سيدة الصلاة


عطرها الميت في الحديقة، تَعبث به الريح
والقبر يطير فوق أجمات تطرد الأسرار.
منذ عهود طويلة
والاسم يبحث عن هيكله العظمي.
وجهها غير المرئي، وأشجار نهديها العاريين التي تظلل
فصول السنة، وسرتها المرسومة على شكل نهر والشبيهة بعين تفاحة،
جواهر تضيء وسط شقوق السأم.
كلانا كان ميتاً، وفي تعاقب الأيام تذكرني تنهداتها بتنفس
القرون المنورة، بالتقمصات والتيقظات المرفرفة عبر الدائم
والمتحول، عبر الزائل واللانهائي، بعري الانسان الطويل
على شواطىء نومه المروعة، وهو يخرج من جليد الكهف
والمغارة، الى بذور شمس البيت والسرير.
سيدة الصلاة تمشط شعرها الايروتيكي تحت هالة النور
المنحدرة صوب البحر.
ينبغي أن نرفع حلماً مقدساً جديداً على فجر العالم
من أجل خلود القيمة المتحققة لوجودنا،
من أجل عهد وثيق مع المجرات والملائكة الذين يحرسون
أغصاننا وأبواب هواجسنا، ويروضون المادة المظلمة لمرآة
لحظتنا الفريدة، من أجل تضرعاتنا المتقشفة لآلهتنا العنيدة
وصرخاتنا التي تتعدد وتتوحد في صراعنا ضد الحتميات.
هل ننحدر ما بين انفصام الارادة والرغبة صوب أرض النسيان؟
ما هي الغاية التي تتحرك نحوها شرارة التاريخ؟
لماذا نتأخر دائماً عن رمي الجثث فوق الروث؟
لا ثمرة
ولا برهان.
هل لنا أفق آخر نملكه ولا يملكنا، حين نتثاءب أمام جدران كهوفنا المتصدعة؟
عصور كثيرة تقدمت ونحن نتسلق شجرة الدورة الأبدية للخليقة،
من دون أن نفكر بثمرة ما، والزمان سلم ننزل منه لنذوب في ظلمة الطبيعة
وننسج ثياب موتنا خيطاً، خيطاً.
أصوات زهور حبنا اللامورقة، تهدد في انفصال الكلمة عن الفعل، نوم الآلهة
تحت النجوم، وكلما ارتفع غصن من أغصان التحنيط ونَّور الأرض كلها.
نحمل قرابيننا ونتقدم باتجاه هاوية الموت والميلاد.
من هؤلاء الذين يفتحون الأنهار على ظلام العالم؟
لماذا يتمدد الكون في كل لحظة الى ما لانهاية؟
هل يتحول الانسان الى نجمة بعد الموت؟
لماذا تعجز كلما اتقدت شرارة الفكر، عن الافصاح الكلمة؟
اذا أردنا الهروب من العودة الى الحياة
ينبغي أن نترك { الموجود ndash; يوجد }
هل تخَّضر ماهية الأشياء في ليل السر الذي ينفتح على الرياح التي تبعثر قرابيننا؟
يستريح في جبيني الطائر وشجرته.
ليس للحب مركز ثابت، والعاشق أسير يقظته.
هل يضىء نبع الموت السهران دائماً، جروحنا المفتوحة على صيف الأبدية؟
الدرب الغريب والسهر الى الأعماق هما ما ينبغي أن يكونا قنديلا صلاتنا
وفجرها الذي يظلل ثمرة التاريخ.
تولد من موتي كلما جفَّت الأنهار، كلمة يتنفس تحت سنابلها العشاق.
أنثى النحّام التي تنعس تحت الشمس المليئة بالوديان، هي بذرة الحب النامية
في أرض العين والمتنشقة صوت الرغبة.
هل الحب الذي لا يرمش، أشجار موسيقى مقطعة وسط الطريق؟
ورد مفرط في اللمعان يسيل بخفة على ليل سرتكِ الناعسة، يسيل على شفتكِ
ذات الينابيع القرمزية، ورَّنة جَرسها شديدة العذوبة. أغنيتكِ المضِّيق عليها دائماً
هو ما يغرينا في العودة الى الوطن، وشواطىء الأيام تجف في كل لحظة، لكن ساعات
انتظارنا التي تتمطى فوق الأشجار، لا تستطيع أن تحولنا الى أنغام تتلاشى في السراب.
سيدة الصلاة تتنهد في حديقة الزنبق، وتغمض عينيها لمرور الأمطار.
شفتاها لم تريا عطر الموسيقى منذ خريف السنة الماضية. صوتي وجدائلها
الخضر، عاشقان يسيران الليل كله تحت أنهار النجوم العليلة، والهاوية في لألائها
على امتداد القرون، تحنو على وجودنا الهش والمنزلق صوب بواباتها المعلقة في سهر
الجرح. طعم الغياب في شفتي، والصوت الحلمي لنحلة موتها أسمعه يأتيني مرتعشاً
من أغصان الماضي ويخترق ظلمة يأسي كالبرق.
أرق الزوال
وومضات فراديس دموعنا التي تمحو الزمان. يبعثران جميع العلامات التي رفعها الحب
في الطرقات المظلمة والمتعرجة.

