خوف

كان الطريق إلى بيت العائلة مفروشا بالنوايا السيئة، والبستاني المسئول عن تشذيب الأشجار غررت به الرائحة المنبعثة من المقهى المتقشف حيث المالك هو ذاته العامل الوحيد الحريص على ما لفوطته من بياض يعكس جمود تعبيراته المستمد من غيمة ثقيلة تنبعث من دخول البن إلى النار مجنبة إياه الآثار المدمرة لتيار يمر أسفل العتبة محملا بدماء طيور مذبوحة وبذاءات صبية المحال المدفوعين ndash; تحت الوطأة الاستفزازية لبياض الفوطة ndash; إلى جانبي المقهى يكدسون أقفاصا صفراء أضمر لها امتنانا إذ تمنح طيورا بائسة فرصة تشييع ذويها موحية له باحترام الدموع الصامتة للبستاني الجالس في الركن الأكثر عتمة يرثي ذاتا اختلطت عليها نوايا التدخل في عمل الطبيعة التي بمنتهى الرحمة الزائفة أخفت عن الرجلين دورا تحذيريا تلعبه الأقفاص الصفراء كلما اقتربتُ من البيت

عزلة

على الأرضية الخشبية يزاحم الصمتَ وقعُ خطوات متخيلة، فيبالغ المصباح في تدليه لاستحضار خيالات غمرها بنور ٍ ضيق به ذرعا من خزانة ملابس استدرجت المائدة والكوب الذي نسي طعم أخر شفتين إلى التربص بسرير انحرف بوجوده إلى مركبة موغلة في سهوب الأرق، فينأى الكرسي ـ بهيئته المثيرة للشجن ـ مشفقا على الجميع من أكذوبة الأمل الأخير المعلق بضلفتي شباك توشكان على الانفجار لمرأى خروج الرجل وقد اختلط صوت خطواته بقطرات من دمه تسترت عليها الألوان التي لن تغفر مطلقا انسحاب شعاع بصرك بفظاظة تجرح ذهب الإطار!!

بين ابن السائب وبورخيس

quot;مرض أبوأحيحة وهو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه أبو لهب يعوده، فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا أبا أحيحة؟ أمن الموت تبكي ولابد منه؟ قال: لا. ولكني أخاف ألا تعبد العزى بعدي. فقال أبو لهب: والله ما عبدت حياتك لأجلك، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك ! فقال: الآن علمت أن لي خليفة ! وأعجبه شدة نصبه في عبادتها.quot; من quot;كتاب الأصنامquot;

ربما كان اسمه ابن السائب لانفلات ما يمور داخله قائدا إياه عكس خطوات العالم فيسوي حسابه مع ألم مصدره حمحمة الخيل بتقصي أنسابها دون التصريح بأن الصهيل محاولة لقطع وحشة الفراغ وتراتبية الزمن وقدر الإقصاء للوصول إلى ما كان ولن يعود إلا برؤيا يقطع فيها ابن السائب المسكون بالتاريخ طرقات مكة متأملا مسيرة الشمس وجدل الضوء والظلال على خلاء ذي يقين بأن ثمة صهيلاً آخر سيتكفل بألم مصدره آلهة منكرة وصلوات مهجورة وقرابين بشرية ورجاءات مؤجلة ما ملت التماس النصح بالفعل أو عدمه....
صهيل آخر ربما سيكلف ابن السائب رقبته التي ستدين بسلامتها لبرودة حبر التأريخ وحجة تعاقب السنوات وزيف الشخوص في متاهة الرواية الصانعة مادة كتاب يعج بالأسماء والنشأة والكهان ومظاهر الاحتفاء وحوارات التقديس والنهايات المخزية.... ليسري عبر كل ذلك تيار يجرفنا خلف ما يذهب به الزمن تاركا الأبواب على مواربة تراها النفس تذكرا وتحسبها المادة فراغا وتدفعها الخيول بالصهيل بينما يجابهها ابن السائب بالسير عكس خطوات العالم منعشا ذاكرة الكون بشعلة الاستقصاء وقد تسرب نورها إلى طرق أخرى غير مأهولة ليس أكثرها غرابة ظهور الآخر المسكون بآلام أسلافه يسوي حسابه مع الزمن بالكتابة عن الشاهد زري الطلعة ينشد الموت كما ينشد المرء نوما، يعاين جدل الضوء والظلال على جدار الكنيسة الصخرية من مكانه بالأصطبل محاطا بالحقول المحروثة والقناة العميقة المسدودة بالأوراق الميتة وأطراف غابة تظهر عليها بين الحين والآخر آثارُ ذئب أوفرُ حظا من حياة الشاهد التي ستنتهي عند الفجر؛ ليصبح العالم أكثر فقرا بانطفاء نور أخر عينين شهدتا طقوس عقيدة وثنية، كما أنطفأ نور أخر عينين أبصرتا المسيح..... ألم فادح يتجسد في: كل عينين تموتان تنطفئ معهما ذكرى ما. لينتهي الأمر بتساؤل يحمل سخرية مرة: أي ذكرى حقيرة ستموت بموتي؟ أي حنين مهلك ورثه لنا الأسلاف؟ سؤال ربما يجبرنا على السير عكس خطوات العالم....

الصمت

عندما أفكر في الصمت كموضوع خارج الذات كشيء خلقه الله مما لا ندريه أصابُ بالحنق من تلك القصص القديمة حين تعترض جزيرة المغناطيس سفن البحارة والمغامرين والمسافرين ذوي الحظ العاثر وبلحظة يلعنون حياة قضوها محترقين شوقا لأي جذب بينما هم الآن يقضون نحبهم في لجته، نفس البحارة والمغامرين والمسافرين ذوي الحظ العاثر الذي سيقودهم هذه المرة إلى جزيرة الأصوات حيث الصرخات تصنع مرتقى الجحيم!

في كل شيء

بالأمس كنت أشيع أحد معارفي
كل القبور بارزة عن الأرض
الشواهد تحمل:
أسماء رباعية
وتواريخ مكتوبة بدقة
وبخط أكبر من آيات الرحمة
نباتات الصبار كثيفة
وذات خضرة ملفتة
(موصوفة لإطالة العمر)
هكذا رد على نظرتي المستفهمة
عجوز كان يجمع ثمار التين الشوكي
بصفرتها المشوبة بحمرة قانية.
وحين هممت بالانصراف
انقض طائر على دودة ببين التراب
فجاهدت لإخفاء ابتسامة
انبثقت من تزامن المشهد
وصوت أحد الحاضرين:
ها قد شيعناه لمثواه الأخير.

شاعر من مصر