كنت حينها طفلا غريرا، كنت طفلاأشقر الشعر وأزرق العينين .وكان كل من يقع نظره علي يموت غيظا من ظرافتي ، وكان أبي وأمي يفعلان ما أشاء ، كانا فخورين بهذه التحفة التي أنجباها . كنت طفلا جميلا بكل ما للكلمة من معنى.
فلم أعد مضطرا للدخول إلى المدرسة أو تعلم القراءة والكتابة .. جمالي هو الحل ..كنت ملكا صغيرا وسيما ظريفا .
ومرت سنوات السعادة بسرعة وإنقلب حظي .. لا أدري حقا كيف تحول لون شعري الأشقر إلى أسود فاحم ، وكيف إنقلبت عينايالزرقاوان إلى سواد آخر ..لم أعد جميلا ، وكل من يقع نظره علي يخفي ابتسامة هازئة بهذا الجسد الهزيل والسواد الذي يغمره ..أصبحت "عجيبة" . فكيف يمكن لشخص "واحد "أن يحمل كل هذا السواد .قلب والدي شفته السفلى بامتعاض ولطمت أمي صدرها بأسى .. يا للحظ العاثر ، لقد أنجبنا كارثة .
لم يعد جمالي في خدمتي ، وانطلاقا من قبح قرر أن يلقي بكل "إبتداعاته " عندي ، تعالت الإحتجاجات على فشلي .." يا لك من كسول .. عليك أن تكون الأول في صفك .. أنت قبيح عليك أن تكون عبقريا ".كتمت غيظي وأكملت سنوات الدراسة ، حاولت قدر المستطاع أن أكون ذكيا فلم أفلح .. يا لهول المصيبة ، قبيح وغبي .
حملت أمي همها وأخذت تبحث لي عن عانس أو قبيحة تشبهني كي تضمن لي عروس المستقبل..فلم أبال بذلك، كنت قد قررت الا أتزوج وأن أصبح كاتبا .
هكذا لن يراني أحد .. سيحبون كتاباتي وبعدها حين أظهر قد يتمكنوا من "محبة" شكلي أيضا ..فمعظم الكتاب لا يملكون أي وسامة تذكر .
... حسنا ، لقد تم تحديد الهدف .. سأصبح كاتبا . تقلبت بهدوء في سريري . الليلة سأنام قرير العين ، سعيدا . لن أغضب من صراخ والدي وعويل أمي .. سأرفع قلمي في وجهيهما وأسكتهما بجملة ما .. لا بد أن تكون فصيحة للغاية . لا أعلم ما هي هذه الجملة لكن من المؤكد سأبتدعها غدا .. وستكون غاية في الفصاحة .
التلفزيون يلمع في وجهي .سأشاهد قليلا من "السخافة " التي لن تفيدني في مسيرتي الثقافية ، بل ستجعلني أحزن وأرثي لحال شعبي المنهمك في التفاهات .. سأتراقص قليلا على بعض أغنيات المستوى الهابط وأرددها سعيدا ثم ألعن من يغنيها .
وما الفرق فعلا .. فأنا مشروع كاتب ، ويمكنني أن أقول ما أشاء . الحياة ستصبح سعيدة قريبا .علت إبتسامة هانئة وجهي ، ولعله تخلى عن قبحه للحظة ، فأسى السنوات الماضية سيذهب من غير عودة .. وفجأة ظهرت هيفا وهبي .
حدقت بذهول ، فغرت فاهي ، حركت رأسي بطريقة هستيرية ، مرت لحظات كالحلم الجميل .."لا تذهبي .. غني من أجل قبيح فاشل مرة اخرى ".. لتحل اللعنة على المحطة الكريهة ، لا أريد برنامجا حواريا أو ثقافيا أو حتى فيلم .. أريد هيفا وهبي .
الساعة تشير إلى الخامسة فجرا ولا ازال أقلب بين المحطات بحثا عن فتاة أحلامي ، لعلها ستظهر بين فينة واخرى .أغمضت عيوني لأحلم بها ، وغدا سأبحث عنها مجددا .
صوت أمي يعلو ، تريدني أن ابحث عن وظيفي ..أمسكت بجهاز التحكم وبدأت بالتنقل بين المحطات .عاد والدي من العمل ، شرع يعاتبني على كسلي ..إبتسمت بسعادة .هددني بالطرد من المنزل ..فابتمست مجددا .
إقتربت منه بهدوء وأمرته بالجلوس ، أخبرته كيف قررت أن أصبح كاتبا مشهورا وكيف سأتحول إلى رجل مهم .إبتلع غصة كادت تخنقه ورضي "بأضعف الإيمان ".
ثم ضحكت ببلاهة ، وأعلمته أنني لا أريد أن أصبح كاتبا بعد الأن ..بل أريد هيفا وهبي .
جلس إلى حافة السرير يغالب "سكتة دماغية"، تملكني الرعب وصليت لحبيبتي أن تظهر على هذا المسكين لتفهمه سر حبي لها . وطبعا لم تخذلني جميلتي المدللة وظهرت بكامل حلتها تتراقص أمامه .." ها هي .. الا تستحق أن الاحقها طوال حياتي ".


.. صوت أمي يعلو مجددا و هي تندب حظها .. لقد عادت من العمل . صرخت بوجهي ووجه والدي ..ولعنت هيفا وهبي التي ألقت بسحرها علينا .إبتسم والدي ببلاهة ورددت عليه بإبتسامة أخرى .. أكثر بلاهة .
حبيبتي هيفا .. إنني قادم .. إنتظريني .