"برادة الحديد" هو عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر العراقي كريم ناصر المقيم في هولندا حيث صدرت المجموعة عن دار أزمنة في عمان وضمت أكثر من ثلاثين قصيدة حديثة نُثِرتْ على هيئة شكل شعري مكمنه التلون الشكلي للنص وزيغ المعنى الذي يتنقل بحرية. المُرمز الذي احتل مساحات واسعة في الجغرافيا النصية "لبرادة الحديد" استطاع أن يَمدَ المعنى الايحائي على خارطة النصوص الأكثر انغلاقاً على نفسها للظفر بمجهول لا يحمل ذلك المعنى الذي يكنزه النص نفسه ومن المؤكد أن الشاعر كريم ناصر أراد في سيادته اللغوية على معظم نصوص برادة الحديد أن يثبت لحركته النصية من أن الجغرافيا التي يجب أن تُحتل عبر اللغة النصية أولا هي محاكاة غريبة في حد ذاتها ذلك بسبب غرائبية اللغة التي أرادها الشاعر أن تنطلق بشكل مثير أولاً، المُرمز الذي أحتلَ ما تحت المساحات من زاوية محاصرة المعنى الغريب لم يقوَ على مطاردة المعنى المضمر الأخر الذي أراد له الشاعر ان يسبح في مدارات لغوية أكثر غرائبية من تلك التي كانت تدور بجزء من الحرية التي اندملت لأنها مؤقتة ففي مجمل قصائد البرادة الحديدية ثمة مقاطع شعرية طويلة وقصيرة تشتغل على محور الاستعارة ورؤية الاستحلال والاستحواذ فكأنَّ الشاعر ناصر تمكن من بث روح نص في كتلة صخرية من أجل الحياة او الحركة وحين تتحرك الكتلة ويبث فيها الحياة ينقض عليها من اجل استحلالها، بل يمضي الشاعر بلغته ومعناها الملبد بالحيرة نحو إستقراء أكثر دقة من الجانب الحر الذي يولد المسوغات الساخنة التي تعمل على جرجرة النص أينما أرادت الجغرافيا او العكس وبهذا الاستدراج يمكنني القول من ان الشاعر أراد أيضا أن يؤسس لفكرة جديدة تدخل قلقاً حراً في مساحة اللغة لاستخراج معنى أكثر إثارة وهكذا، كأني أرى شاعراً ينتمي إلى سلالم نثرية أيضا سيحاول أن يتسلقها عبر نثرها شعريا حيث الألم في البعد والقرب حسبما تتدحرج الكلمة والجملة بين حيرة شعرية اذا جازت العبارة ففي إحدى قصائد الشاعر من برادته الحديدية والتي حملت العنوان ( منائر الرؤيا ) يعرج الشاعر نحو الاستحلال الترميزي قائلاً: ( تتهيأ المنازل للطيران، لتكتمل دورتها في الرقص بينما الروح تركنُ إلى منائر الرؤية. على النوافذ تتقاطر الموشحات بالريح، الجرذان تخترق الطيور لتحصي جلجلتها، كأنما تحفر الجداول بعد الجداول للإيهام. في الأعالي تتقاطر الينابيع لتتسلى على الأرصفة، الينابيع مثل الوشوم تبتكر الكينونة لئلا تنقصها الدقةُ في اختيار التفاصيل ). لكن الشاعر كريم ناصر في ضفة اخرى يحاول أن يرسم بنثريته سلماً اخر من سلالم الاحتلال حيث المرمز اللغوي في كثير من الانحلال فوق مساحة سوق تجهز نفسها ليتم تسلق تلك السلالم او المنخفضات الشعرية وتلك في واقع الرؤية نفسها تمثل استلالاً يشبه كثيرا استلال الروح من غمد غياب حيث يقول من ضفته:( العصافير التي تتقرّى، العصافير التي لم تفطن، والتي لن تعرف سرائرهم …… عصافير الرؤيا، كل شيء ينمو في كهفها يشبه بذور الثلج ….انها لاترى الماسورة التي صوبت نحو فاكهتها ). المرمزالذي يمثل أيضاً قوة صادمة لأجل إظهار الترميزية كفعل حضاري وطبيعي وكأن الشاعر أراد أن يحترق داخل اللغة المنخفضة لتفعيلها، وكأنَّ الشاعر ومعه أدواته منبجس من لحاءات الاشجار التي رمزها كما في استقراء هذه الهواجس ( فكما أتوسد الخشية مندفعاً بحماي، أرقب مسالك الأنهار، استيقظ … مبعداً اللجة عنقي، كل نجمة في نجمة، وكل صوت طعنة أيتها الأشجار، أيتها الأشجار المشتعلة غيضاً، من ينقذ ثمرة احتضارك على ضوء النهار؟ كنت انظر إلى أغوارها خائفاً، أتصفح المسالك إلى أقصى الليل، مبعداً عن اللجة عنقي). يبدو أن الشاعر كريم ناصر له المُكنة في تحضير روح المفردة لما يتسق معها في سيل من الجُمل المُحملة بالهواجس القلقة لغوياً حيث العمل الصعب في استدراك الجملة القادمة لكي تُبنى بناءً نثرياً أو شعرياً بمعنى من المعاني المقلقة والقلقة إذ يمكن القول من أن الشاعر ناصر كان مندفعا اندفاعاً متسقاً بل اندفاعاً محتدماً و منشطراً، مُفككاً معه كل الاحتمالات التي أراد الشاعر ناصر ان يحلم بها في مجمل معنى قصيدته التي أنا بصدد الحديث عنها الآن من مجموعته( برادة الحديد) والتي تحمل العنوان (أطلق قمرك لأتنفس ) ففي هذه القصيدة تكمن علاقات متعدية ومتناظرة ومتبادلة في معظم الاحتمالات الايحائية التي افرزتها تلك القصيدة التي تشكل في رؤيتي المدماك الرصين لبرادة الحديد الاختبارية ولان قصائد كريم ناصر في معظمها اختبارية كان من الوعي المفرط التعريج الى استكشاف كل المفردات والجمل والبناء والتفكيك التي يخص بناء تلك القصيدة من الناحية النثرية او الشعرية او اكتمال النمو العام للقصيدة فمتى ما اراد الشاعر ان ينسل خفية من ضفة من ضفاف الخوف نراه في نفس الوقت ينسل من ضفة من ضفاف الجرأة المؤقتة ذلك لان الشاعر هنا هو من يقرر عمل المفردة او الجملة المشعة التي تقترن بخجل جميل او بحنين فياض في معنى من المعاني الغريبة التي دفعها الشاعر لكي تكون محورا غرائبيا كما قلت في بداية عرضي هذا فهنا نجد الشاعر يمثل في لغته القمرية هذه نسبة الى عنوان القصيدة منهجا غريباً ومحيرا ومبسوطا ومعقدا حيث من الصعب جدا الامساك في معنى الترتيب الذي يحوله الشاعر الى معنى او قمر من اقمار الخوف والغرائبية، انها مزيج من الخوف والجراة الوقحة، انها مزيج من المرايا والامواج لكن على سطح القمر الذي يراه الشاعر ناصر في عيد من اعياد السنة القمرية ففي ناحية التنفس يقول الشساعر ان فوبياي معقدة هي الاخرى بمعني هو يريد حلاً كهنوتيا معافى، او ربما معنى لاهوتيا مشوها مادام هو يريد ابضا ان يصل بمبتغاه النثري او الشعري الى حالة من التسامي اللغوية التي توزع عناصره المستلبة على مداراته التي لن ولم تعرف الدوران مادام القمر الذي اطلقه المخاطب بايحاء من الشاعر لاستكمال القصيدة التي مازالت تسبح على سطح القمر سوريالياً، إذ نعثر على الشاعر وبيده مجموعته التي تحمل القصيدو بضيم ، مدينة ميتة، رقص اعلى الحنجرة، رماد، كهوف مطوقة بعظام ذئاب، انتظار هبوط شمس، كوابيس من المرادفات الذابلة، كأنّ الشاعر اراد ايضا ان يوحي لنا من ان لاشيء يقترب منا الا المتعديات من العلاقات المشوبة بالاطلاق وربما الابتداء من جديد لكن الشاعر في قصيدته اطلق( قمرك لاتنفس) دفع بقوته التصويرية لان تتحول الى نسيج فضائي او طيني ليخمر به قوة االبلاد التي تسبح منذ اعوام طوال على سطح القمر بخوف كما اوحى تضميريا الشاعر وهاهو الشاعر ياذن باطلاق القمر من على منصة الشعر حيث يقول في برادته الحديدية: ( الايام تشتعل، حتى انها تمضي كالزوارق، هاهي تتناثر كفقاقيع الغيوم، وتموت كسلاحف استلقت على ظهرها في موجة هرمة، سنقف انت وانا عاريين، خارجيين من كهوف مطوقة بعظام ذئاب. اننا وحيدان في البرية كدمائنا.، حتى البيت بجوارنا معتم، كعشبة هجرتها الامطار، حتى النسر الاحمر اكل افراخه ورمى عظامها على ضوء القمر …….. اطلق قمرك لاتنفس …………).