كتاب جوزيف خوري الصادر تحت عنوان quot;الفوضى اللبنانيةquot; لدى دار quot;لارماتانquot; الباريسية في نهاية 1998، كان قد مُنع في لبنان فور صدوره من قبل مديرية الأمن العام، حين كانت بإمرة اللواء جميل السيد. طريقة منعه تمت بواسطة عناصر مسلحة من الأمن العام قامت بسحب النسخ من المكتبات، ومن ثم كانت تحتجز النسخ المرسلة إلى لبنان مباشرة لدى وصولها إلى مطار بيروت الدولي. الاتصالات العديدة التي قام بها الناشر بالسلطات اللبنانية المختصة للاستفسار حول أسباب منع الكتاب، لم تؤد إلى أي نتيجة أو جواب. في حزيران من عام 2000، نشرت الأسبوعية الفرنسية quot;الاكسبرسquot; خبر المنع مشيرة إلى أن أسبابه تعود إلى مضمون الكتاب quot;المناهض للدور السوري في لبنانquot;. فلاقى عدد هذه المجلة المصير ذاته عبر منع توزيعه في سوريا ولبنان، رغم رسالة الاحتجاج التي وجهها رئيس منظمة quot;مراسلون بلا حدودquot;، ألان مينار، إلى وزير الداخلية آنذاك، ميشال المر. هكذا تمكن اللواء السيّد من خنق الكتاب ومنعه من الوصول إلي اللبنانيين. مكتبة لبنانية وحيدة استطاعت خرق الرقابة عبر تأمينها نسخ كانت تدخلها سراً إلى قرّائها.
مقدّم الكتاب، الباحث في الشؤون الاستراتيجية ألان جوكس، يعتبره quot;حالة فريدة في جمهورية العلوم في السياسةquot;. وتكمن فرادة الكتاب في المنهج الذي أسسه الكاتب لبحثه انطلاقاً من مبدأ أن المعركة العسكرية مفصل يؤسس (او يوسع) الأنظمة السياسية ويدمرها، وانه عبر دراسة quot;سوسيوستراتيجيةquot; للمعركة يمكن فهم النظام الذي تؤسسه وذلك الذي تدمر. ويقارب خوري المعارك العسكرية quot;المؤسسةquot; في لبنان منذ القرن السابع ميلادي وحتى نهاية الحرب الأخيرة في 1990، فيكشف نوعين من الأنظمة السياسية، الشرقي و الغربي، تناوبا على حكمه منذ الغزو الصليبي (القرن الحادي عشر) والغزو الأيوبي المماليكي المضاد (القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر) حتى الغزو السوري المعاصر. فلأن لبنان يُشكل نقطة تماس بين الشرق والغرب، أضحى ضحية مد وجزر الإمبراطوريات الغربية والشرقية: quot;تناوُب هيمنة كل من هاتين السلطتين (دولة الغرب ودولة الشرق)، عبر عملائهما المحليين (الموارنة للغرب، والدروز ثم الشيعة للشرق) الذين ينتقل دورهم من محكومٍ إلى حاكمٍ، أو العكس(...)، هو موعد الحروب والمذابح في لبنان. هذه المواعيد حولت اللاعبين اللبنانيين إلى وقود لهذه الهيمنة وآلت إلى أن جزء من اللبنانيين لم يعد يأمل بالحرية إلا وآتية على متن بارجة غربية، والجزء الآخر لا يتصوّرها إلا في ظل دبابة فاتح شرقيquot;.
الكتاب الذي اعتبرته جريدة quot;لوموند ديبلوماتيكquot; مُؤَلف-موسوعة حول علم الحربquot;، يدحض بمنهجية دقيقة القراءات العقائدية لتاريخ لبنان ويفتح أفقاً جديداً للخروج من دورات المد و الجزر العبثية للإمبراطوريات الغربية والشرقية. ولعل انتفاضة اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، ضد الهيمنة السورية، هي من بوادر هذا الأفق الجديد...
Joseph Khoury, Le deacute;sordre libanais, Lrsquo;Harmattan, Paris, 1998, 288 p.
التعليقات