إيلاف من لندن: تنظر الإدارة الأميركية في احتمال اللجؤ إلى مخزون احتياطات الطوارىء البالغ 660 مليون برميل من النفط، لمجابهة الضغوط السياسية في الكونغرس، وموجة احتجاجات المستهلكين على أسعار المشتقات النفطية، ولا سيما البنزين، في محطات بيع الوقود بالتجزئة للسواقين.
تشير الأنباء إلى أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي لإطلاق كميات من النفط الخام من المخزون الاستراتيجي، لكن الخيارات المتاحة تشمل إطلاق 5 ملايين برميل للبيع التجريبي، ورصد مدى تأثيرها في أسعار المشتقات في محطات بيع التجزئة. وربما يتبعها إطلاق 30 مليون برميل بحسب مصادر بلومبيرغ.
ويخاف الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومعه الحزب الجمهوري من أن تستمر الأسعار في الصعود، وأن يخسر عدد كبير من الجمهوريين مقاعدهم في الكونغرس في الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل.
أرتفعت اسعار البنزين بمعدل 63 سنت للغالون قبل أيام، لتصل إلى 2.89 دولار للغالون، وقد تصل إلى 3 دولارات للغالون بحلول أوائل سبتمبر المقبل.
أشد الانتقادات
قبل أسابيع، وجه ترمب أشد انتقاداته إلى منظمة "أوبك" واتهمها بالاحتكار والتلاعب بالأسعار. ويتوقع المراقبون أن يساعد تحرير ملايين من براميل النفط من المخزون الاستراتيجي في تخفيض اسعار الخام موقتًا، لكنها لن تحل مشكلة السائق الأميركي كليًا.
من المرجح إطلاق كميات كبيرة خلال سبتمبر وأكتوبر، اي قبيل الانتخابات النصفية في نوفمبر لمساعدة المستهلكين، علمًا أن الحظر على التصدير الايراني يبدأ في 4 نوفمبر 2018. وبحسب مصادر إخبارية أميركية، وافق الكونغرس على بيع 11 مليون برميل من احتياط النفط الاستراتيجي في أوائل اكتوبر المقبل.
الجدير بالذكر انه تم البدء في بناء المخزونات الاستراتيجية في أوائل السبعينيات بعد أن أوقفت الدول العربية المنتجة للنفط التصدير للغرب. وهذه ليست المرة الأولى، يضطر رئيس أميركي إلى بيع كميات من المخزون الاستراتيجي، حيث لجأ الرئيس الأميركي السابق بل كلينتون في التسعينيات للمخزونات الاستراتيجية لكبح جماح الأسعار في محطات البنزين.
أوبك تضخ
تقول وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري أنه يتعين على أعضاء "أوبك" في الخليج رفع الإنتاج لأقصى المستويات لتعويض خسائر الإمدادات من فنزويلا وإيران وليبيا. ويقع العبء الأكبر على السعودية والتي لديها القدرة الإضافية، لكن المشكلة انه في حال قامت أوبك وروسيا بضخ أقصى ما يمكنها، فلن يبقى في العالم سعة إضافية لتخفيف الأثار المترتبة على نقص كبير في الإمدادات لأي أسباب جيو-سياسية أو تقنية غير متوقعة في المستقبل. وتعهدت السعودية لترمب قبل أسبوع بإنتاج ما لا يقل عن مليون برميل إضافي من النفط لحماية الاقتصاد العالمي من التدهور والمحافظة على النمو الاقتصادي العالمي.
متوقع أن يهبط الإنتاج الفنزويلي إلى أقل من مليون برميل يوميًا قبل نهاية العام الحالي. كما أن تصدير إيران النفطي بدأ يتراجع، حتى إن الصادارت النفطية لأوروبا انخفضت بمقدار 50 في المئة تقريبًا، وهذا يحدث عدة شهور قبل التطبيق الفعلي للحظر الذي سيأخذ حيز التنفيذ في نوفمبر المقبل. وضخّت السعودية 10.46 ملايين برميل يوميًا في يونيو الماضي، وهذا سيزداد في الاسابيع المقبلة وقد يصل إلى 11 مليون برميل.
