إيلاف من لندن: بوينغ شركة عريقة تأسست عام 1916 وبلغ دخل الشركة عام 2017 أكثر من 57 مليار دولار وتوظف 72 الف عامل في الولايات المتحدة في قسم تصنيع الطائرات التجارية. ومن الطائرات التي انتجتها بوينغ منذ تأسيسها 737، 747، 767، 777، و787.

وما لا يعرفه الكثيرون ان بوينغ لديها قسم دفاعي وأمني وفضائي، تم تأسيسه عام 1939 ويوظف هذا القسم 51 الف عامل ويحقق دخلا سنويا لا يقل عن 21 مليار دولار. قسم الدفاع والأمن والفضاء يصنع معدات دفاعية ذات تقنية عالية وتصنع طائرات عسكرية وطوربيدات وصواريخ وأسلحة جوية متطورة، اضافة الى نشاطات في الابحاث والتصنيع في مجال الفضاء الدفاعي. الشركة مهمة في مجال الفضاء ومهمة جدا للاقتصاد الأميركي والأمن القومي.

دخلت طائرات بوينغ 737 الخدمة قبل 5 عقود ولها سجل موثوق في الأمن والسلامة، ولكن طراز 737 ماكس 8 دخل الخدمة عام 2017. وتم انتاج 356 طائرة، والتي تم فرض الحظر عليها ومنعت من التحليق فوق 45 دولة بعد الحادث المؤسف رقم 2 عندما تهاوت الطائرة التابعة للخطوط الأثيوبية. الحادث الأول قبل 5 أشهر&في اندونيسيا لطائرة من نفس الطراز تابعة لشركة لايون اير الاندونيسية.
يعتبر موديل 737 ماكس 8 من ركائز اقتصاد شركة بوينغ.&

أزمات بوينغ

حادثة الطائرة الاثيوبية كانت ضربة هائلة معنويا وماديا لبوينغ لكنها ليست الضربة القاضية. لا شك ان بوينغ ستواجه أشهراً&صعبة وتحديات كبيرة وملاحقات قانونية وطلبات بالتعويض، وستواجه موجة من الالغاءات لطلبات شراء لطائرة ماكس 8.

قامت شركة بوينغ بتسليم 356 طائرة ماكس8 وفي حوزة بوينغ الآن طلبات شراء من مختلف انحاء العالم لتسليم 4661 طائرة في المستقبل وبقيمة تبلغ 600 مليار دولار حسب الفايننشال تايمز. وما يؤرق مجلس ادارة الشركة هو الغاء طلبات الشراء من قبل الزبائن ونزوحهم الى اوروبا لشراء طائرة أيرباص أيه 320.

لذا يعتقد الخبراء ان بوينغ ستحاول عرض تحفيزات وامتيازات لاقناع الزبائن بالعدول عن الغاء طلبات الشراء لطائرات 737 ماكس 8، واقناعهم بالبقاء مع بوينغ وعدم الذهاب لايرباص ايه 320 المنافس الأكبر للماكس 8. وهذا بالضرورة يستدعي ان تقوم بوينغ بتصحيح الخلل في برامج الحاسوب والاشارات والتحكم التي يعتقد انها السبب في سقوط الطائرتين.

وهذه ليست اول مرة تواجه بوينغ أزمة ثقة في طائراتها. في عام 2013 أصدرت سلطة الملاحة الجوية الأميركية أمرًا بايقاف رحلات طائرة "بوينغ دريم لاينر" بسبب مشكلة في البطاريات التي تشتعل تحت ظروف معينة وتم تصحيح الخلل دون عواقب طويلة الأمد. ومن المتوقع ان تقوم بوينغ بتصحيح الخلل في ماكس 8 رغم التكلفة الباهظة.

أيرباص "ايه "320 المنافس الأكبر "لبوينغ 737 ماكس8"

بدأت جذور مشاكل بوينغ عام 2010 عندما دشّنت ايرباص موديل "أيه 320" التي وصفت بحصان العمل الشاق، وميزتها الاقتصاد في استهلاك الوقود، مما أجبر بوينغ على مواجهة هذا التحدي وبدأت البحث عن موديل ينافس الايرباص الاقتصادية. والاقتصاد في استهلاك الوقود مهم جدا للطائرات عندما صعد سعر برميل النفط الى 147 دولارا للبرميل عام 2008 افلست كثير من خطوط الطيران الصغيرة. ومارست خطوط الطيران الأميركية الضغوط على بوينغ بانتاج طائرة اميركية اقتصادية تنافس طائرة ايرباص الأوروبية.&

وأطلقت ايرباصِ موديل أيه 320 أواسط التسعينات وهي ايضا تعتمد على انظمة حاسوبية للتحكم بعملية الطيران وتبعتها بوينغ بطائرة طراز 777 من حيث استعمال الحاسوب، ولكنها احتفظت بميزة "اطار السيطرة التقليدي" ومن المعتقد أن اضافة سمة حاسوبية لمنع التعطل والوقوف المفاجئ&ربما خلق المشكلة التي أدت الى سقوط الطائرة الاثيوبية وهذه مجرد تكهنات اعلامية في هذه المرحلة.

