سلوى اللوباني من القاهرة: اعتبر المؤلف الفرنسي quot;غي سورمانquot; أن المجتمعات الاسلامية الحالية مترددة بين اسلامان، بين سيد قطب ورفاعة الطهطاوي، أي ما بين التخلي عن الحداثة من اجل انقاذ الهوية، أو رسم طريق وسط بين الوحي الالهي والمغامرة العلمية والديمقراطية، وجاء ذلك في كتابه quot; أبناء رفاعة الطهطاوي مسلمون وحداثيونquot; ترجمة مرام المصري، صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

التعرف على المسلمين:
هذا الكتاب هو في الاساس نتيجة لبحوث في البلاد المعنية اجريت بين ايلول عام 2001 وتشرين الثاني 2002، وبعض العناصر هي نتيجة ذكريات قديمة ترجع في حالة ايران المغرب واسرائيل الى سنوات الستينات، ولمصر وجاوة في سنوات السبعينات والى الثمانينات فيما يخص الكويت، بالاضافة الى أنه تجميع معلومات من مئات من المحاورين المنتمين الى طبقات المجتمع، والى كل الميول الاسلامية، والجدير بالذكر ان المترجمة مرام المصري اشارت الى ان العديد منهم سيشكرها لعدم ذكر اسمائهم في الكتاب، وكما جاء على لسان المؤلف أن رحلته هذه (كما أسماها) هي محاولة لمعرفة المسلمين المتوزعين في 54 بلداً، الذي يشكل الاسلام فيها الاغلبية، وايضاً المسلمين الذين يشكلون اقليات هامة كما في فرنسا، وأضاف ان الاسلام يوجد به الكثير من التباينات التي تفرق بينهم، فهناك السنة والشيعة بالاضافة الى تباينات في المدارس والتقاليد والطقوس، وهو لايحاول هز الثوابت الدينية ولا تفسير الاسلام كما ذكر بل محاولة لمعرفة المسلمون والتعلم من هذه الرحلة، وأشار الى ان الاسلام ينفرد بأنه دين وايدولوجيا وحضارة وايمان في آن واحد، ولكن علماء الاجتماع في الغرب يختزلونه الى طقوس وسياسة، لذلك تعامل في رحلته مع ايمان المسلمين كوضع اجتماعي تارة، وكوهم عقلي تارة اخرى، فتناول من خلال فصول الكتاب عدة أمور منها الانساني المؤمن، والليبرالي المسلم، والمسلم والعلماني، بالاضافة الى مصادر الفقر، ومدرسة طالبان، وكيف تنتهي الثورات، ونهاية الشعب اليهودي، والمشكلة العربية.
بين قطب ورفاعة:
الكتاب عبارة عن 12 فصل تناول المؤلف من خلالها الايدولوجيات القديمة والحديثة منها quot;التمامية الاسلاميةquot; التي أنشأها سيد قطب وتابعه ابن لادن، فالمؤلف يعتبر سيد قطب انه ملهم الاعمال الارهابية الحالية من خلال كتاباته، ويعزو مولد هذه الايدولوجية بسبب الصراع مع الحداثة الغربية، كما انها تتغذى من فشل المحاولات التي بدأت في القرن 19 في البلدان الاسلامية من اجل اللحاق بالغرب ومصالحة الاسلام بالحداثة ان كان ممكنا، و يعتبر ان التمامية مؤلمة للغرب بقدر ايلامها للمسلمين وتطبيقاتها العملية في ايران والسعودية والسودان وافغانستان، التي لم تنتج لغاية الان اي نموذج حامل للحداثة والاسلام في الوقت نفسه، والبحث عن التوافق بين الاسلام والحداثة تم بشكل ايجابي على يد الرائد والمفكر الاصلاحي quot;رفاعة الطهطاويquot;، الذي كتب عنه.. quot;طالب شاب في العلوم الدينية في القاهرة، تم ارساله في سن الخامسة والعشرين الى باريس من قبل باشا مصر بصحبة 25 اميرا شابا، كانت مهمتهم تتمثل في اكتشاف اسرار تفوق الغرب التقني والعلميquot;، وقد أقام رفاعة في باريس من 1826-1831، وفي نهاية اقامته استنتج quot;رفاعةquot; كما جاء على لسان المؤلف quot;بأن التوليف ما بين الاسلام والتقدم ممكن، وانه لا شئ في القرآن يمكن ان يعترض على تحديث العالم الاسلامي، بالاضافة الى ان رفاعة في عمله الللاحق حاول التوفيق بين الحداثة والاسلام من خلال ادخال اكتشافات الغرب الى العالم العربي الاسلامي دون التخلي عن حرفية الوحي القرأني وروحه، لذلك يعتبره الغرب مؤسس النهضة العربيةquot;.

