يثير اسم (ياسمينة خضرا) جدلا متصاعدا هنا وهناك بسبب كتاباته المثيرة عن الإرهاب والتطرف. فسمعته ككاتب، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وسواهما، في تصاعد، حتى أن روايته quot;سنونوات من كابولquot; قد احتلت رقم عشرين في مبيعات الكتب الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب كبار الكتاب، وتنتظر إخراجها سينمائيا. بينما لايزال اسمه على الصعيد العربي غير معروف، وأزعم، أنه لا أحد يكترث به.
و(ياسمينة خضرا) هو الاسم المستعار (لمحمد مولسهول) الضابط في الجيش الجزائري سابقا. يعترف بأنه عربي مسلم من جنوب الجزائر، أي من صحرائها، وأن والده كان شاعرا، وأنه كان يكتب في البداية باسمه الحقيقي. ولكونه عسكريا ارتأى من الأنسب له أن يكتب باسم مستعار تخلصا من لجنة الرقابة العسكرية. وياسمينة هو اسم زوجته. فسّر الكاتب سبب اختياره لهذا الاسم مرددا ما قالته له سابقا زوجته حول هذا الأمر: quot;أعطيتني اسمكَ لأحمله مدى الحياة، وها أنا أعطيكَ اسمي لتحمله إلى الأبدquot;.
كاتب أسمر، قصير القامة، حاد الملامح، صحراوي الطباع، ممتليء شكّا، حدّي، تلقائي ومبالغ في ردوده كاشفا عن طبيعة مهنته العسكرية السابقة، لكنه يخفي وراء ملامحه الجادة، طيبة وشهامة واعتداد أهل الجزائر. كانت (ياسمينة خضرا) الحقيقية تجلس وسط قاعة غصت بالطلاب وبعض الأساتذة في جامعة وارسو العتيدة، مصغية بأدب جم لتعليقات زوجها والأسئلة التي طرحت عليه بالفرنسية وبعضها بالعربية، مصحوبة بترجمة بولندية. لم نكن نعرف أنها زوجته إلا في نهاية اللقاء، حيث اقتربت من زوجها الذي كان قربي ورحبّت بي بالعربية، فعرفت أنها هي، فقلت لها: أنت ياسمينة خضرا الحقيقية؟ أشارت بحياء إلى زوجها وابتسامة حيية تعلو وجهها.
حل الكاتب ياسمينة خضرا ضيفا على بولندا بناء على دعوة من دار الحوار الأكاديمية للنشر، ومسؤولتها(البروفسوره أنّا بازيميس- رئيسة معهد الإسلام في أوروبا بجامعة وارسو). أصدرت هذه الدار في سلسلةquot; الأدب الفرانكوفونيquot; روايته quot;Les Agneaux de Seigneurquot; (باريس 1998)، بعنوان quot;حملان السيدquot; أو نعاج السيد. وهي الرواية الرابعة له الصادرة باللغة البولندية، بعد رواياته: quot;سنونوات من كابولquot;وquot;بنت العم كافquot; وquot;الذئابquot;، وستصدر كذلك روايته المعروفةquot;الإعتداءquot;. وبهذا سيتبوأ هذا الكاتب المرتبة الثانية بين الكتاب الفرانكوفونيين المترجمين إلى اللغة البولندية بعد الكاتب اللبناني الأصلquot;أمين معلوفquot; الذي يحظى بسمعة واسعة في الوسط الثقافي البولندي.
قدمته صاحبة الدار بحفاوة، وشكرته على تلبية الدعوة. بعدها بدأ الكاتب بالحديث.