العواقب والتكلفة

وبعد تحطم الطائرة الاثيوبية الذي ادى الى مقتل 157 شخصا، تخضع بوينغ وادارة الملاحة الفيدرالية لضغوط مكثفة للعثور على اجوبة وأخذ الاجراءات التصحيحية. وكان رد فعل اسواق البورصة سريعا وحاسما، حيث فقدت أسهم بوينغ 12.5% من قيمتها في البورصات العالمية خلال يوم واحد بعد سقوط الطائرة الاثيوبية.

تقدر الخسارة بحوالي 30 مليار دولار من قيمة بوينغ السوقية البالغة 240 مليار دولار.

وستواجه بوينغ فاتورة بالمليارات لتعويض شركات الطيران والخطوط الجوية التي تستخدم بوينغ 737 ماكس 8 والمعطلة الآن.

وحتى الآن تم تسليم 356 طائرة من هذا الطراز عام 2017، والتي تم توقيفها. وتم ايضا توقيف 29 طائرة من طراز ماكس 9. وحسب تقديرات من خبراء الطيران تخسر الخطوط الجوية التي تستخدم ماكس8 ما لايقل عن 75 الف دولار يوميا لكل طائرة متعطلة وفي النهاية ستدفع بوينغ تعويضات تقدر بما يزيد عن 2.5 مليار دولار. فضلا عن تعويض ذوي ضحايا تحطم الطائرة.

كانت الصين اول دولة تفرض حظرا على استخدام ماكس 8 ولدى الصين 96 طائرة من هذا الطراز، القرار الصيني &كان صادما لبوينغ ولسلطة الملاحة الجوية الفيدرالية الأميركية وتعرضت السلطة لانتقادات لعدم اصدار اوامر سريعة بايقاف الماكس 8 من الطيران بعد سقوط الطائرة الاثيوبية.

وحسب تحليلات الفايننشال تايمز البربطانية عندما يتم حل المشاكل وتعود 737 ماكس 8 الى الانتاج العادي الكامل ستشكل اكثر من ثلث اجمالي ايرادات بوينغ بحلول 2020 وحوالي 40% من الأرباح. المخاوف من سلامة طائرة "دريم لاينر" ادت الى تعطيل 78 طائرة عام 2013 وبلغت التكلفة لبوينغ 500 مليون دولار لتصحيح الوضع. والآن تم توقيف 356 ماكس 8 موزعة بين 50 شركة طيران وتكلفة التصحيح ستفوق عدة مرات تكلفة تصويب اوضاع الدريم لاينر.

علاقة الرئيس دونالد ترمب ببوينغ

عندما ربح دونالد ترمب الانتخابات الرئاسية عام 2016 تبرعت بوينغ بمليون دولار لصندوق اللجنة المسؤولة عن مراسيم احتفالات تنصيب الرئيس الجديد. ولكن هذا التبرع لن يقدم الحماية لبوينغ من الانتقادات.

واعتبرت شبكة "سي ان ان" أن شركة بوينغ ليست مجرد مصنع للطائرات التجارية، وإنما أحد أهم اللاعبين ذوي النفوذ في واشنطن، نظراً لإنفاقها ملايين الدولارات، كل عام، للتأثير في الكونغرس الأميركي وفروعه التنفيذية.&

وحسب وكالات الانباء، أنفقت بوينغ عام 2018 حوالي 15 مليون دولار على جماعات الضغط في واشنطن وتتبرع بوينغ وموظفوها بملايين الدولارات في كل دورة انتخابية، كان آخرها مبلغ يزيد عن 4.5 ملايين دولار لصالح مرشحين في انتخابات الكونغرس الماضية في 2018.

ومن دواعي السخرية وحتى قبل ان يستلم مهامه الرسمية كرئيس، اشتكى ترمب من التكلفة الباهظة لطائرته "ايرفورس "1 & Airforce 1 الرسمية الخاصة لاستعمال الرئيس، والتي تبلغ 4 مليارات دولار وهدد بإلغاء طلب الشراء وغرّد عن ذلك في ديسمبر 2016.

ولتدارك الأمر، قام دينيس مويلينبرغ الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ بزيارة ترمب في نيوورك للتفاوض معه وأرضاه بخصم 100 مليون دولار من السعر. وانخفض السعر من 4 مليارات دولار الى &3.9 مليارات دولار وأعطت بوينغ ترمب اول مكسب يفتخر به.

ماذا ستفعل بوينغ الآن؟

وفي تطور حديث أعلنت بوينغ، أنها تجري عملية لتحديث برمجياتها الحاسوبية للتحكم في رحلات الطيران على طائراتها بوينغ 737 ماكس، بعد تحطم الطائرة الأثيوبية في الأسبوع الماضي، وأخرى تابعة لشركة لايون إير الاندونيسية في أكتوبر الماضي.

وبعد أن أوضح وزير النقل الأثيوبي داغماويت موغيس أن "هناك أوجه تشابه واضحة بين الرحلتين القاتلتين، اللتين استخدم فيهما نفس الطراز من الطائرة"، أصدر رئيس بوينغ التنفيذي دينيس مويلنبرغ بياناً يوم الأحد 17 مارس قال فيه: "شركة بوينغ تضع حالياً اللمسات الأخيرة على ما أعلن سابقاً عن تحديث للبرمجيات ومراجعة تدريب الطيارين، ما يعالج أداء التحكم في الرحلة وفقاً لنظام الأمان التلقائي، إم سي أيه إس، MCAS في إطار الاستجابة لمدخلات خاطئة لأجهزة الاستشعار"، مشيراً إلى أن التحقيقات لا تزال جارية.