للتخفيف من شدة صدماتنا المستمرة في ليل العالم

تتعدد في ظلمة البؤس الانساني وفداحة تشظياته. اخفاقاتنا المستمرة في الوصول الى القنديل الموصل صوب الحقل والباب. فرضياتنا الأساسية في الحب والموت، استناداً الى خبراتنا العميقة في عداوة الأنهار وصياغة القوانين تحت أشجار اللبلاب، هي الركائز المترسخة لحيرتنا وتلعثماتنا في الحاضر المتحقق وبذرته المتحفظة. المصابيح المسموعة لاحتضار الانسان المتمدد ما بين العدم وما بين الماهية، والحشائش الغليظة لعطونة حياته في عسل الشمس، وصمته غير القابل للترميمات وسط ظلال الزنبق في الصيف. تتابعات منظمة للّحظات الثابتة للزمان.
بعيدة قناديل تيقظاتنا وصامتة ضربات أجنحتها.
تخفت في عجز الوردة عن اعطاء أي معنى لأريجها الفقير. ايضاحاتنا المنهجية دائماً وترتيباتنا للأفكار، وللتخفيف من شدة صدماتنا المستمرة في ليل العالم. تتجسّم صخرة سيزيف في كل حين، وتعذبنا أحلامنا وشواطىء نجومها القاحلة.
مستشفيات كثيرة تدوخنا مشياتها المتعرجة الطويلة فوق رماد أيامنا، وتهدم صيدلياتها المفزعة أسرتنا وآمالنا المصابة في الشلل.
أشجار الحياة المحملة بصليل أسلحة مشحوذة. يعذبنا وميضها الأكثر عذوبة من القبلة في كل فصول السنة.
16 8 2006 مالمو

شمس آلهة محبوبة تتوهج في ضمائرنا وتعيننا على السهاد

الى محمد النصّار

سنوات طويلة تزّكي الصقور أمثولاتنا في هذه البرية، وتميط اللثام عن تجرعاتنا للضجر الذي تنقّيه حرائق أعماقنا. كلماتنا تتقوس في الصمت ويجرفها رماد الآفاق. الرغبة الحقيقية هي أن ينفلت الانسان من عهوده الأشدّ صرامة، الى مواثيق أكثر شفافية في الرقاد، وفي تفضيل الصخرة على الوردة، وفي الترددات وصعوباتها على الدروب المتعرجة للموت ودعاماته المنزلقة والمشؤومة دائماً. هل من تحطيمات لهذه المؤونة الفقيرة التي نواجه فيها ريش الشمس في المرتفعات؟ أيام الانسان تتبعثر في صخرة سأمه عبر الأصائل المخوّفة. لا البالغة، ولا الأقل ظلمة. ثقل الحيرة في متاهة العيش، هو مايوسم العتبات العالية لتجلداتنا ونحن نتقدم صوب السرير وظلاله الأبدية. حيوات كثيرة ترفض الهروب من التخويفات المصلصلة والزائفة للحافات المنزلقة على أفعال الخير والشر ، غير أن الندم هو ما ينبغي الحذر من فراغه العقيم. كان ينبغي أن نترك الضوضاء تبعثر أشناتها في الساعة المنعزلة الغليظة لفجر المستقبل. لا تهمنا الصعوبات الآن. الحياة بحاجة الى فضيلة الأنانية أذا أردنا أن نصون ضوء الوحدة. لا علامات، ولا يد شجرة تومىء وتدلنا على ذلك المكان المصطفة في جوانبه الفاقة والبؤس. للحصول على حاجز حقيقي يمنعنا من رؤية الصلابة الشديدة للتفاهات. ينبغي أن نحفر لأعدائنا شواطىء أكثر ظلمة. في هذه اللحظة المداومة يود أولئك الحمقى أن تتخلل النيران صقيعهم وأنفاق حيواتهم الممتقعة. لو كانت لهم القدرة في الصيف على إزالة الانعكاسات والظلال المنفصلة عن ذخائرههم، لاستعطفت الينابيع صواعق سلطانها وحرثت نوم احساساتهم اللزجة. انسان الكلمة الممهورة الصادرة من العينين المتواضعتين. يسير ويتحدث مع سنبلة سهره الجنائزية. لا يميّز العصفور المؤتلق في اصطدامه بالشبكة، الصوت المقوس لوجنته الكستنائية. كل اثم هذا النهار يفرّ من الأجمات المتشابكة لحلم الانسان، ويظفر بفريسته بين أعشاب وقبلات ضائعة. لكن الخوف يصل الى ذروته في أيلول العظام، وتورق في نوم شقيقة النعمان البراعم المتجمدة لماضي حيواتنا. شمس آلهة محبوبة تتوهج في ضمائرنا وتعيننا على السهاد. مشدودة الى الهاوية وتتملى صورتها، حياة الطائر الغرّيد في الغابة الممتحنة.
15 / 8 / 2006 مالمو