ثورة يوليو أنهت النهضة العربية:
ويعتقد المؤلف أن هذه النهضة كانت قد نجحت حتى عام 50، الى ان استولى على الحكم العسكريين (ثورة يوليو 52)، وتبنوا القومية ثم الاشتراكية كايدولوجيا، ويعتبر ان العالم الاسلامي لغاية الان لم يستفق من هذه الضربة، لان تنمية المجتمعات الاسلامية قد توقفت نهائيا حين استولوا على السلطة، ويعتبر ان الاستبداد والفقر قد ساد منذ ذلك الوقت، ولكنه يوضح ان فكر quot;رفاعةquot; الاصلاحي لم يمت ولا يزال هناك مفكرون يفتخرون به ويجهدون أنفسهم في البحث عن توليفة بين الاسلام والحداثة؟ ولكن بدورنا نتساءل هل مشكلة المجتمعات العربية فقط هي البحث عن التوليفة التي اشار اليها المؤلف؟؟؟

ابناء رفاعة:
وضح المؤلف بان اسم quot;ابناء رفاعةquot; ليس من اختراعه، وانما هم من اخترعه، quot;وهم ينتمون الى حركات سياسية ودينية مختلفة، البعض منهم قريبون من الماركسية، والبعض ليبراليون، وآخرون محافظون كما يوجد اسلاميون لا ينادون بالعنفquot;، وأشار أن الذين يحترمون رفاعة يحترمونه لانه لم يخن ايمانه ابدا، وقدم مثال على احد كتابات رفاعة quot;معتقدات الباريسيين مثيرة للاشمئزاز (رفاعة يخلط بين باريس والغرب) لانها تضع الحكماء وعلماء الفيزياء فوق مرتبة الانبياء انها تنفي العناية الالهية كما تنفي ما وراء الطبيعةquot;، وأشار quot;غي سورمانquot; من بداية الكتاب ان رحلته عند المسلمين هي تحت رعاية رفاعة، ففكر رفاعة هو الذي يقوده حسبما وضح، وأكد أنها رحلة بين احضان المسلمين وليس الاسلام، لانه يتوافق مع مبدأ الفيلسوف الجزائري quot;محمد أركونquot; ان الاسلام هو مجموع تجارب كل المسلمين منذ بداية تاريخهم بما فيها علاقاتهم مع غير المسلمين، وبمبدأ باحث فرنسي آخر quot;مكسيم رودنسونquot; الى quot;أن المسلمين يمتلكون تاريخا وجفرافيا وبانه لا يكفي قراءة القرانquot;.

ما بين الناشر الفرنسي والعربي:
من الاهمية أن نشير هنا الى كلمة الناشر العربي وكلمة الناشر الفرنسي، لنوضح سوء الفهم كما وصفه الناشر العربي، لذلك فضل الناشر العربي أن يٌبقي على كلمة الناشر الفرنسي رغم ما فيها من سوء فهم ووصاية، فوضح الناشر العربي quot;أن الاسلام التقدمي لدى المؤلف هو الاسلام المعجب بفرنسا، وهو جيد لانه حليف للغرب، وتحرير المسلمين من الاسلاميين والحكام الطغاة والجهل والفقر هو من اجل حماية أمن الغرب لا من اجل المسلمين أنفسهم، ولذا لم يتطرق الى ذكر تحريرنا من الهيمنة الغربية التي تفضل ان تظل ديار الاسلام خاضعة تحت نير الطغاة كما اشار الناشر الفرنسيquot;، كما وضح الناشر العربي ان فلسطين هي اسرائيل بالنسبة للمؤلف، ومع كل ذلك يعتبر الناشر العربي انه علينا ان نعترف باننا نحتاج الى سوء فهم كهذا، quot;لاننا نستطيع من خلاله ان نرى كيف يرانا الغرب الذي يتخيلنا اكثر مما يرانا....ويحدق في ذاته وعتماته اكثر مما يحدق فينا... هذا الكتاب هو محاولة غربية لقراءة مادة عربية اسلامية وفيه ما ينبغي ان نتوقف اماه كثيراً لنصوبه، او لنتفاجأ به أو لنصادق عليهquot;، وبالرغم من كل ما تقدم اعتبر الناشر العربي أن الكتاب جدير بالقراءة، أما ما ورد في كلمة الناشر الفرنسي فهو يعتبر ان المسلمون منقسمون على انفسهم، فهناك تيار يمثله الاسلام المتزمت يمكن أن يقود الى التطرف والعنف مثيرا لاهتمام جميع الغربيين، وهناك تياراً تقليدياً يطرح اسلاماً مستنيراً وتحررياً....quot; بدأ في مصر في القرن 19 وكان رائده رفاعة الطهطاوي المفكر، ورجل الدولة الذي سعى الى تحديث بلده على منوال فرنسا التي عاش فيها ومنذ ذلك الوقت يعتبر التقدميون المسلمون انفسهم أبناء رفاعة الطهطاويquot;، وتساءل الناشر الفرنسي لماذا لم نجد لغاية الان كاميا واحدة او سطرا واحدا في وسائل الاعلام الفرنسي تشير الى مواقف ابناء رفاعة وشهادتهم؟ ويطالب بان الوقت قد حان لمساندة هؤلاء (الخلفاء الطبيعين للغرب)، وأشار الى الخطأ الذي تقوم به حكوماتهم وهو تفضيلها التعامل مع حكام طغاة،....quot;من منظور مستقبلي والامر الوحيد القادر على حماية أمننا الخاص يتمثل في تحرير المسلمين من الاسلاميين ومن الحكام الطغاة ومن الجهل والفقرquot;، ووضح الناشر الى ان quot;غي سورمانquot; قام بمقابلة أبناء رفاعة في المغرب وأندونيسيا وتركيا واسرائيل والكويت والسعودية وايران وبنغلاديش.

quot;غي سورمانquot; أنهى رحلته بجملة quot; أن مصير أبناء رفاعة رهين بتضامننا، وأن أمننا رهين بمصيرهمquot;.... فهل هو على حق؟؟؟

salwalubani@