بيروت من جورج جحا (رويترز): كتاب الباحث العراقي الراحل احمد عبد الستار الجواري quot;الشعر في بغداد حتى نهاية القرن الثالث الهجريquot; عمل يمكن ادراجه في باب الاعمال التي توصف بانها ضرورية للباحث في المجالات المتعددة التي تناولها الكتاب. ولم يقتصر كتاب الدكتور الجواري على درس موضوع الشعر في بغداد في تلك الفترة التي شملها البحث دراسة وصفية تقليدية تقوم على تراكم المواد وعلى استنتاجات لم تعد جديدة كليا.. بل جمع الى ذلك مناهج حديثة مختلفة سعى من خلالها الى تعميق بحثه في الموضوعات التي تناولها. وقد اعادت quot;المؤسسة العربية للدراسات والنشرquot; اصدار الكتاب فجاء في 383 صفحة كبيرة القطع. ولعل في ذكر ابواب الكتاب والعناوين الرئيسية لعدد منها ما يلقي ضوءا على موضوعاته العديدة وعلى اتساع نطاق ما عالجه الاكاديمي الراحل في مؤلفه هذا. من ذلك الباب الاول وهو quot;بغداد في التاريخquot; وفيه انطلاق من العصور القديمة ومسألة تسمية بغداد بالاسم الذي عرفت به ومعرفة العرب بها وصورة الحياة الاجتماعية والعقلية فيها.. وكثير غير ذلك.
اما الباب الثاني فعنوانه الكبير هو quot;الشعر في طريقه الى بغدادquot; وفيه مادة واسعة متنوعة منها عن الشعر بعد الاسلام وحفاظ العراق على تراث الشعر القديم وبواكير التجديد ومشاركة غير العرب فيه. عنوان الباب الثالث هو quot;العوامل التي اثرت في الشعر ببغدادquot;. ومن عناوين ذلك الرئيسية المتعددة الشعب ثلاثة هي العامل السياسي والعامل الحضاري والعامل العقلي.
الباب الرابع كان quot;الشعر بين القديم والجديدquot; ومما تناوله الباحث في الحديث عن عوامل التجديد quot;السياسة. غلبة الاعاجم. شيوع الحياة الحضرية. التقدم العقلي. الاتجاهات الفنية في الشعرquot; ومسائل اخرى غير ذلك. الباب الاخير كان quot;مظاهر التجديدquot;.
في التعريف بالمؤلف الراحل كتب الدكتور ناصر الدين الاسد يقول quot;كان الاستاذ الدكتور احمد عبد الستار الجواري ملء السمع والنفس في الاوساط العلمية والادبية والاجتماعية والسياسية خلال السنوات الاربعين التي سبقت وفاته سنة 1988 للميلاد. كان رحمه الله استاذا وعميدا جامعيا تتلمذ له اجيال في العراق ودرس كتبه وبحوثه اجيال اخرى امتدت في البلاد العربية وكان عضوا في المجامع العربية القائمة حينئذ... وتسلم الوزارة عدة مرات.quot;
من نماذج منهج الكتاب ومواده ما ورد مثلا في احد فصوله حيث يتحدث الجواري عن الكوفة واثرها في بغداد فيقول quot;وثقافة الكوفة معروفة لدى المؤرخين بان فيها اثارة من الصبغة العراقية القديمة بخلاف ثقافة البصرة التي كانت ملتقى اجناس عدة من فرس وهنود وغيرهم. وكان ابو عمرو بن العلاء المازني وهو من علماء البصرة ورواتها يقول لاهل الكوفة quot;لكم حذلقة النبط وصلفهم ولنا دهاء فارس واحلامهم.quot; اضاف المؤلف quot;ويبدو ان الحضارة العراقية القديمة او مسحة من اثارها قد تسربت الى بغداد من طريق الكوفة وعلمائها من جهة ومن طريق سكان بغداد الاقدمين واهل القرى المحيطة بها. ويبدو ان بني العباس قد اثروا ثقافة الكوفة على ثقافة البصرة ومالوا اليها فغلب علماء الكوفة على بغداد واتصلوا بالخلفاء فقربوهم وكان ائمة الادب والرواية في بغداد من الكوفة كالمفضل الضبي معلم الخليفة المهدي وكعلي بن حمزة الكسائي مؤدب الامين. وصار امام النحاة في القرن الثالث ابو العباس احمد يحيى الشيباني المعروف بثعلبة وهو كوفي. وقد انشأ المذهب البغدادي في النحو.quot;
ويورد بعض اهم الاسباب التي quot;حملت العباسيين على ايثار الثقافة الكوفية على ثقافة البصرة quot;ومنها مثلا ان انتقال الخلافة العباسية كان quot;من الكوفة او قريب منها الى بغداد فتبع علماء الكوفة انتقال الخلافة وواكبوها.quot; ومنها ان اهل الكوفة quot;كانوا اقرب الى نفوس العباسيين من اهل البصرة لان اهل الكوفة شيعة ال البيت في حين ان البصرة كانت موطن العثمانية والزبيرية والخوارج ثم اصبحت موطن المعتزلة من بعد ذلك.quot; ومن ذلك ايضا quot;ان الكوفة كانت ادنى الى العروبة من البصرة وكان ابو جعفر المنصور يولي هذا الامر عناية واهتماما...quot; كما ان الكوفة كانت اقرب مسافة الى بغداد من البصرة. ومن الاسباب المهمة التي اوردها القول quot;ان البصرة كانت موطن الاراء الجديدة والنحل الدخيلة والفرق الجريئة في العقيدة كالمعتزلة.. وكان اهلها بحكم موقعها الجغرافي متأثرين بالافكار الاجنبية وهم اصعب من هذه الناحية قيادا من اهل الكوفة.. والسلطان اقل اطمئنانا اليهم.quot;