سلوى اللوباني من القاهرة: هناك الكثير من شعراء وشاعرات العامية الجدد، إحداهن الصحفية الشاعرة quot;جيهان الشعراويquot;..صدر لها مؤخراً ديوان تحت عنوان quot;بنات الروحquot; شعر باللغة العامية عن دار شرقيات، وهو أول ديوان لها يتم نشره، وكما قالت كانت خطوة إتخاذ القرار بنشره صعبة للغاية واستمر التفكير فيها مدة تزيد عن ثلاث سنوات، فقد كانت تكتب لنفسها وتواري قصائدها الادراج..فلم يقرأ لها إلا بعض الاصدقاء المقربين من أساتذة الشعراء ومتذوقي الشعر والفنون، جيهان الشعراوي متأثرة بالعديد من الشعراء منهم فؤاد حداد وصلاح جاهين وعمر نجم وعبد الرحمن الابنودي، وسيد حجاب وشوقي حجاب، ونزار قباني وفاروق جويدة ومحمود درويش وغيرهم، وبعدما تقرأ اشعارهم تعتبر ما كتبته مجرد محاولات.. وكأنها طفلة تلهو في ساحة الشعر وتحدث نفسها قائلة quot;ماذا عساي أن أقدم بجوار ما قدموه ويقدمونه من كتابات شعرية؟ ومن الشعراء الذين يشهدون لجيهان الشاعر quot;شوقي حجابquot; الذي كتب لها كلمات في نهاية ديوانها الجديد قائلاً quot; أنا أراك كل لحظة تنضجين...أعتقد أن لديها عفريت يخرج اليها من القمقم..يهمس لها ببعض اشعاره ثم يعود... ورغم أنها ما زالت في الثلاثين... إلا أن أشعارها تشعرك أنها في التسعين أو المائة... وربما الالفquot;، تقول جيهان أن الشاعر حجاب كان دائماً يشجعها على فكرة طرح الديوان مؤكداً لها أن لكل شاعر تجربته الخاصة وأن لديها شيئاً مختلفاً عما هو سائد في مجال الشعر مقارنة بأبناء جيلها.

لا أشعار ولا قافية ولا تفاعيل:
يضم الديوان 49 قصيدة أو خاطرة.. فكما ذكرت جيهان في إحدى قصائد الديوان التي جاءت مستعارة من عنوان الديوان quot;بنات الروحquot; تقول.. دي لا أشعار ولا قافية ولا تفاعيل...دي مشاعر بنات الروح..لقلب بيعشق المواويل.. حبة مسائل تشغلني..تصحيني في عز الليل..تسهرني تحيرني وتئلمني وتكسرني..لكن برضه تصبرني وتحررني..تقيد في ضلام ليلي..الكلام قناديل، ووضحت بأن ترتيب القصيدة في الكتاب كان عن عمد أي بعد الاهداء والتحدي والتحذير والبداية التي كانت تهدف من خلالها استدراج القارئ وتاهيله نفسياً قبل البدء في قراءة الديوان، وكان هدفها أن تؤكد للقارئ أن ما سيقرأه فيما بعد ليس شعراً بقدر ما هو تعبير عن المشاعر التي شعرت بها بين الحين والاخر، قائلة quot;كنت أعني ب quot;بنات الروحquot; هذه المشاعر، فـبما أن الأفكار هي بنات العقول، إذن فالمشاعر هي بنات الروح، والتعبير عن هذه المشاعر قد يكون في شكل أقرب للشعرquot;، جيهان الشعراوي تكتب قصائدها بشكل تلقائي معتمدة على الايقاع السمعي على حد قولها فهي لم تدرس العروض والاوزان الشعرية، الا إنها اعتمدت على نصيحة الشاعر حجاب بأن العروض علم يمكن اكتسابه مع الوقت والمهم في الامر هو الموهبة التي يرى أن نواتها موجودة لديها.

العامية وليس الفصحى:
بما أنه الديوان الاول لجيهان الشعراوي قامت إيلاف بالاتصال بها للاستفسار عن عدة امور بما يخص ديوانها الاول، ومنها استخدام اللغة العامية وليس الفصحى حيث من الملاحظ مؤخراً أن هناك الكثير من شعراء وشاعرات العامية الجدد، فوضحت جيهان بأن استخدام العامية أمر غير مقصود ولكنها وجدت نفسها تستطيع التعبير عن مشاعرها وأفكارها بصورة أفضل من خلال العامية التى تشعر فيها بنبض الحياة التى نعيشها، بالرغم من أنها تصيغ موضوعاتها الصحفية باللغة العربية، ولكن عند أبواب الشعر على حد

جيهان الشعراوي
تعبيرها تجد في العامية مفاتيح تستطيع من خلالها الدخول إلى عالم الفكرة أو الحالة التى تريد التعبير عنها أو بمعنى أفضل، لأن العامية هي اللغة الحية التي نتعامل بها فى حياتنا اليومية والتي نشعر بها أيضاً، ولديها قناعة بأن الجيل الحالي الذي لم يشهد مجد الفصحى إلا في الكتب المدرسية التي حولتها لمادة دراسية لا يهم الطالب منها إلا الحصول على درجات النجاح، هذا الجيل تشعر أنه في حاجة إلى من يخاطبه بلغه سهلة وبسيطة يفهمها دون عناء، فهم يعانون في واقع الحياة من غموض وعدم وضوح في شتى التعاملات بين البشر ووبعضهم البعض، وتقول أنه يمكننا القياس على ذلك بالغموض الذى يشوب علاقات الحكام بالمحكومين وعلاقات الدول ببعضها، وهذا ما انعكس دوره على علاقة الإنسان بذاته الداخلية وبالكون من حوله.

