القدس (رويترز) - خلف باب المبنى رقم 36 بشارع الخانكة وهو زقاق حجري منحدر محشور بين الحيين المسيحي والمسلم في المدينة القديمة بالقدس يرقد تاريخ ثمين باللونين الاسود والابيض. وعلى جانبي ستوديو فاروج اشخانيان للصور الفوتوغرافية تصطف صور نابضة بالحياة التقطت على مدى 130 عاما مضت تتتبع تاريخ القدس منذ العصر العثماني مرورا بالحكم البريطاني فالاردني وحتى انشاء دولة اسرائيل والحروب التي وقعت خلال تلك الفترة. وبدءا من اليهود الاشكيناز الذين يدرسون التوراة في أوائل التسعينات وحتى قوافل الجمال التي تغادر بوابة دمشق في طريقها الى بيت لحم والجنرال البريطاني ادموند اللنبي الواقف عند مدخل القدس في عام 1917 تحكي الصور قرونا من الاعمال الدينية والسياسية والصراع. ويقول اشخانيان (73 عاما) وهو يضحك ضحكة خافتة ويقلب كومة من ألبومات الصور الاصلية القديمة المتراكمة فوق مكتبه quot;تحتوي كل صورة على أكثر من ألف كلمة.quot; وكانت كل صورة تحمل رقما وتاريخا.
واضاف quot;هذه الصورة التقطها جدي.. احدى أوائل الصور التي التقطها.quot; وكان يشير الى صورة باهتة باللونين البني والابيض لامرأة يهودية تصلي عند الحائط الغربي في أواخر الثمانينات.
وهناك صور لغجريات عاريات الصدر خلال الحكم العثماني ولعملية اعدام أحد اللصوص على يد السلطات العثمانية في عام 1905 ولصيادين عرب على بحيرة طبرية عند الغرب في عام 1885 والتي تعد احدى الصور المفضلة لدى اشخانيان.
ويعد اشخانيان نفسه وهو أرميني ولد ونشأ في المدينة القديمة بالقدس جزء صغير من التاريخ الذي صوره هو وجده ووالده وفي الوقت الحالي ابنه حيث عمل كمصور شبه رسمي للملك حسين ملك الاردن في اواخر الخمسينات وأوائل الستينات.
وبدأ اشخانيان التقاط الصور في منتصف الاربعينات عندما كان يساعد جده كيركور في ستوديو التصوير التابع له في شارع يافا فيما كان يسمى في ذلك الحين بالقدس الجديدة وهي الجزء الكائن خارج جدران المدينة القديمة.
وخلال حرب عام 1948 التي أعقبت اعلان قيام اسرائيل ظل اشخانيان في المدينة القديمة حيث لجأ الى الدير الارميني غير أنه ظل يخرج الى الشوارع يوميا لممارسة حرفته.
وبعدما تمكن من تنمية موهبة لالتقاط الصور الاخبارية وصور الزفاف الاكثر جلبا للربح حيث تحتوي ألبوماته على عدة صور لفتيات عربيات خلال الاستعداد للزواج تملق اشخانيان السلطات الاردنية التي كانت تدير القدس في ذلك الحين حتى أصبح الشخص الوحيد المسموح له بالتقاط صور في القصر الهاشمي في الاردن.
وتذكر قائلا quot;كنت أعمل لدى عدة صحف في ذلك الوقت وواصلت الالحاح والالحاح.. وفي النهاية وافقوا.quot; وأضاف quot;بعد فترة وجيزة للغاية كنت أذهب الى عمان كل يوم تقريبا واصبحت على علاقة ودية تماما مع الملك.quot;
وكانت لديه صورة تحمل توقيع الملك حسين الذي توفي في عام 1999 حيث كان يعلقها في أفضل مكان لديه وهو نافذة الاستوديو غير أنه أنزلها في عام 1967 بعدما استولى الاسرائيليون على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الاردن في الحرب.
وحاليا يعلق اشخانيان بدلا من الصورة السابقة صورة تحمل توقيع الملك عبد الله بن الحسين داخل الاستوديو الصغير تطل على مكتبه. كما توجد صورة أخرى معلقة على نفس الحائط فوق صورة الملك عبد الله مباشرة لاشخانيان وهو يبدو أنيقا في أواخر العشرينات من العمر. ويرفض اشخاينان الخوض في أي مناقشات سياسية قد تثيرها صوره ويترك الصور تتحدث عن نفسها. ويقول بحسم quot;الصور تظهر كل شيء.quot; وبعد فقدانه البصر باحدى عينيه بعد كل هذه السنوات التي قضاها في غرفة مظلمة يقضي اشخانيان ايامه حاليا في الاستوديو يبيع نسخا مطبوعة من مجموعته من الصور مقابل 50 شيقل (نحو 11 دولارا) للواحدة. ويساعده ابنه ساركو الذي لا يزال يلتقط الصور.