واذا رفعت السعودية إنتاجها إلى 11 مليون برميل يوميًا في الشهر المقبل، ستكون أكبر زيادة في السعودية خلال شهرين. وهذا يعني أن السعودية تمتلك مليون برميل اضافي فقط من الاحتياطي لمواجهة اي تحديات جديدة تحتاج إلى تعويض الامدادات، ويعادل مليون برميل 1 في المئة من الإنتاج العالمي، لكن هذه الخطوة امر محفوف بالمخاطر.
أزمة امدادات
من ناحية أخرى، سيواجه العالم أزمة امدادات على المدى البعيد حيث تركز الشركات الكبرى على مشاريع قصيرة الأمد كرفع إنتاج الزيت الصخري، وتجاهل مشاريع ضخمة للتنقيب والانتاج كما كان في سنوات سابقة.
في مقابلة مع فايننشال تايمز في الأسبوع الفائت، قال أمين ناصر، رئيس آرامكو السعودية: "الاستثمارات الحالية غير كافية لتأمين إمدادات نفطية تلبي احتياجات العالم من النفط الخام. وسيواجه العالم أزمة حادة بحلول عام 2040. والشركات الكبرى تعطي أولوية لتخفيض التكاليف وتوزيع الحصص الربحية على المساهمين فوق الاستثمار في مشروعات كبيرة لتطوير مقدرة انتاجية ضخمة".
ساهم التطور التقاني في استغلال الزيت الصخري بتكلفة أقل، لكن العالم يعتمد على النفط التقليدي كالذي تنتجه السعودية. وعلى الرغم من ارتفاع إنتاج الزيت الصخري، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد على النفط الخام المستورد من الخارج.
جاءت تعليقات ناصر في الوقت الذي يتم تجهيز 5 في المئة من قيمة أرامكو للاكتتاب العام في بورصات عالمية، لكن رئيس أرامكو اضاف أن السعودية حتى الآن لم تتخذ القرار النهائي بخصوص الطرح الأولي.
تقول وكالة الطاقة الدولية إن انخفاض الاستثمار في مشروعات إنتاجية كبيرة سيؤدي إلى نقص في الإمدادات النفطية في أوائل العشرينيات من القرن الحالي، في وقت يصل الانتاج الصخري فيه إلى ذروته قبل أن يبدأ بالتراجع.
تراجعات استثمارية
بحسب تقديرات شركة "رايستاد" الأميركية لاستشارات الطاقة، ستتراجع الاستثمارات في مشروعات الإنتاج النفطي إلى 443 مليار دولار بحلول عام 2020، نزولًا من 875 مليار دولار في الأعوام 2010-2015. وأحد أسباب التناقص هو انخفاض تكلفة تطوير حقول النفط والآبار وضخ مبالغ كبيرة في تطوير مصادر الطاقة البديلة.
توقعت "أوبك" انخفاض الطلب العالمي على خامها في العام المقبل مع تباطؤ نمو الاستهلاك، وضخ منافسيها المزيد من الإمدادات، ما يشير إلى عودة الفائض في السوق على الرغم من الاتفاق الذي تقوده المنظمة لكبح الإمدادات.
تضيف "أوبك" أن العالم سيحتاج إلى 32.18 مليون برميل يوميًا من النفط الخام من الدول الأعضاء في "اوبك" في العام المقبل، بانخفاض 760 ألف برميل يوميًا عن العام الحالي. وذكرت أن إنتاجها النفطي في يونيو تجاوز توقعات الطلب لعام 2019.
متوقع أن تبقى الأسعار عالية نسبيًا، فوق 70 دولارًا للبرميل. وانهارت من فوق 100 دولار في أواسط عام 2014 إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل في أوائل عام 2016، وسط التخمة في السوق. لكنه تعافى إلى أكثر من 70 دولارًا في الشهور الأخيرة، ووصل إلى 80 دولارًا قبل أسابيع. ولا تزال أسعار النفط فوق 70 دولارًا للبرميل لغرب تكساس الوسيط الأميركي، وفوق 75 دولارًا للبرميل لمزيج برنت القياسي. من غير المعتقد أن هذه الأسعار ستنزل في المستقبل المنظور. وعلى الرغم من الزيادات في الانتاج، ترفض الأسعار الهبوط، وهذا يفسر إمكانية لجوء الإدارة الأميركية لمخزون الاحتياط الاستراتيجي.
التعليقات