quot;وأنا
صرت ماكينة معلومات
تغسل أسنانها
وتدخن كحرب
أطلقت لحيتي
وغالبا ما أجلس في مقعد الذكرياتquot;

أجرى الحوار هاني نديم: ولد الشاعر المصري جرجس شكري في عام 1967 في سوهاج. ينشر دواوينه الشعرية منذ عام 1996. وفي عام 2004 ظهرت مجموعته الشعرية quot;إن ما تبقى منا لا يهم أحداً quot; باللغة الألمانية.


bull;ديوان يتبع ديوان، أم ديوان يلغي ديوان؟، هل يحرق الشاعر بديوانه الجديد بقية إصداراته ويتطهّر منها ومن آثامها اللغوية، ماذا يريد الشاعر؟
ـ لا يمكن لديوانٍ أن يلغي الآخر، هذا لا يحدث تماماً كما لا يستطيع الشاعر أن يغير نفسه، لكن الديوان الجديد هو خطوة جديدة ومختلفة عن التي قبلها، وينبع من رغبات مختلفة أيضاً، لهذا يجد الشاعر إلحاح الإصدار الجديد.

bull;هل تريد أن تقول أن القصيدة بشكلٍ عام، ليست طرحاً نهائياً؟
ـ قد تكون القصيدة بعد كتابتها ونشرها طرحاً نهائياً، أما الشعر نفسه فلا يمكن القول بأنه طرح نهائي، إذ أنك تشعر في لحظات بأنك غير راضٍ عما كتبته مطلقاً، فتعيد صياغته من جديد، أحب ـ وبشكلٍ طفولي ـ مقولة (الإنسان لا يغتسل في النهر مرتين)، أنا أقول ولا ـ حتى ـ لمرة واحدة!!، عموماً أنا لست راضياً على الدوام.

bull;هل تبدل مفهوم التلقي اليوم للكلمة وموسيقاها، هل برأيك وطأت قصيدة النثر الخارجة عن الموسيقا لذائقة جديدة تحولت فيما بعد نحو الرواية التي أصبحت في الصدارة، أو السرد الأفقي، هل انحسر الشعر لحساب المدّ الروائي؟
ـ لا، لي رأي خاص في هذه القضية، وأنا على القول في أزمة تشمل الفنون كلها، الشعر والرواية والقصة، لا يمكن أن ينحسر نوع من الأدب ليتقدم نوع، دعنا نناقش الرواية التي تقول أنها في الصدارة، هل قدمت أسماءً جديدة؟

إن كل أسمائها اللامعة هي نتاج مرحلة قديمة ومن زمن سابق، محمد البساطي..منيف..إلياس خوري. القضية لها عدة عناصر، وللشعراء دور في هذا المأزق، فقد انحازوا إلى جوّانيتهم وأنفسهم بدءاً من السبعينات، ومارسوا الكثير من الألاعيب اللفظية والتمارين الكلامية واتجهوا إلى مدارس نقدية مختلفة، ونسوا أن الشعر هو من الشعور كما جاء في اللغة، ولا يمكن بالتالي صناعته كما فعل منذ ثلاثين عاماً لتتكرس مفاهيمه كصنعة في التسعينات!

هذا من جانب، ولكن للأزمة جانب لا يغفل ألا وهو طبيعة هذا العصر، عصر الصورة بامتياز، والذي لم يلتفت له الشعر من عليائه!، وظل الشعراء يكتبونه كما كانوا يكتبونه في عصور الصمت والظلمات الماضية. لم يواكب الشعر هذا العصر..يخطر لي محمود درويش كنموذج لشاعر معاصر ونموذج لشعر مواكب، فهو في كل ديوان جديد يكون جديداً تماماً ومختلفاً عن الآخر تماماً. أعترف أنني غبت قرابة ثلاث سنوات لشعوري أنني لا أنتمي لهذا الواقع ولا أقدم حلولاً له، وعدت حينما ارتأيت أنني قد أكون دخلت مزاج الوقت.

bull;الماغوط قال ذات حوار: quot; بينما كان أدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج ينظّرون للشعر، كنت ألتهم ما بالبراد!quot; ، هل على الشاعر أن يقرأ أم تكفيه فطرته؟!
ـ نعم، على الشاعر أن يكون قارئاً جيداً عني شخصياً لا أتخيل نفسي دون قراءة الفلسفة مثلاً. الفلاسفة الإغريق كلهم شعراء، وكبار المسرحيين هم شعراء أيضاً.

