بقلم ميشيل هوبينك
ترجمة محمد الأيوبي

كان عالم الإسلاميات سنوك هورخروني في زمانه (1857-1936) باحثا من الطراز الرفيع، واشتهر على المستوى العالمي. لكنه دخل طي النسيان في سنوات السبعينات والثمانينات. واعتبر مستشرقا بالمعنى النمطي للكلمة بسبب وضع معارفه في خدمة الحكومة الاستعمارية. لكن رغم ذلك فكانت لسنوك هورخروني مجموعة من الأفكار التجديدية بالنسبة لزمانه.
حين انتهى سنوك هورخروني عام 1880 من إعداد رسالته الجامعية بعد دراسته علوم الدين واللغات السامية في جامعة ليدن حول موضوع شعائر الحج، كانت هولندا عمليا أكبر بلد إسلامي. الإدارة الهولندية الكولونيالية في اندونيسيا كانت تحكم ملايين المسلمين. لكن المعرفة حول الإسلام في ذلك العهد كان مصدرها الأساتذة الذين كانوا يهتمون بدراسة النصوص القروسطية. كان سنوك هورخروني يرى أن ذلك ليس مهما. كانت له وجهة نظر يمكن اعتبارها ثورية بالنسبة لذلك العهد والتي تكمن في وجوب اعتبار الحياة اليومية للمسلمين موضوعا للبحث. كان يرى أن quot;معرفة الروحانيات والحياة الاجتماعية للمسلمين لن تكون كاملة، ما دامت تعتمد على كتب قليلة فقط تلعب دور الشواهد.quot; أضاف سنوك القول إلى الفعل. فبعد مناقشة رسالته الجامعية، كان سنوك أول هولندي يزور مكة. اعتنق الإسلام لكي يقبل للدخول إلى المدينة الممنوعة على غير المسلمين، وأجرى عملية الختان وغير اسمه فأخذ اسما عربيا: عبد الغفار. مكث سنوك خمسة أشهر في مكة، وجمع كنزا من المعلومات العلمية. للأسف الشديد طرد من المدينة قبيل موسم الحج بقليل من قبل العامل التركي الذي كان خائفا على أمنه. الكتاب الذي نشره في 1888 حول زيارته لمكة أكسبه شهرة عالمية.
كانت لهورخروني علاقات مكثفة مع المسلمين في مدينة مكة الكوسموبوليتية التي كانت تضم سكان من من جميع أنحاء العالم آنذاك. كان يتحدث العربية بطلاقة، وكان مشهورا بمعرفته الواسعة بالقانون الإسلامي.
كانت مكة في ذلك العهد قبلة للإسلاميين ودعاة الوحدة الإسلامية من جميع أنحاء العالم والذين كانوا يعملون ضد الاستعمار الغربي لتوحيد العالم الإسلامي تحت راية السلطان العثماني. وصل هورخروني بتجاربه في مكة خلاصة تخطئة السياسة الاستعمارية الهولندية في اندونيسيا. كان على تلك الإدارة حسب رأيه أن تقلل من الحضور العسكري وتعطي أهمية أكثر لمعرفة الإسلام والمجتمع الاندونيسي.
كان سنوك هورخروني كولونياليا بامتياز، لكنه كان في نفس الوقت مثاليا. كان هدف الإدارة الاستعمارية في نظره هو تحديث المجتمع الإسلامي وتهيئته للحصول على استقلاله. مقاومة تلك السياسة التحديثية أتت في نظره من جهة العلماء المسلمين المحافظين وquot;الإسلام السياسيquot; لإسلاميي ذلك العهد. بدل سياسة الهروب إلى الأمام واللجوء إلى القمع والإرهاب كان على الإدارة الاستعمارية أن تشارك بفاعلية في الصراع الفكري. كان من الواجب ترك المسلم العادي أن يعيش في سلام، وبالمقابل كان من الواجب محاربة الإسلام السياسي بكل الوسائل.
أتيحت الفرصة لسنوك بعد زيارته لمكة لنشر أفكاره. التحق بالإدارة الاستعمارية باندونيسيا كمستشار للحكومة الهولندية. وقام برحلة دراسية إلى منطقة أتشيه مستخدما اسمه

منزل سنوك في ليدن
الإسلامي عبد الغفار حيث كانت الحكومة الهولندية الاستعمارية في حرب مع المجموعة المتشددة للثوار. تأكدت شكوك هورخروني في أتشيه. لم يكن سلطان أتشيه خلف الانتفاضة ولم يكن هو المعلن للحرب المقدسة ضد الهولنديين بل هم الزعماء الدينيون (العلماء). كانت السياسة المتشددة ضد الزعماء الدينيين هو المخرج الوحيد لوضع حد لزحف هؤلاء.
لقي سنوك هورخروني آذانا سامعة لآرائه. نجح الجنرال فان هوتز عام 1898عرفت جامعة ليدن منذ القرن السابع عشر بدراساتها حول الإسلام. يرجع اكتساب المدينة الجامعية شهرة كبيرة على الصعيد العالمي باعتبارها مركزا للدراسات الإسلامية إلى أعمال سنوك هورخروني في هذا الميدان. نشرت الموسوعة الإسلامية المرموقة في ليدن، وتتوفر المكتبة الجامعية على مخطوطات معروفة على الصعيد العالمي.
اعتمادا على استشارات هورخروني بالتغلب على الانتفاضة في أتشيه. ورافق سنوك هورخروني هوتز شخصيا في عديد من المهمات الميدانية. عاد سنوك هورخروني في عام 1906 إلى ليدن ليكون خلفا لأستاذه دو خوي في جامعة ليدن. كان قد ألف أعماله العلمية الجيدة، وأغلبيتها كانت في الفترة المتوترة التي قضاها في اندونيسيا. واكتسب شهرة عالمية بسبب تلك الأعمال إلى جانب معاصريه مثل الهنغاري إغناز غولدزيهر.
يعتبر هورخروني في اندونيسيا بمثابة جاسوس وخائن ومستشرق استغل ثقة الاندونسيين، ووضع معارفه في خدمة النظام الاستعماري. لقد اتهم كذلك في سنوات السبعينات والثمانينات بكونه إمبرياليا من الدرجة الأولى. أما في الميدان العلمي فله مكانة مرموقة متفردة. لم يصل أحد بعده في هولندا منذ ذلك العهد درجته في التميز ومعرفته بالإسلام. أما انتقاداته للإدارة الاستعمارية في اندونيسيا ndash;حول عدم إمكانية تربية بلد بالوسائل العسكرية للوصول إلى الاستقلالية- فقد تكون اليوم أيضا صالحة كدرس للأمريكيين في العراق. (عن اذاعة هولندة العربية)


تنظم حاليا مكتبة جامعة ليدن معرضا بمناسبة الذكرى 150 لولادة سنوك هورخروني (8 فبراير 2007). وإلى جانب الرسائل والمخطوطات، يثير الاهتمام أيضا الصور والتسجيلات الصوتية التي سجلها هورخروني في مكة.