أحمد عبدالمنعم :في بلد يعاني أكثر من نصف سكانه من الأمية يصبح الحديث عن التنمية نوع من العبث والتطلع الى الديمقراطية أشبه بمن يصعد فوق البناية التي يسكنها سعياً للامساك بالقمر أو أحد النجوم المتناثرة في السماء. تلك الحقيقة أدركتها الحكومة المصرية منذ عقود فهي واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج الي عباقرة للوصول اليها، حاولت جاهدة ايجاد حل لتلك المعضلة دون جدوى، عشرات الخطط والبرامج وضعت ، لكنها انتهت من حيث بدأت فالأمر بات أشبه بمحاربة طواحين الهواء. قبل بضعة سنوات أنشأت الحكومة المصرية ما أطلقت عليه الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار وألقت على عاتقها مسؤولية وضع الخطط والبرامج اللازمة للحد من مشكلة الأمية خلال فترة زمنية محددة، وأطلقت الهيئة حملة نوعية على نطاق واسع اعتمدت على وسائل الاعلام المسموعة والمرئية باعتبارها الوسائل المتاحة للأميين.

عشرات الاعلانات ومثل هذا العدد من المشاهد الدرامية التي توضح أهمية التعليم وفوائد القدرة على القراءة والكتابة لم تنجح في اقناع المستهدفين بالالتحاق بفصول محو الأمية التي أنشأتها الهيئة في جميع المحافظات، فتحولت تلك الفصول الي حجرات خاوية إلا من المعلمين .

نجحت الهيئة من خلال حملتها الدعائية في مخاطبة الوجدان فاستطردت في السخرية من الأميين وصورت فصول محو الأمية على أنها المفتاح السحري للخروج من تلك القائمة المثيرة للسخرية ، والمثير للضحك أن الأميين لم يعبأون كثيراً بتلك الحملة وقابلوها بمثل شعبي يضرب بجذوره في اعماق التاريخ «بعد ما شاب ودوه الكتاب»، فتحول المستجيبون للحملة والذين التحقوا بفصول محو الأمية الى مثار سخرية بدلا من أن يحدث العكس! منذ فترة وجيزة تدارك القائمون علي وضع الخطط والبرامج الخاصة بمحو الامية خطأ الاكتفاء بمخاطبة الوجدان في مثل تلك القضايا فقرروا الاتجاه ناحية العقل وربط الأمر بمصالح حياتيه يحتاجها الأميين. فاستخراج رخصة قيادة يتطلب الحصول على شهادة محو الأمية ، والحصول على وظيفة حكومية لن يتأتى الا بتلك الشهادة وطلب زيادة الراتب الشهري لن يجد اهتمام من دون نفس الشهادة ، فتلك الشهادة تحولت بالفعل الى مفتاح سحري لحل المشكلات وازالة العقبات,فأقبل الجميع علي فصول محو الأمية بكثافة وبما لم يتوقعها كبار مسؤولي الهيئة أنفسهم وبعدأن كانت المشكلة احجام الأميين عن فصول محو الأمية أصبحت الآن نقص أعداد المدرسين مما دفع الهيئة لتخصيص مكافأت مالية سخية لمن ينجح في محو أمية أعداد معينة من الأميين.

قد تكون الهيئة المصرية لمحو الأمية وتعليم الكبار قد نجحت بالفعل في اعتماد العقل والمصلحة كلغة حوار في قضية محو الأميةولكنها لم تحسب حسابا لالتقاء مصلحة الأميين والمدرسين والتى خلقت نوعا من الفساد – ان صح التعبير- حيث تحولت الشهادة السحرية الى سلعة تعرض للبيع لمن يدفع ثمنها بغض النظر عن كون الشخص قد التحق بفصول محو المية أم لا وليس بالضرورة أن يجيد القراءة والكتابة .الأخطاء التي وقعت فيها الهيئة فى بداية عملها سرعان ما تداركتها باسلوب علمي وحققت نتائج جيدة ولكنها فى النهاية لأنهاأخطاء قابلة للتدارك ولكن كيف ستتدارك الهيئة مشكلة التقاء مصالح الأميين والمدرسين والتى تهدد بنسف المشروع من أساسه ؟!