لميس ضيف

قصدت مكة المكرمة نهاية الأسبوع الماضي لأداء العمرة متجاهلةً مخاوف الأهل والأصدقاء - الذين ما راعهم القلق على صحة محدثتكم بالمناسبة - بقدر ما توجسوا من أن تكون عدوى فيروس أنفلونزا الخنازير ''صوغتهم'' التي سأعود أدراجي بها!! ورغم التثبيطات ذهبت، مكتفيةً بالالتزام بالتعليمات الأولية المتمثلة بالعناية بالتعقيم، وأخذ الفيتامينات ومجانبة من تبدو عليهم علامات المرض ما أمكن.. والحق أني عدت بصحة أفضل من تلك التي ذهبت بها.. وبات لزاماً علي أن أنقل الصورة للناس، سيما بعد أن سمعت في الأيام الماضية عن عزوف الحجاج عن قصد الحج هذا العام..

في العادة، والمداومون على زيارة البيت الحرام يعرفون عما نتحدث، يتحول قسم النساء ما أن ينتصب الناس للصلاة لمستشفى للأمراض الصدرية!!، فوسط الهدوء الذي لا يزخرفه إلا صوت الإمام تسمع بجلاء أصوات سعال المسنين والمرضى ''سيما في صلاة الفجر''.. هذه المرة، ولأن ماكينة الإعلام ألهبت مخاوف الناس، كان من اللافت اختفاء تلك الأصوات ولما استفسرت من إحدى المقيمات في مكة عن السبب، قالت إن الناس - وإن كانوا مصابين بالأنفلونزا العادية- يحجمون عن دخول الحرم، سيما وأن قوات الأمن كانت تمنع منذ شهر رمضان الدخول على من تبدو عليهم علامات المرض والإعياء.. وبالنتاج كان الوضع مثاليا: أعداد متوسطة، تنظيم عال، وغياب جزئي لبعض الجنسيات ''الأقل عناية بالنظافة''، حتى أن كثيراً ممن كانوا يدخلون الحرم بكمامات كانوا ينزعونها لاحقا لإحساسهم بانتفاء المبرر لها..

قناعتي بعد التجربة: أن الوضع سيكون هذا العام مثالياً لأداء فريضة الحج.. فالأعداد ستكون أقل بمقدار النصف على الأقل، وسيتبع ذلك سهولة التنقل ويسراً في أداء المناسك التي ما يعقدها إلا الزحام..

يتمتم بعضكم الآن قائلاً.. أهي دعاية للحج والحملات البحرينية يا ترى؟!
قناعتي أن الحج ليس بحاجة لدعاية، نعم، هناك خوف سيما في الدول العربية، وهو خوف لا نراه في باقي أصقاع العالم.. مباراة الريال وميلان التي جرت حديثاً حضرها 70 ألف شخص تراصوا كتفاً بكتف لساعات في المناخ البارد، ولم نرَ أياً منهم يرتدي كمامة..!!، وحتى في دولنا يتراص الناس في الأسواق والسينمات والمجمعات ويتخطون مخاوفهم في سبيل ساعات من الترفيه.. فما بالكم بقصد بيت الله الذي من (دخله كان آمنا)، وإن وقع به خطب فهو مبشر بالآية التي تقول (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)..

إلى ذلك فهناك طرف أساس متضرر من هذا العزوف يجب التفكير به والنظر في أمره، وهم حملات الحج التي تملأ شكواها الصحف يومياً.. فإن صدق ما نشر من أن بعض الحملات لم يتجاوز عدد المسجلين فيها بعد الـ80 حاجاً؛ فنحن أمام كارثة ستقع على أكتاف المقاولين الذين استأجروا مباني ضخمة وحجزوا مقاعد سفر ودفعوا أجرها منذ بداية العام.. وتضرر هؤلاء هو - جزئيا- مسؤولية وزارة الصحة وبعثة الحج الذين مازالوا يماطلون في حسم جزئية إلزامية أخذ لقاح الإنفلونزا من عدمه.. فكثير من الناس مترددون - لا بسبب كل التهويل المجاني- بل بسبب ضبابية تلك الجزئية بالذات.. فاللغط حول العقار متواتر ومكثف..ولا أحد - بما فيهم الشركة المنتجة للأمصال- يستطيع أن يحدد التداعيات طويلة المدى لأخذ العقار، وعليه فإن الكثيرين- سيما ذوي الصحة الجيدة- يفضلون الإصابة والتشافي على أخذ لقاح سيئ الصيت كهذا!!

إن بعثة الحج البحرينية، الصامتة للآن، عليها أن تتحرك في اتجاه جعل التطعيم اختياريا أولاً، وعليها تشكيل لجنة لمساعدة الحملات على تخطي أزمتها، ولو بتخفيض كلفة الخيام التي تؤجرها للحملات.. كما وعليهم امتصاص مخاوف الناس المبالغ فيها، والتي تهدد موسم الحج.. للأسف..