قال الكاتب: quot; أنا في رواياتي أتحدث عن المشاعر الإنسانية، ويمكن لأحداث روايتي quot;حملان السيدquot; أن تنقل من أصلها الجزائري، إلى إي بلد كان، بما في ذلك البلدان الأوروبية، حتى أنها دخلت في برنامج التدريس العسكري في أمريكا، وعملت ضجة في الغربquot;. يعتقد الكاتب أن الغرب، قبل أحداث سبتمبر 2001 التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية، كان يرى الإرهابيين على أنهم مجموعة من الملتحين، والمتخلفين فقط، ولم يكن يعرف أن هناك في صفوفهم مثقفين وخبراء. وقال: quot;إنه حذر من تدمير تمثال بوذا في أفغانستانquot; وقال: quot;أنا عربي مسلم وأحارب ضد الإرهاب والأفكار الجاهزة...وأنا مصدوم بالصورة التي يُقدّم بها الآخر في الإعلام الغربي، لذا فكتبي ستساعد على تفهم عالمي وأفكاري. أنا أقود القاريء في كتاباتي إلى التعرف على أسباب ما يجري وسط العرب والمسلمين، وأن الشرق ليس بربريا بل فقير، مثلما لا يدل ثراء دولة أوروبية ما على تحضرهاquot;. ويرى بأن عدوانية واستعلائية الأثرياء هي من بين أسباب غضب الفقراء وعدوانيتهم تجاه الآخر. ذكر، أنه في ندوة مشتركة مع مؤرخ فرنسي معروف، تقدمت صحافية وسألت المورخ عن الإرهاب، فقاطعها ياسمينة متسائلا باستغراب: لماذا لا تسألينني أنا الذي تعرفت على الإرهاب والإرهابيين ورأيتهم بأم عيني، حتى يمكنني وصف ملامحهم بدقة!! وهنا إشارة إلى عمل الكاتب أثناء خدمته العسكرية كأحد المسؤولين عن مكافحة الإرهاب في الجيش الجزائري. قال الكاتب ياسمينة: إن الغرب لا يفهمنا، أنا وأمثالي، ممن يكافح من أجل السلام في العالم، ونحن من يواجه التطرف وأن المعركة تدور أساسا في صفوفنا. لكنه وبعد قوله: كنتُ أعتقد سابقا بأن الغربيين أعمق منا، وأنهم قد نسوا أننا نحن العرب الذين علمناهم النظافة سابقا، وأننا نحن من أسس المستشفيات ونحن ونحن إلخ، قد أثار بهذا الكلام كما يبدو حفيظة ومشاعر قسم من الحاضرين، خاصة بعدما أخذ يفتخر بأنه أكثر الكتاب مطاردة بسبب كتاباته. وهذه النغمة ترددت في أكثر من موضع كما سنرى. الأمر الذي أدى إلى خلق تصور بالاستعلائية لديه في صفوف الحاضرين، مما لا يخدم الكاتب مطلقا، خصوصا وأنه لم يثبت لهم معرفته الواسعة واطلاعه على كتابات الآخرين، إضافة إلى عدم حاجته لذلك. سألته إحدى الحاضرات كردة فعل: لماذا اخترت موقعا مريحا في فرنسا لانتقاد الأوضاع العربية، بدلا من مواجهتها في عقر دارها؟ أجاب قائلا: إن كتبي تخدم الجميع، خصوصا القراء في الغرب. والجزائريون ثنائيو اللغة (العربية والفرنسية)، وأن هناك نقصا هائلا في احترام الأدب في البلدان العربية، وأن العرب يفتقدون إلى الطموح والمغامرة، وأنه كان قد كتب، أساسا في الجزائر، ولم يغادرها بغرض مهاجمتها وانتقادها. وقال: إنني أكتب وأتحدث عن بلدي باعتزاز وكبرياء، حتى أنني قد بنيت لي بيتا فيها وأريد أن أعود إليها. كما وأنني أزورها سنويا منذ أن أنهيت خدمتي في الجيش وتوجهت باديء الأمر إلى المكسيك للتفرغ للكتابة. وما اختياري لفرنسا إلا لأنها توفر لي حرية الكتابة وحرية التنقل والحركة.
