في هذا الصدد، يؤكد الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ"إيلاف" أن صندوق النقد الدولي في بيانه الأخير أعلن أن للبنان مقوماته، ولكن يواجه مخاطر كبيرة، على رأسها يبقى موضوع المالية العامة التي فقدت التوازن، ودعا الصندوق الدولي لبنان إلى دفع القيمة المضافة وإزالة الدعم عن الكهرباء بشكل تدريجي، ومحاربة الفساد، وهنأ صندوق النقد الدولي مصرف لبنان على سياسته النقدية، وأنذر بأنه بهذا العجز الموجود لا يمكن الاستمرار.

أزمة مالية
لدى سؤاله هل من أزمة مالية حقيقية في لبنان؟، يجيب عجاقة أن في الاقتصاد هناك 3 مجالات spheres، هناك الإقتصاد أولًا، وهو التعاملات الإقتصادية بين الناس، الاستهلاك والإنتاج وما إلى هنالك، وهناك مجال المالية العامة، أي كل ما له علاقة بمالية الدولة، وهناك مجال النقد، كل ما له علاقة بالعملة.

يبقى أن الإقتصاد والمالية العامة من شأن الحكومة ومسؤوليتها، والنقد يبقى من مسؤولية مصرف لبنان، والدستور يضمن إستقلالية السياسة النقدية، بمعنى أن الحاكم المركزي في معظم الدول يبقى مستقلًا بسياسته النقدية عن السياسة الحكومية التي تعنى بالشأن الإقتصادي والمالي العام.

بالعودة إلى لبنان، يضيف عجاقة، وضعنا الإقتصادي يبقى تعيسًا، بدءًا من الأزمة السورية وما قبلها، والإقتصاد بالمجمل يعيش وضعًا صعبًا جدًا. وكذلك الوضع المالي يبقى تعيسًا، مع عجز مالي يصل إلى 5 مليارات دولار في السنة، مع توظيف في القطاع العام بشكل كبير، والدولة تبقى أول رب عمل في لبنان، وهناك تهرب ضريبي بقيمة 7.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، ما يوازي 4 مليارات دولار سنويًا، وفساد مستشرٍ.

في النهاية، هناك السياسة النقدية، وقد هنأ صندوق النقد الدولي، كما ذكر المصرف المركزي، على سياسته الذي يستوعب فيها وضع لبنان الإقتصادي والمالي. فقد استطاع حاكم مصرف لبنان من خلال أدوات استخدمها، وأهمها الهندسات المالية التي استخدمها أن يثبت قيمة الليرة اللبنانية.

3 مراحل
ويلفت عجاقة إلى أنه إذا أردنا أن نعرف إذا كانت هناك أزمة مالية حقيقية في لبنان، علينا أن نقسم الموضوع إلى 3 مراحل، الأمد القصير أي بضعة أشهر، والأمد المتوسط أي خمس سنوات تقريبًا، والأمد البعيد خمس سنوات وما فوق.

وإذا أردنا التطلع إلى سندات الخزينة في لبنان، أي اليوروبوند، وهي تعرّضت لتراجع في الفترة السابقة، نرى أن سندات الخمس سنوات لا تتأخر في الوضع السياسي، بينما ما فوق الخمس سنوات تتأثر كثيرًا بشكل حاد. ويعود السبب إلى أن المستثمرين العالميين يقولون إن هناك ثقة بالنظام المصرفي بأن يقوم بتمويل عجز الدولة وتمويل الإقتصاد على المدى المتوسط، لكنّ لديهم شكوكاً في ذلك على المدى البعيد.

لذلك يضيف عجاقة لا يوجد حقيقة إنهيار في لبنان وأزمة مالية مع وجود مشكلة في الاقتصاد وفي المالية العامة.

الأزمة الإقتصادية
يشير عجاقة إلى أن الأزمة الإقتصادية بدأت فعليًا بوضعها الحالي في لبنان منذ العام 2011، وتتراكم منذ أكثر من عشرين سنة، والمواطن لا يشعر بأزمة حقيقية إلا عندما تفقد العملة الوطنية قيمتها، وهذا غير موجود حاليًا في لبنان. 

ويوضح عجاقة أن هناك ثقة بالنظام النقدي في لبنان، في ظل غياب اقتصاد قوي وفي ظل مالية عامة متآكلة، مع قدرة تأمين عملة صعبة في لبنان.

يشرح عجاقة الأمر فيقول إن في مصرف لبنان يوجد احتياط 45 مليار دولار، واحتياط الذهب 12 مليار دولار، والمصارف اللبنانية لديها في المصارف الأجنبية أصول ما يوازي 12 مليار دولار، وهكذا يكون لدينا 69 مليار دولار، وحجم الناتج المحلي الإجمالي اللبناني يبقى 50 مليار دولار، من هنا لبنان لديه ما يوازي 140 % من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة إلى قدرة مصرف لبنان أن يؤمن عملات صعبة.

ويلفت عجاقة إلى أنه على المديين القصير والمتوسط لا خوف على انهيار مالي في لبنان، وإذا تشكلت الحكومة بسرعة، وإذا التزمت بما تم إقراره في سيدر1، وإذا نفذت المشاريع المنصوص عليها في سيدر 1 بقيمة 11 مليار دولار، بالعكس نعود إلى فرص استثمارية كبيرة لرؤوس الأموال، مع التذكير بموضوع الناشونال جيوغرافيك، التي صنفت لبنان بأنه ثالث أهم وجهة سياحية في العالم، وكذلك إعادة إعمار سوريا، حيث اختير لبنان كمنصة لوجيستية تستخدمها الدول لإعادة إعمار سوريا، وكذلك الثروة النفطية في لبنان، مع أمل في المستقبل بوضع لبنان الاقتصادي، مع إلزامية أن تتحرك الدولة لتنفذ الإصلاحات التي تبنتها في سيدر 1.