bull;على ذكر المسرح واشتغالك النقدي فيه، من ترى أنه أسس للآخر، الشعر أم المسرح؟
ـ لا يمكنك الجزم وإن كان المسرح قد نشأ عن الشعر تاريخياً..بربك هل يوجد مسرحي مؤثر واحد ليس بشاعر؟..شكسبير..بريشت..بيكيت، إنهم يكتبون الشعر بشكلٍ أو بآخر، كما أنه ثمة رابط بين المسرح والشعر فيما يتعلق بالبناء الدرامي بينهما. كما أن بينهما رابط عضوي، فلما كان الشعر موزون ظهر المسرح الشعري، وانحاز للسرد والنثر مع انتشار قصيدة النثر اليوم.

bull;كما توقعت أن تقف موقفاً وسطياً بين المسرح والشعر، دعني أوصلك لما أريد، أنت ممن يعتمدون الدراما في نصهم الشعري ، وتكاد تتكئ عليها أكثر من اتكائك على اللغة ذاتها، حتى وأن ديوانك الشعري رجل طيب يكلم نفسه تحول إلى مسرحية!. بسؤالٍ مجازي، لأيٍ من الفنون خُلقت الدراما بكلٍ أساسي؟
ـ لا يمكن لشيء أن يمارس دون دراما، فالنقد المهم هو الذي يكتب في صيغةٍ درامية الفلاسفة الإغريق كلهم شعراء، والشعر هو صاحب الفضل الأكبر لتطور الدراما من أيام الإغريق حتى وقتنا هذا، ولعل توظيف الدراما والاستفادة منها في القصيدة هو أمر يشغلني جداً.

الشعر مجموعة من الصور الجميلة ولكنه بكلمات رنانة، وكنت أعد هذا الأمر يجعل من الشعر طبلاً فارغاً أجوف. الدراما أعطتني روح لهذه الصور الجميلة والأصوات المتناغمة، ومن غير نية مسبقة تقمصتني الدراما حتى تحول كما ذكرت احد دواويني لمسرحية، وأنوه هنا أن المخرجين هم من فكروا بهذا وليس النقاد الذين كتبوا عن المجموعة، وعليه كان قراري الصحافي أن أكتب عن الدراما فقط والتي هي جزء من مشروعي.

bull;هل تعتقد أن نزوعك إلى السرد والنثر يحدو بذائقتك الشعرية نحو ما يوافق هذا المزاج؟
ـ لا، إن تذوقي للشعر لا يخضع للنوع والأسلوب والشكل الخارجي للقصيدة (القالب)، أنحاز للشعر أينما وجد وبأي هيئةٍ كان، خليلية أم أدونيسية!، إن كل الكلام يحمل موسيقا خاصة به، ولكن ليس بالضرورة مطلقاً أن تكون تلك الموسيقا موسيقا الخليل بن أحمد الفراهيدي، الشعر هو الشعر.

وإن كنت قد بدأت بكتابة الشعر العمود، وأنحاز له، وتدرجت نحو النثر من العمود للتفعيلة حتى النثر، ما زلت استمتع بأحمد شوقي كما استمتع بالبياتي وعبد الصبور، ولا أطيق التطرف الشكلي بحيث لا يقرأ شعراء العمود لشعراء النثر، والعكس.

bull;لنتكلم عن هذه اللحظة، اليوم بعد مؤتمر قصيدة النثر، هل هذا الاحتفاء والتخصيص يعد صدمة كهربائية لنبض نصٍ يعاني مرض الإهمال والموات الجماهيري؟
ـ لا أعتقد أن النص النثري يعاني من موات جماهيري، ولكننا نعاني جميعنا في الوطن العربي من موات سياسي واجتماعي، وهذا لابد وأن يلقي ظلاله على كل شيء نبدعه.

bull;عوداً على تجربتك، ما خصوصية نص جرجس شكري برأيه؟
ـ ربما أنا أمين بنقل كياني ومعاصرتي عبر نصي، إذ أن تجربتي الحياتية لا تنفصل عن شعري، ما أكتبه هو تجربتي أنا، فكل واحد منا يشبه نصه، كما أنني أمتلك الرغبة بشدة في إخراج النص من قالبه الذي اعتدنا عليه، وكثيراً ما أقول لنفسي ما الضير في أن يدخل الحوار المسرحي بل وحتى الديكور في القصيدة!!، كما تلهمني كل الأشياء وتدخل في نصي.