ربما، من بين أكثر القضايا إشكالية، هو ما ذكره بشأن اللغة. فهو يرى بأن quot;الكتابة ليست قضية لغوية فقط، فالمهم هو ما يطرح فيها وكيف يُطرح، وإلا كيف نفهم أن كتابا مترجما لي من الفرنسية إلى الإنكليزية، يبقى محافظا على قوة الأصل؟!quot; دون شك، أن أهمية اللغة بالنسبة للروائي ربما لا تشكل ذلك الإحراج وتلك الإشكالية كما هو الحال لدى الشاعر. إلا أن اللغة تبقى واحدة من أخطر الأدوات التي يخشاها ويحذرها ويحرص عليها الشاعر والروائي، خصوصا إذا تعلق الأمر بالمغتربين. علاقة المغترب باللغة المتبناة تبقى قلقة ومشوبة بالمكائد. فبدون التحكم باللغة لا يمكن لأيّ كان مهما كانت موهبته الأدبية وعظمته الفكرية أن يكتب ويؤثر. على أن اللغة ليست كل شيء.
لقد حاورته في الجلسة وطرحت عليه بعض الأسئلة، سأركز على اثنين منها وحسب. قلت له: إن هناك تصورا لدى الفلسطينيين، وبعض المثقفين العرب بأنك في رواية quot;الاعتداءquot; قد حمّلتَ الجانب الفلسطيني تبعية الإرهاب في صراعهم مع المحتل، بدون الإشارة أيضا إلى إرهاب الجانب الآخر.
قال: quot;إنني أدافع عن القضية الفلسطينية أكثر من غالبية الفلسطينيين أنفسهم، حتى أكثر من محمود درويش!! وأضاف قائلا: أنا لا أصفق للفلسطينيين، لكن أدافع عنهم بطريقة ذكيةquot;، كما وبين امتعاضه من وصف جريدةquot;الحياةquot; له ذات يوم، بأنه انتقد العرب لكي يحصل على جائزة quot;الغونكورquot; الفرنسية.
قلت له: هناك اعتقاد، في أوساط قسم من الجزائريين وسواهم، يرى أن الجيش الجزائري لم يكنْ بريئا مما حصل ويحصل في الجزائر من مذابح، وأنت كعسكري سابق، هل بإمكانك أن تحدثنا عن حقيقة الأمور؟
قال: كانت هناك ثمة توجهات في فرنسا لدعم الجيش الجزائري، في مواجهة الإرهاب والتطرف الأصولي في البلاد، بعدها جرى اتهام الجيش الجزائري بتأجيج الوضع وبارتكاب المجازر. وأنا كنتُ أحد المسؤولين في الجيش عن مكافحة الإرهاب... الجيش الجزائري لا يملك إمكانيات لمواجهةquot; المقاومة المسلحةquot; لقوى الإرهاب، ومع ذلك أرى بأن الجيش الجزائري تعامل مع هذه القضية أفضل من تعامل الجيش الأمريكي الهائل العدد والإمكانيات مع قضية مشابهة في العراق. لم يكن جوابه واضحا وكافيا بما يكفي.
لم يكن اللقاء مقنعا حتى النهاية، لأن هناك ثلاث قضايا أساسية عملت لغير صالحه، تتمثل في بروز نبرة الافتخار والاعتداد بالنفس المبالغ فيها أولا، وثانيا، افتقار الكاتب للمرونة في الحوار، حتى أنه، رغم طيبته، قد خلق انطباعا لدى الحاضرين، بأن من تحدث أمامهم هو محمد مولسهول العسكري وليس ياسمينة خضرا الكاتب، وآخرها، عدم اطلاعه على كتابات العرب الآخرين، حتى قالndash; في معرض رده على سؤال من المستعربة البولندية البروفسورة(إيفا ماهوت- منديتسكا) يخص بعض الكتاب العرب ومنهم عبد الرحمن منيف- بأنه لا يعرفه!
دون شك، كان اللقاء من الجانب الآخر، ممتعا ومفيدا ومناسبة جيدة، للتعرف على كاتب عربي- فرانكوفوني رغم تضارب الآراء حول كتاباته، إلا أنه أصبح اسما مشهورا في أوساط القراء والمثقفين في أوروبا وأمريكا وأماكن أخرى من العالم. وسواء اتفقنا معه أو اختلفنا هنا وهناك، إلا أنه يبقى مفخرة لبلاده ومنطقته.