الإشكال المعرفي والوظيفة الاجتماعية

القطيف- بشير البحراني: الإيديولوجيا هي منهج في التفكير نابع عن افتراضات مترابطة بغض النظر عن محتواها سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غير ذلك. ومجلة الكلمة الصادرة عن منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث ببيروت تخصص ملفاً كاملاً عن الإيديولوجيا في عددها الجديد (رقم 47)، تحت عنوان: (الإيديولوجيا.. الإشكال المعرفي والوظيفة الاجتماعية).
في العدد يكتب عضو تحرير المجلة إدريس هاني متسائلاً: (ماذا بعد الإيديولوجيا؟)، وفي مقاله يؤكد على أن التصور الحقيقي للإيديولوجيا لا يتم إلا بتصور ما بعدها، ويحسم موضوع العلاقة بين المنطق والإيديولوجيا ببيان وجه الافتراق بين الأمرين من جهتين: الوظيفة والغاية. كما تحدث عن الإيديولوجيا والعالم من حيث سقوط أكبر الإيديولوجيات رسوخاً وانتشاراً في العالم الحديث؛ (الشيوعية)، والفراغ الإيديولوجي الكبير الذي أعقب ذلك في الغرب، ووقعه الذي لا حدود له على النخب السياسية والفكرية في العالم العربي والإسلامي.
ويتحدث إدريس هاني بعد ذلك عن دخول الإيديولوجيا عالم الاقتصاد، ليس بوصفها نظرية للعمل بل كونها دخلت إلى عملية الإنتاج والتوزيع. ثم الحديث عن الإيديولوجيا الدينية ويقصد بها ما كوَّنه وأنتجه أهل الدين فكراً حول الدين، ونصيب الحركات الإسلامية منها، ونقد العصبيات المؤدلجة.
ويختم بكون الحديث عن الإيديولوجيا وفي الإيديولوجيا حديث ذو شجون، فقد بدا يأس العالم من كل إيديولوجيا مهما أحاطت نفسها بشعارات حالمة.
وتعرض الدكتور محمد مزوز في مقاله إلى (الوظيفة الرمزية للإيديولوجيا.. من خلال فكرة الخلاص)، وفيها يستخلص أن الإيديولوجيا هي رغبة في الخلاص من الآن الذي جمده التمثل إن كانت في طور النشوء أو من المستقبل المجهول إن كانت ملوثة بالسلطة. ويتحدث مزوز في مقاله أيضاً عن الإيديولوجيا والزمان، والإيديولوجيا والقيمة، ويصل على أن الإيديولوجيا هي نقطة تقاطع بين الزمان والقيمة حيث ينتج المعنى الذي هو رمز.
وضمن سياق الملف الخاص ترجم الدكتور محمد سبيلا عدة مواد للملف، منها (المقاربة التحليلية النفسية للإيديولوجيات) بقلم ب. أنصرت، حيث تأخذ هذه المقاربة مكانها ضمن المجموع النظري الذي تستمد منه دلالتها، وتميز هذه المقالة أربعة نماذج للمقاربة التحليلية للظواهر الإيديولوجية، هي: التحليل النفسي للمنظومات الرمزية، والتحليل النفسي لوظائف الإيديولوجيا في المؤسسات، والإيديولوجيات والذهنيات، والإيديولوجيات والتغيرات. ويقول فيها: إن تعدد هذه الأبحاث يجعلنا نتصور أن المقاربة التحليلية للإيديولوجيا لا تطرح نفسها كند للمعالجة التاريخية والاجتماعية، بل إنها تقدم مكملات مختلفة للتفسير لفهم متغير حسب الأوساط والإيديولوجيات.
والترجمة الثانية لسبيلا هي (الإيديولوجيا والبنية النفسية) بقلم: كويمبرادو توماس، ويخلص الكاتب فيها إلى أننا لكي نبرز دينامية التكوين النفسي من حيث الارتباط بإيديولوجيا معينة؛ ندرس قطبي النسيج الإيدلوجي: إيديولوجيا مغلقة وذات صبغة عقدية متشددة، وأخرى متفتحة عملية.
والترجمة الثالثة لسبيلا هي بعنوان (الإيديولوجيا) بقلم: جوزيف غابل، وهي مقالة دارت حول المفهوم والتمييزات الأساسية التي يمكن لحظاها من الإيديولوجيا كمصطلح ومفهوم. ويحاول الكاتب الحصول على تعريف مثالي للإيديولوجيا بعد أن يستعرض عدداً من التعريفات الكلاسيكية. كما يتحدث عن مشكلة العلاقة بين الإيديولوجيا والحقيقة.