نار صلاة اخناتون

تَستَريحُ في ليَل وَنهار صَلاة اخناتون مذنبات مصائرنا المتعاقبة في الانشاد وفي النَشيج.
تَستَريحُ احساساتنا المقوِّضة والمُسيِّجة بالتوت البري في تبدلات النار المتمايلة ما بَين
ليَل الشواطىء وثمار الصيف الريّانة. أينَ ولّى أولئك الذينَ استباحوا مَشاعل فَجرنا
وقَرابيننا وأحرقوا الفَراديس؟ استراحت تَحت الظل العَظيم للّحظة السَرمدية أحلام
الخَليقة وانزاحت الأوهام. وانخَسَفت جبال النوم الذي تَعبَث بَراكينه بمصائرنا تَحت
ظلمة القانون الكلَّي للحظة الميلاد المشؤومة. نار صَلاة اخناتون وأورادها الرؤومة
تُنجِّينا مِن الهاوية المتعرجة والمفترسة. تُنّجي سنبلة الحياة التي تظللُ مَسراتنا
وقيثاراتنا في ليَل الزَمان الضَنين. في ليَل ونهار صَلاة اخناتون يَقودُ طائر
الطيطوة مَسيرة الدفء الرَحيمة صوب يَنابيع وَعسل القرون، ويَزيحُ الثلوج عَن قَناديل ليَل الانسان.
16 / 12 / 2005 مالمو

الانفتاحات المتيقظة لتنفسات الرابية

في تَركيزاتنا على استثمار لَحَظات شغفكِ بقَناديل عشقنا وفضائله المَخفية.
في تَشديداتنا على المُتغيرات المعمقة والمنقِّية لتنهداتكِ في الرياح وفي هَياكل
الأحلام. تَتوَغلُ مشاركاتنا بصَمتٍ في اللَحظة الضَميرية لنومكِ الذي تَملأهُ
الوَثائق والفَرضيات. العَلامات الوضّاحة لانحرافات غيابكِ، والأصوات
الاشتقاقية لتَنعيماتكِ في السَقطات المتمايلة للنجوم على الشَواطىء المَأتمية وَفَتحاتها،
والأرصدة المُعَظمة لعَذاباتنا المنحَنية تَحتَ عصور أشجار كستنائكِ في الصَيف،
والالزامات الكَبيرة التي نثقلُ فيها السُهاد في فَراديس اللَيالي. تَغيبُ كلها في
أروقة صَمتكِ الطَويلة والمُسِّيجة بالندبات المستَرخية فوقَ شَمس السَنوات.
معالجاتنا وَتَصويباتنا لفظاظات ترملكِ في الهاوية وفي الانفتاحات المتيقظة
لتَنفسات الرابية، هي نَفسها الاعتراضات التي نَبذلها وَنحنُ نَتناغَمُ مَع الانقلابات
الموصوفة للزَمان. هَل تغرق وَردة صَلواتكِ تَحقيقاتنا في الفَجر، للعثور على
سَفرجلة الأحلام النَّوارة؟ الكلمة المُتحيزة لا توحي، والاطروحات التي نقدمها
بتعاضدات ثنائية لتَكتيكات هَجركِ، مَشروعات رثائية في مَكتَبة صَدركِ حَيث
يَتجرَّع العشاق لوعات القراءة وَوميض أشواقها، تَحت هَناء
جَمرَتكِ العشقية وحرشَفتها الساهرة والمرهفة.
1 / 2 / 2006 مالمو

