سان بطرسبورغ: تسعى موسكو من خلال المنتدى الاقتصادي الروسي الأبرز الذي تنظمه هذا الأسبوع في سان بطرسبورغ لتوجيه رسالة رغم كل الظروف والأزمات، مفادها أنها سيطرت على وباء كوفيد-19 وأن أبوابها تبقى مفتوحة أمام الاستثمارات رغم الخلافات الجيوسياسية الكثيرة.

ويشدد منظمو المنتدى على أنه أول حدث من نوعه في العالم منذ بدء تفشي الجائحة التي أدت إلى إلغاء كل اللقاءات الدولية الكبرى.

وقال حاكم سان بطرسبورغ ألكسندر بيغلوف "لم ينظم أحد في العالم منذ بدء الوباء حدثا بهذا الحجم وجها لوجه. نحن الأوائل". وسيحضر الرئيس فلاديمير بوتين نفسه الجمعة الاجتماعات التي تستمر من الثاني إلى الخامس من حزيران/يونيو.

غير أن المنتدى الذي عرف في ما مضى بـ"دافوس الروسي" سيكون محدودا أكثر هذه السنة، ما يعكس الخطر الصحي الذي لا يزال قائما، كما تدهور صورة روسيا على الساحة الدولية.

وإن كان الوباء يبرر تغيب البعض، فالواقع أن "منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي" شهد منذ 2014 انحسار قائمة المشاركين الكبار فيه وتراجع عدد العقود الكبرى التي يتم توقيعها خلاله.

وفي 2020 لم تتخطّ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في روسيا 1,4 مليار دولار، أدنى مستوياتها منذ العام 1994.

وإن كان إجمالي الناتج الداخلي الروسي بقي بمنأى نسبيا عن تبعات كوفيد-19 إذ أبقت السلطات الروسية تدابير الحجر والإغلاق محدودة بالمقارنة مع باقي العالم، فإن موسكو تواجه تحديا كبيرا يقضي بإنعاش الاقتصاد الذي يسجل ركودا منذ سنوات.

ورأى كريس ويفر مؤسس مكتب الاستشارات "ماكرو أدفايزوري" أن موسكو تريد أن تقنع الجميع بأنه "لا ينبغي أن ندع السياسة الرديئة تحول دون تحقيق صفقات جيدة".

لكن الواقع أن العلاقات مع الغرب في تدهور منذ ضم القرم عام 2014 وما تلاه من عقوبات فرضها الغرب على روسيا.

واستمر التوتر في التصاعد منذ ذلك الحين، على وقع تسميم المعارض أليكسي نافالني ثم سجنه، وتشديد القوانين لضبط الإنترنت ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية الأجنبية.

ويأمل المشاركون في منتدى سان بطرسبورغ بأن يسمح اللقاء المرتقب بين بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن في 16 حزيران/يونيو في جنيف بإحلال استقرار في العلاقات.

وفي انتظار ذلك، لن يحضر قادة من الصف الأول هذه السنة إلى عاصمة قياصرة روسيا سابقا، وإن كانت قطر ستحل ضيفة شرف على المنتدى، فإن أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سيكتفي بالظهور عبر الفيديو في ظل الأزمة الصحية.

وما مكن السلطات الروسية من تنظيم المنتدى، أنها اختارت انتهاج سياسة تعايش مع العقبات التي يفرضها الوباء.

ويؤكد المشرفون على الحدث الذي نظّم على وجه السرعة في أقل من شهرين، أنهم اتخذوا كل التدابير الصحية الضرورية، مع حدّ عدد المشاركين بخمسة آلاف، أي ربع العدد الاعتيادي، وفرض فحوص كشف الإصابة بشكل إلزامي، ونشر أدوات مبتكرة غامضة على غرار "ضباب بارد مضاد لكوفيد".

غير أن الأجانب الذين يصلون إلى روسيا للمشاركة في المنتدى يكتشفون بذهول نمط الحياة الساري منذ حوالى عام في البلد، حيث تبقى المطاعم وصالات العروض مكتظة وتقام الحفلات والسهرات في الليالي، ويصافح الناس بعضهم وسط غياب شبه تام للكمامات وتدابير التباعد.

ويسجل ذلك في وقت فتك كوفيد-12 بروسيا في الأشهر الـ12 الأخيرة، فباتت من الدول الأكثر تضررا في العالم ولا تزال تحصي آلاف الإصابات ومئات الوفيات يوميا، ولا سيما في سان بطرسبورغ التي تسجل ثاني أعلى حصيلة بين المدن الروسية بعد موسكو.

وإن كانت روسيا تتباهى بأنها طوّرت بسرعة لقاحا أقِرّت فعاليته، فإنها تواجه حملة تلقيح بطيئة جدا في ظل تشكيك مواطنيها باللقاح والسلطات في آن واحد.

وقال جوليوس باكازاروف، المتطوع البالغ 19 عاما القادم من فلاديكافكاز في القوقاز، متحدثا لوكالة فرانس برس "يصل الناس إلى نقاط الدخول ولا يفكرون حتى في وجوب وضع كمامة ولزوم التباعد".

ونادرا ما تشاهد كمامات في أروقة المنتدى، فيما المصافحات كثيرة. وذكرت إذاعة "فونتانكا" المحلية أن متطوعة عمرها 18 عاما قادمة من موسكو نقلت الأربعاء إلى المستشفى إثر إصابتها بكوفد-19.

واعتبر حاكم المدينة الثلاثاء أن "الوضع ليس سهلا، لكن يمكن التعامل معه".

وسيشكل المنتدى كذلك اختبارا قبل كأس أوروبا في كرة القدم حيث تستضيف سان بطرسبورغ اعتبارا من 12 حزيران/يونيو سبع مباريات وتستقبل آلاف المشجعين.