والترجمة الرابعة لسبيلا هي بعنوان (معايير الظاهرة الإيديولوجية) بقلم: بول ريكور، وفيها يعدد الكاتب بعض سمات الظاهرة الإيديولوجية، ومنها كونها مرتبطة بحاجة الجماعة، وديناميتها حيث تمثل الحافز للممارسة الاجتماعية، وإنها تستهدف تقديم رؤية شاملة لا للجماعة فقط بل للتاريخ وفي النهاية للعالم، وإن نظام القواعد التأويلي لإيديولوجية ما؛ تجعل الإيديولوجيا هيئة غير نقدية بطبيعتها، إلى جانب تعقد وتضخم الطابع غير التفكيري وغير الشفاف للإيديولوجيا.
والترجمة الخامسة لسبيلا هي بعنوان (الإيديولوجيا واللاشعور) بقلم: لويس ألتوسير، ويرى الكاتب فيها أن الإيديولوجيا تشكل جزءاً صميمياً من أية كلية اجتماعية، والأمر يجري كما لو أن المجتمعات الإنسانية لا يمكن أن تستمر في الوجود بدون هذه التشكيلات الخاصة, كما يرى أن الإيديولوجيا تتعلق بعلاقة الناس المعيشية مع عالمهم، ولا تبدو هذه العلاقة التي لا تظهر واعية إلا بشرط كونها لا واعية، ولا تبدو بسيطة إلا بشرط كونها معقدة، أي أنها ليست علاقة بسيطة بل هي علاقة علاقات، أي علاقة من الدرجة الثانية.
وضم الملف مقالة بعنوان (مصادر وآثار مفهوم الإيديولوجيا عند ريكور) بقلم مارثيلو فيليكس تورا، وترجمة: هشام الميلوي. وهي مقالة تحاول تسليط الضوء على موضوع الإيديولوجيا في أعمال أستاذ الفلسفة بجامعة ليشبونا (بول ريكور)، حيث حسب هذا الأخير ليست الإيديولوجيا انعكاساً للواقع الاجتماعي فحسب، بل إنها كذلك مرتبطة بسلطة المجتمع والاندماج البشري، والذي بدوره سيؤثر على طريقة وأسلوب فهمنا للعالم كله. ويخلص الكاتب في الأخير إلى أن ظاهرة الإيديولوجيا ظاهرة لا نهائية وعصية على الاستيعاب لأنه من المستحيل نهج مقاربة لا إيديولوجية عند الحديث عن الإيديولوجيا.كما ضم الملف حواراً أجراره إدريس هاني مع البروفيسور الأمريكي ذي الأصل الياباني فرنسيس فوكوياما حول مقولات نهاية التاريخ ونهاية الإيديولوجيات.

دراسات ومواد أخرى
في العدد نفسه كتب رئيس التحرير زكي الميلاد بعنوان: (الثقافة والمجتمع.. نظريات وأبعاد)، ناقش فيها بناء المفاهيم، والثقافة والمجتمع في رؤية رايموند وليامز، ونظرية القابلية الاجتماعية والثقافية للنمو، وأبعاد العلاقة بين الثقافة والمجتمع.أما مدير التحرير محمد محفوظ فكتب (في معنى الحرية)، حيث يتوقف على جذر معنى (الحرية) لا تخلو من رؤى قرآنية وروائية، إلى جانب عرضه للرؤية الفقهية للحرية، كما يتطرق إلى علاقة الحرية بمفردات التسامح، وعلاقة الحرية بقانون العدالة.
اوضم العدد ورقة للدكتورة مريم آيت أحمد علي تتحدث عن (المرأة المسلمة ودورها في التنمية الشاملة للمجتمعات الإسلامية)، باعتبار أن المرأة أصبحت من المواضيع الحيوية التي تحظى باهتمام واقع الحياة المعاصرة. وتناولت في ورقتها أسباب مشكلة ومعوقات التنمية في البلدان الإسلامية وعلاقتها بالمرأة، وقدمت سبلاً لمواجهة التحديات التي تعيق دور المرأة المسلمة في التنمية الشاملة.
عضو تحرير المجلة ورئيس تحرير مجلة وسلسلة (القرآن نور) حسن آل حمادة كتب عن (فقه السلم والسلام عند الإمام الشيرازي)، مقدماً عرضاً ومراجعة لكتاب (السلم والسلام) للإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي أحد رواد نظريات اللاعنف والسلم والسلام. ومن العناوين التي تعرض لها آل حمادة موضوع السلام في الإسلام، المقارنة بين الإسلام والديانات الأخرى، السلم والسلام في السياسة والحكم، وفي الاقتصاد، وفي باب الجهاد، وفي العلاقات الإنسانية والروحية، وفي الإدارة.وفي العدد مواد أخرى.