نار قرابينهم في صيف الفراشات

المصابيح ورائحة النجيل فوق ساعات قبورهم ذات الظلال المتذبذبة المحمومة. عطايا فقيرة تتجنب الظل اللزج لصلابة الايمان. كانت عطاياهم التي دفعوها للآلهة المتوترة، عاطلة من كل نغمة وسلطان. انهم قتلانا المضيّق عليهم في كل الدروب والذين يسيرون بتثاقل في أحراش الماضي، والذين أضاعت خواتيم أعمالهم مشاحنات الأدلاء في البرية ولم يبق لأحد منهم غصن عنب. قتلانا الأجلاّء، في الغبار العاصف عند منتصف المسافة الى الأبدية وجدوا شجرة. في الشجرة حانة. لكن الخمر والماء لم يرّويا عطشهم للموت وللميلاد. أرض الصلوات المتخمرة التي شبكت أنهارها لنار قرابينهم في صيف الفراشات. فتحت عروقها المتضخمة لأشجار حيرتهم في صحراء النهار، وخذلان قناديلهم لهم في حملاتهم ضد ملائكة الرقاد في الظلمة المتحركة للفراديس. مجاهداتهم المستمرة طوال الليل في سعيهم للوصول الى أبواب الفجر المتلهفة للانبثاقات والعناصر الجديدة التي يحملونها بدفء واحسان، انحدرت مع ارادتهم صوب الرؤيا العميقة في اجتيازهم لرمال الرغبات، من أجل التمثلات الحارة للادراك في أرضه النيزكية. كانوا في أشواقهم للمطلق وهو يتلألأ في تألقاته واشعاعاته العظيمة والرحيمة ما بين الحجارة وتنفساتها، وفي ترفعاتهم البطولية التي اتسموا بها دائماً، يدركون الطابع الزائل للأشياء في العالم، لكنهم في ضوضاء الفجر المتخلية عن وظائفها للتعفنات. ذابوا في الصيرورة الأبدية للارادة في ألمها وفي حسرتها. أشجار الصفصاف تومىء دائماً لروابطهم ومواثيقهم معها في كل العصور.
29 / 3 / 2006 مالمو

السقوف الطويلة لسنبلة الحياة

رغباتنا الراهنة بحاجة محمومة الى تثبيت التألقات الفريدة للرحمة الإلهية على الأشجار الهرمة والمريضة للعالم. ما هي أهدافنا في النهوض المؤلم صوب الفضائل المعرية لأسرار وحدتنا في هذه البرية الغريبة؟ ينبغي للانسان أن يطرد الألطاف النحيلة للسلوك الاجتماعي، ويناجي النمور في صلاته بأنانية حادة. نحن الآن بحاجة الى انتفاضة فريدة ضد وضعنا البشري وشروطه العجفاء. ينبغي أن نغيّر العادات والاعتقادات من أجل صيانة الزهرة الذهبية لكرامة موتنا. لا فرصة لنا في الخروج من هذا البؤس الذي ينضج في كل لحظة. عبرنا مرات طويلة الحاجز الأخير للسأم، وانزلقت حيواتنا في متاهة من المصائب والعلل. هل يظللّنا غفران الآلهة في تلاصقاتنا المحكمة والموصولة بالهاوية الممتدة عبر اللمعان الأزرق لفجرنا الأسيان؟
في الظلمات المعادية لأشجار ضجرنا وتمايلاته الحادة. في رطوبة العتبات المنهكة لأبواب نومنا الضنين. في الفضاء المسموم لصمت تنهداتنا وجذورها المتقطعة في الظلام. يحطم الأمل المرّ كل دفاعاتنا في الليالي المتهدمة ويطفىء الوشيعة الفقيرة لذكرى موتانا في الغبار وفي النحيب. في نجوم فراشات صرخاتنا الحمراء والسقوف الطويلة لسنبلة الحياة. نصعد مع نفائسنا الى الهاوية في ارتباك عظيم، تاركين خلفنا عطونة أصداء وعيدنا لشمسنا المغبرة وشعلة الغريزة. يحتاج الوضع الانساني الآن، اخلاصكِ أيتها الآلهة. يحتاج شرارة احسانكِ وحنان الرقاد. لماذا لا تستثير صلواتنا المرفرفة في الوحشة المضيّقة للنعمة، البراكين العظيمة لعطفكِ؟ يحمل الانسان في ليل الحيرة على كاهله وهو يرحل الى أرض العظام. خسته ونفاياته المصففة، ولا ينال الرحمة المشجرة العتيقة للآلهة.
27 / 4 / 2006 مالمو

شاعر من العراق يقيم في السويد
[email protected]