رثاء ورصد للواقع:
معظم قصائد الديوان رثاء للواقع، ومنها قصيدة quot;الورد إعرفوهquot;، quot;أمر الزمانquot;، quot;كمام ناقصةquot;، ففي أمر الزمان تقول.. على عباد تشقى...وعلى عباد تانيين تاخد وما بترضى... أمر الزمان على ناس تعيش وحدة...وخلا ناس تانيين بالصحبة ناس جاحدة...، تقول جيهان بانه رصد للواقع الذي هو في حقيقة أمره مراً بعض الشئ أكثر منه رثاء، ففيه إشارة إلى هؤلاء الذين تمنحهم الدنيا الكثير ولكنهم يريدون منها المزيد وهم يظنون أنها لم تمنحهم شيئاً، إضافة الى ذلك ترى بأنه تحريض على تغيير هذا الواقع وتحريض الاخرين على رؤية ما في حياتهم من إيجابيات لأن الحياة تعطي كما تأخذ ولكن لأن البشر لا يتطلعون إلا للأشياء البعيدة عن متناول يده، اما في قصيدة quot;كمام ناقصةquot; تقول... والفرصة لو كانت لك جاية...إياك تكون منك ضايعة.. واما يديك النصيب... ماتتمناش نصيب غيرك... دا الطماع مهما رزق.. بيبات قميص بكمام ناقصة...، اشارت هنا الى اقتناص الفرص التي تاتي الينا مع تحذير من الطمع فيما هو في يد الاخرين، أما فى قصيدة quot;الورد إعرفوهquot; ففيها دعوة للنظر إلى هذا الكائن الرقيق من زاوية أخرى لندرك أولاً أنه أصبح مصاحباً ومشاركاً لنا فى الأفراح والأتراح، وتقول جيهان انها في هذه القصيدة تحديداً كانت تقصد مع الورد كائن آخر يشبه كثيرا الورد فى شكله ومضمونه ومعناه، وهو quot;البنتquot; أو البنات عموماً، كما وضحت أن البعض ممن قرأوا الديوان قد ادركوا هذه التورية التي تقصدها، كما كان واضحاً أن أسلوب الشعراوي يمتاز بالمباشرة والوضوح في الصيغة دون اللجوء الى الرمز غير المباشر ولا الصور الوصفية المطولة، فتقول من منطلق شعورها بجيلها تدرك أنهم يحتاجون إلى عقل حكيم وغير ذى سلطة عليهم ليرشدهم بشكل غير مباشر ويلخص لهم تجاربه فى جمل محددة وواضحة لأنهم جيل للأسف لا يملكون من الوقت لممارسة إنسانيته وهواياته إلا القليل على حد تعبيرها، كما تضيع منهم ساعات العمر في ملاحقة التطور والأحداث المتسارعة والمتطلبات المتزايدة باستمرار.

تشاؤم وأمل:
وفي بعض قصائدها كان يطغى التشاؤم على كلماتها على سبيل المثال في قصيدة quot;مع المعنىquot; تقول عايشين مع المعنى...في زمان مالوش معنى.. وقلوب بتوجعنا.. من شوقها للحنان...عايشين مع الدنيا...ومش هى دنيتنا... واللى مسكتنا..مفيش سكك تانية...غير سكة الأحزان..، تقول جيهان انها عندما كتبت هذه القصيدة كانت في حالة أسر لرغبة جامحة في البحث عما وراء الكلمات من معاني في زمن أصبحنا نسمع فيه العبارات الرنانة والمصطلحات الضخمة خاوية المضمون وفاقدة لأي مصداقية رغم بلاغة الأسلوب والشكل المنمق، فأخذها الحنين لأشعار وأغنيات قديمة كانت تراعي فيها أبجديات الشعر من وحدة البنية والمضمون وتعبير القصيدة بكامل أبياتها عن فكرة واحدة وافية، وهناك قصيدة أخرى تؤكد فيها ايمانها بأن ما يقال لابد أن يحمل معنى وهي قصيدة quot;عشق وميلquot;، تقول..الكلمة بعد الكلمة...لازم تقول معنى... والدمعة لما تسيل... وراها ميت معنى... والحزن لو بالكيل...الأرض ما تساعنا... والحب عشق وميل... في الغربة يوجعنا... يصاحبنا فين ما نروح...لو توهنا رجعنا...نشتاق لحضن حبيب...مسيره يجمعنا، وفي قصائد اخرى كان هناك نوع من الامل والتحدي على سبيل المثال في قصيدة quot;خافquot; ماتناديش على الأحلام تجيلك..قوم روح لها...ولا تستنى الحياة تديلك..خد منها...واختار موقفك منها... يا تعيش حر فيها.. يا تكون عبد لها.. وإن ضحكتلك مرة خاف..خاف قوى من غدرها.

[email protected]